ميلادها
أيَا ميلادَها الموعودَ قُلْ لي
أعِيدٌ أنتَ …. أمْ عُمرٌ يُوَلّي ؟
قَدِمْتَ فأيُّ ميعادٍ تَدانَى ؟
يَرشُّ الصّحوَ مِنْ طِيبٍ و فُلِّ
أََزارِعةً صَباحاتي ……… أريجاً
أشَفَّ مِنَ النسيمِ …..المُستَهِلِّ
تَبَارَكَ يومُكِ الوَضّاءُ …. حُسناً
على مرمى جراحاتي …. يُصَلّي
يَرِفُّ بِعطرِ نَوّارَ ………. احتفاءً
لهُ في خاطري شَكْلُ التَجَلّي
خُذي مِنْ عُمرِيَ الآتي سِنيناً
ومُدِّي تحتَ رمشي واستَظِلّي
وذوبي في عُروقيْ الحُمرِ نَسغاً
مواسمُهُ قِطافٌ ….. لمْ يَزَلْ لِي
نهارُكِ أبيضٌ …. والوعدُ وعدٌ
يُهَدهِدنا لَعلّكِ أو ……….. لَعَلّي
يَهِلُّ كغيمةٍ ……. شقراءَ جَذلى
لمَحْتُ على معالمِها …….. مَطَلّي
وِشاحُكِ لَهْفَتي … ومَداكِ صَدري
فَخَلّي الحُلْمَ يُزْهِرُ فيكِ …. خَلّي
يُفَتِّقُ عن جَنى كَرَزٍ …….. طَرِيٍّ
ويَهتِفُ شوقِيَ المحمومُ : هَلْ لِي ؟
بِثَغرِيَ جُوعُ طفلٍ ….. فامنحيهِ
و لو شَرَفَ الطموحِ … على الأقَلِّ
أنا في العشقِ بعضُكِ يا مَلاذي
و أنتِ بِخاطِري …… كُلٌّ بكُلِّ
إلى عينيكِ ….. أعلَنْتُ انتمائي
و في عينيكِ ترحالي …… و حِلّي
البنية الفكرية :
نبدأ من العتبة الأولى للقصيدة العنوان (ميلادها) اعتمد الشاعر هاء الغائب للمفردة المؤنثة ليدل على بعد المسافة بينه وبين من يقصد ميلادها، وأن يُعنى الشاعر بميلاد أنثى فهذا يدل على اهتمام و مودة تسعد بهما غاية السعادة
يبدأ المبدع مناجاة يوم مولد من يقصد بأسلوب إنشائي طلبي استفهام مشفوعاً بالنداء أيا، يبدو في حيرةٍ من أمره فيخاطب الميلاد وهو مما لا يخاطب كونه معنوي متسائلاً :أهذا اليوم عيد تحتفل به أم عمر يرتحل؟
و يتابع قائلاً إن العيد أقبل في موعده يقترب و كأنه يضمخه يعطور الفل و المسك.ثم يخاطب المحبوبة بقوله أزراعة؟ همزة الاستفهام لطلب التصوّر … هل أنتِ من تزرعين فترات صباحي بالعطر الشفيف حتى يكاد يضاهي النسائم المقبلة شفافية. و يلقي المبدع مباركاته على اليوم المشع بالضياء جمالاً حسناً على مبعدةٍ قليلة من جراح المبدع تؤدي فروض الصلاة وهذا اليوم يلتمع و يفوح بعطر الازاهير الصباحية محتفلة بيوم ميلادها و تتجلى في باله رؤيا شاعرية.
و يتابع بأسلوب إنشائي طلبي أمر (خذي) من عمري سنيناً يقدم الشاعر سنوات من عمره للمحبوبة مضحياً وهي من سمات الحب العذري ويسكنها أحداقه تحت الرمش وداخل المقل لتتفيء في ظلال الرموش.
