بقلم: محمد علي صنوبري
لقد وصل دعم الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع لإسرائيل إلى نقطة حرجة ومثيرة للجدل، عندما شاركت في عملية تحرير الرهائن الإسرائيليين في مخيم النصيرات، حيث أسفرت العملية عن مقتل ثلاثة رهائن على يد القوات الإسرائيلية، أحدهم مواطن أمريكي. ويسلط هذا الحادث الضوء على حقيقة صارخة هي أنّ التزام الحكومة الأمريكية بالحفاظ على قبضة نتنياهو على السلطة وتأييد مجازره المتطرفة؛ لا يعرف حدودا.
ويثير الحادث أيضا تساؤلات جدية حول المدى الذي ستذهب إليه الولايات المتحدة في دعمها لإسرائيل، من حيث أنها تعطي الأولوية لهذا التحالف حتى على سلامة مواطنيها ومصالح أمنها. إن وفاة مواطن أمريكي في مثل هذا السياق هي بمثابة تذكير قاتم بالتكلفة البشرية المحتملة لقرارات الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، كما أنه يثير جدلا أوسع حول التكلفة الحقيقية لهذا الدعم الثابت والأولويات التي تشكل السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
لقد أصبحت جميع شعوب العالم على قناعة تامة بأن الولايات المتحدة شريك أصيل وأساسي في كل المآسي التي يتعرض لها أهل غزة. منذ البداية، كان من الواضح أن الثقة في أي مبادرة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ليست من الحكمة، نظرا لتاريخهما المشترك في الجرائم ضد الإنسانية. وقد تأكدت هذه الشكوك بشكل مأساوي عندما تحول ما يسمى بالرصيف الإنساني الذي أقامته الولايات المتحدة إلى نقطة انطلاق للعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتشكل مجزرة النصيرات في غزة شهادة مروعة على هذا التحول.
بحت جميع شعوب العالم على قناعة تامة بأن الولايات المتحدة شريك أصيل وأساسي في كل المآسي التي يتعرض لها أهل غزة. منذ البداية، كان من الواضح أن الثقة في أي مبادرة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل ليست من الحكمة، نظرا لتاريخهما المشترك في الجرائم ضد الإنسانية. وقد تأكدت هذه الشكوك بشكل مأساوي عندما تحول ما يسمى بالرصيف الإنساني الذي أقامته الولايات المتحدة إلى نقطة انطلاق للعمليات العسكرية الإسرائيلية
ولفهم حجم هذه المناورة الخبيثة، لا بد من الخوض في التفاصيل المروعة لمجزرة النصيرات. وتحت ذريعة إنقاذ أربعة رهائن، نظمت الولايات المتحدة وإسرائيل عملية أسفرت عن استشهاد نحو 300 مدني أبرياء، معظمهم من النساء والأطفال. وتسللت قوات خاصة إسرائيلية مختبئة في شاحنة إغاثة إنسانية إلى مخيم النصيرات، واستخدمت الميناء الأمريكي. وكشفت هذه العملية بشكل صارخ أن الميناء، الذي تم إنشاؤه ظاهريا لتقديم المساعدات الإنسانية، كان في الواقع عسكريا استراتيجيا مصمما لدعم العدوان الإسرائيلي.
إن الوضع الإنساني المتدهور في غزة يكشف المزيد عن نفاق هذا الجهد الإنساني المزعوم. وفي حين أن المنطقة تحتاج بشدة إلى أكثر من 700 شاحنة مساعدات لتلبية احتياجاتها اللوجستية، وكان من الممكن تسليم هذه الشاحنات بكفاءة عبر معبر رفح البري، لكن الميناء الأمريكي سهّل دخول أقل من 150 شاحنة، ما يؤكد الدوافع العسكرية الخفية وراء إنشائه.
إن سكان غزة، الذين يعانون بالفعل من الحصار المستمر والاعتداءات المتكررة، تعرضوا لضربة إضافية من قبل نفس الكيانات التي زعمت تقديم الإغاثة. ولا تؤدي هذه الازدواجية إلى تفاقم محنتهم فحسب، بل تؤدي أيضا إلى إدامة دائرة من العنف وانعدام الثقة. ويجب على المجتمع الدولي أن يعترف بهذه الأعمال وأن يدينها، ويتضامن مع شعب غزة ضد هذا الاستغلال المتعمد والقاسي.
إن جيش الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة بجهود عسكرية وبرية واستخباراتية واسعة منذ بداية حرب الإبادة، لم يتمكن، رغم قدراته الهائلة وتفوقه التكنولوجي والدعم الأمريكي، إلا من استعادة أربعة أسرى فقط بعد أكثر من أكثر من ثمانية أشهر من الحرب.
جيش الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة بجهود عسكرية وبرية واستخباراتية واسعة منذ بداية حرب الإبادة، لم يتمكن، رغم قدراته الهائلة وتفوقه التكنولوجي والدعم الأمريكي، إلا من استعادة أربعة أسرى فقط بعد أكثر من أكثر من ثمانية أشهر من الحرب
على الطرف الآخر، يتعرض الفلسطينيون في غزة يوميا لمجازر لا هوادة فيها، وتشارك القوات الأمريكية بشكل مباشر في هذه العمليات عبر تقديم أسلحة القتل الجماعي لإسرائيل. وبناء على هذه الخلفية، لا يبدو بيان وزير الخارجية الأميركي بلينكن مضللا فحسب، بل إنه نفاق عميق أيضا. فهو يقترح على الوسطاء العرب مثل قطر ومصر بصراحة أنه “إذا كنتم تريدون وقف إطلاق النار، فاضغطوا على حماس لتقبل به. حماس هي الوحيدة التي لم تقبل الاقتراح المكون من ثلاث مراحل، والذي يتضمن إطلاق سراح الرهائن وإجراء محادثات لإنهاء القتال”.
