تقديم ،، أوراق من وجع الغربة لسعدالله بركات،، بقلم د. جورج جبور
تقديم ،، أوراق سعدالله بركات،،
* بقلم الدكتور جورج جبور
ينتابني حرج محبب، كلما سألني زميل قلم كتابة مقدمة لمخطوط يود نشره. فأما الحرج فلأن ما يصل إليك قد لا يناسب مذاقك . وأما أن هذا الحرج محبب، فلأنك تحلق قبل غيرك في أجواء الكاتب أو تخوض في لججه. سوف يظهر كتابا ما هو بين يديك أوراق متناثرة ، فلتهنأ بلذة السبق.
منذ الصفحات الأولى ، بل منذ الأسطر الاولى لأوراق الإعلامي سعد الله بركات ، تلاشى الحرج، الصديق الذي عرفته على مدى سنوات إعلاميا وكاتبا صحفيا ، لمقالات ودراسات ، برز منذ الأسطر الأولى غارقا في وجع غربة اختارته.
عندما هاتفني متمنيا أن أقدم لأوراق وجعه،، فاجأني العنوان، قبل أن أفاجأ باستمرار نتاجه بعد تقاعده واغترابه، المفاجأة أيضا كانت لدى قراءتي ،،الأوراق،، وجدتها تنبض بنفحات وجدانية ، تقارب الحس الشعري ،وقد عبر عنها بلغة صافية صادقة ، وهواستبقني و القراء بالتنويه أنه ليس ،، بأديب ولا بشاعر ، ولكنه كما يقرّر قد سطر،، أشجانا وجدها تنساب عفو الخاطر ،،.
يبدو أن غربة سعدالله مركبة ، غربة عن بلدته التي غادرها فتى للعلم ثم للعمل ، وما أن أنهاها بالتقاعد والعودة الى الربوع ، حتى بدأ اغترابه عن الوطن ، ولمّا يرتو…. ، وإذ يبرز حنينه إلى بلدته ،،صدد،، ووجعه على ما ألم بها ، فلأنها هي الرمز والمرتكز ، إنما هي رمز حنين تصدر إهداء الكتاب …. كما يختزل ألمه من وجعين : جرح الوطن وغصة الغربة .
اختزاله هذا نراه في العديد من أوراقه على نحو ،،حكاية صدد …حكاية وطن،، وعندما يقرئهما معا السلام وطيب الكلام ،،سلام عليك يا صدد …
ويا شام … شامة الدنيا .. ،، التي استهل أوراقه بالحنين إليها ، رابطاً بإحكام بين العام والخاص ، بين الجزء والكل، ((كعصفور يرنو إلى عشه ، ومثل زنبقة عطشى ، مثل قطرة ماء تتعشق ذرات الثرى ، يشدني الحنين عاجلا إليك ياشام ))…..،،
، وهكذا تمضي سطوره تضوعا بعبق شوق لا ينفصل، إلى بيت وعريشة يناجيها،وإلى أزقة وناس يصابحهم ويسامرونه:
((،، أشتاق إليك يا صدد ، فعلى أجنحة الشوق أحملك أيقونة بين الضلوع…))..،،
لم يعدم الكاتب دواء لوجعه ، فظل الأمل يحدوه ،بعودة وبمعافاة ،حتى كحل الجفون بغبار الأرض التي عشق:
،،((ذات فجر من أواخر أيار ، حيث الطبيعة تقبل على ثمر وحصاد، قبضنا على سنابل من الحلم ، وحين راحت السيارة تنهب الطريق ،كنا نسابقها بالمقل والجوارح . ، عتمة الليل تتراجع في داخلنا ،قبل أن تفسح للنهار نشر ضياءه على الشام ، انتعشت النفس ، حين دخلنا الربوع ، وربوع الشام على موعد مع فجر نصر يتعمّق ويتعزز. ))،،
أي شجن عفوي هذا ! وكأني به يلهج بغصات كل مشتاق لديار ، والمشتاقون كثر بعدما
أتت محنة سورية الأليمة فبعثرت الأحبة . وبعض أحبة سعدالله رحلوا بلا وداع…. وقد خصّهم ببعض أوراقه ، نافثا حسراته بهمسات الخلّ الوفي .
وقبل أن ينثر الكاتب في ثنايا أوراقه ، باقة من مأثورات القول عن الغربة ،نراه يشرك غيره في التعبير عن لواعج الحنين عبر مقتطفات لأدباء ولمواهب ، لعلّه أراد تشجيعها وحسنا فعل .
وإني في الختام لأغبط بلدة وبلدا ، على هكذا انتماء ، وعلى هكذا ابن بار لهما ومنهما ، سعد و بركات ……
* جورج جبور
دمشق حزيران 2017
# صدر الكتاب عن دار المقتبس بيروت ودمشق 2022