كيف يمكن وضع الثقة في رجل وحكومة أمريكية أشرفا على مجزرة النصيرات، لتسهيل إطلاق سراح الرهائن الأربعة، وهو إنجاز كان من الممكن تحقيقه بسهولة من خلال اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس؟ يجب القول بأن الولايات المتحدة تمارس تضغوطا دبلوماسية على المقاومة والوسطاء دون أن تقدم أي ضمانات ملموسة لوقف الحرب المستمرة. في الأساس، يبدو أن استراتيجيتهم تهدف إلى تحرير الرهائن فقط لاستئناف القتل بلا هوادة للأبرياء في غزة، دون أي رادع أو عواقب. إن هذا النمط الدوري من العنف، الذي يفتقر إلى أي حل ذي معنى، يسلط الضوء على الواقع المأساوي الذي يواجهه أولئك الذين يعيشون في قطاع غزة وسط تواطؤ أمريكي- إسرائيلي.
وفي المجال العسكري، وبعد انتهاء عملية مخيم النصيرات الدموية، عاد المشهد الاستراتيجي في الميدان كما كان عليه خلال الأشهر الثمانية السابقة لصالح حماس والمقاومة الفلسطينية، حيث انسحبت قوات العدو من محاور القتال في مخيمي المغازي والبريج ومدينة دير البلح، بعد توغل استمر خمسة أيام. وفي الوقت الحاضر، يتركز الانتشار الإسرائيلي بكثافة على طول محور “نتساريم”، وهو منعطف حاسم يفصل بين الأجزاء الشمالية والجنوبية من قطاع غزة.
وتواصل الفصائل العسكرية للمقاومة تصعيد تكلفة الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة. فبعد موجة من المؤتمرات الصحفية والتصريحات التي احتفت بتحرير الأسرى الأربعة لدى المقاومة، تحولت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى نبرة الحداد، واصفة انتصارات القسام التي حققها بعد يوم على مجزرة النصيرات بأنها “يوم صعب ومؤسف للغاية في غزة”.
تصاعد الغضب العالمي، مما أدى إلى توحيد الدول والشعوب ضد هذه الفظائع. وقد قبلت محكمة العدل الدولية الدعوى ضد جرائم إسرائيل باعتبارها إبادة جماعية، ووصفت الأمم المتحدة المسؤولين الإسرائيليين بقتلة الأطفال
ويأتي هذا الشعور بعد سقوط قوة راجلة من جيش الاحتلال في كمين مدروس للمقاومة في مخيم الشابورة برفح، جنوب قطاع غزة. وبحسب كتائب القسام، فإن المقاومين نفذوا هجوما متطورا بتفجير منزل مفخخ مسبقا لدى وصول القوة الراجلة، وأعقب ذلك قصف مدفعي استهدف مكان الحادث. وباستخدام تكتيك “الضرب والاحتجاز”، انتظرت المقاومة وصول قوات الإنقاذ الإسرائيلية قبل أن تشن قصفا ثانيا على المنزل المستهدف بقذائف الهاون. وأفادت مصادر إسرائيلية، بما في ذلك وسائل إعلام ومواقع استيطانية، بمقتل أربعة جنود وإصابة 18 آخرين، من بينهم ستة أصيبوا بجروح خطيرة.
وفي محاولة للتخفيف من الإخفاقات العسكرية المستمرة في غزة، تفكر إسرائيل الآن في التحول الاستراتيجي نحو “المرحلة الثالثة” من الحرب. وتتضمن هذه المرحلة انسحابا كاملا من العمليات البرية في قطاع غزة والتوجه نحو تنفيذ “عمليات خاصة” واغتيالات مستهدفة من الجو.
وبعد مرور 250 يوما على الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، أصبحت التداعيات واضحة جدا. إن المقاومة التي لا تتزعزع في غزة، إلى جانب الحصار الذي لا هوادة فيه في البحر الأحمر، دفعت الاقتصاد الإسرائيلي إلى حافة الانهيار. لقد تصاعد الغضب العالمي، مما أدى إلى توحيد الدول والشعوب ضد هذه الفظائع. وقد قبلت محكمة العدل الدولية الدعوى ضد جرائم إسرائيل باعتبارها إبادة جماعية، ووصفت الأمم المتحدة المسؤولين الإسرائيليين بقتلة الأطفال.
من جهة أخرى، تؤكد الهجرة الجماعية للإسرائيليين فقدانهم للأمل بما يسمى “إسرائيل”. لقد أصبح من الواضح بشكل لا لبس فيه للعالم ولإسرائيل نفسها، أن الحرب في غزة كانت بمثابة عمل من أعمال التدمير الذاتي الجماعي لإسرائيل، ولم تسفر إلا عن خسائر مدمرة.