و عليها أن تتماهى في شرايين المبدع بمثابة الخمر الذي يغذيه كنسغٍ والنسغ هو الغذاء الذي تأخذه الأشجار من التربة ليمدها بالحياة لكن المبدع يريدها خمراً وهي تُسكر و تفقده الوعي والاتزان و يتجلى القطاف في مواسم الشاعر و يصر على ديموميته واستمراريته،
و يصف نهارها بالأبيض في كناية عن الإشعاع و الضياء.. وهو قيد انتظار و يذكر المحبوبة بالوعد الذي قطعته له وهو بالنسبة إليه ترنيمة تهدأ من روعه وخاطره. و يمني النفس بهذا الوعد لعله يقبل.ويصفه بالغيمة المحملة بالوعود ويصفها بالشقراء الفرحة السعيدة وقد رأى على محيا غيمته إطلالة روحه. وينتقل من توصيف إحساسه بها إلى وصف تأثيرها فوشاحه ( وهو منديل يوضع على الرأس أو العنق)
هو لهفة الشاعر… ويترك له حرية في مدى صدره في دعوة حارة للعناق. و هذا الحلم أحلى امنياته التي إليها أن تزهر في روحها.و يتمنى أن يتخلق في نفسها مواسم جنى من كزر لين شهي بينما يصرخ شوقاً هل هذا الكرز له في تورية ذكية عن الشفاه.و يؤكد ذلك البيت التالي فثغره في حالة جوع كطفلٍ ويرجوها أن تمنحه ما يطلب و يعتيره طموحاً يتمناه أن يتحقق ولو على قلة. و في حالة تماهي مع مشاعر يؤكد إنه وحبه جزءٌ من المحبوبة ويناديها يا ملاذي يا ملجأي
وهي في كيونينه الكل وليس الجزء. ويعترف فيعلن ولاءه وانتماءه لعيني من يحب فمن عينيها و إليها سفره و مستقره.
البنية الفنيّة : تتضمن الصور البيانية و البيان والبديع والبلاغة و مصادر المبدع
الصور البيانية :ميلادها كناية عن الاحتفاء بمولد من يحبّ.
ميلادها الموعود في استعارة مكنية فحذف الإنسان وكنى عنه بصفته موعود..
ويطلب للميلاد أن يخاطبه كإنسان في استعارة مكنية أيضًاً..
ميعاد تدانى اقترب وكأنه شخص
يرش الصحو من طيب… في تراسل حواس بين المعنوي الصحو و المادي المشموم الطيب والفل.
أزراعةً صباحاتي أريجاً : استعارة تصريحية حذف المشبه ما يزرع وصرح بالمشبه… و راسل الحواس بين الزرع الملموس و الصباح المحسوس و الأريج المحسوس.
الأريج أشف من النسيم :كناية عن الرقة و العذبة في تشبيه بليغ. يومك الوضاء تشبيه بليغ و كناية عن الإضاءة و السعادة، خذي من عمري سنين تجسيد للعمر وهو معنوي لا يمكن الأخذ منه.
ذوبي في عروقي الخمر نسغاً: صورة ضمن صورة الذوبان في العروق كناية عن التماهي والحالة الشعورية للمبدع الخمر نسغاً تشبيه بليغ… مواسمه قطاف والخمر لا يقطف و إنما الكرمة التي يصنع منها الخمر فالمقطوف هو الكرمة( العنب) الذي يتحول لخمر ينتشي به الشاعر.
نهارك أبيض تشبيه بليغ.. ويعدّ كناية عن السعادة و البياض نقيض السواد مما يدل على شعور المبدع
الوعد يهدهدنا استعارة مكنية فمن يهدهد الأم والجدات وشخّص الوعد فجعله إنسان يهدهد.
الوعد يهل كغيمة تشبيه تام الأركان…
الغيمة شقراء جذلى استعارة مكنية إذ شبه الغيمة بالأنثى الشقراء وهي جذلى كناية عن الحبور و السعادة.
وشاحك لهفتي تشبيه بليغ مقلوب تدل على التماهي والمشاعر.
مداك صدري تشبيه بليغ مقلوب كناية عن العناق.
الحلم يزهر استعارة تصريحية حذف المشبه و صرح بالإزهار
يفتق عن جنى.. الحلم يفتق استعارة تصريحية…
يهتف شوقي استعارة مكنية.
شوقي المحموم تشبيه بليغ وتجوز استعارة مكنية…
بثغري جوع طفل كناية عن اللهفة
ملاذي كناية عن الملجأ
إلى عينيك أعلنت انتمائي كناية عن الإخلاص و الوفاء.
في عينيك ترحالي وحلي كناية عن الاستقرار والانتماء
التجربة الشعورية :
نوع العاطفة إنسانية ذاتية، سماتها صادقة حارة منفعلة
مصادرها تكرار الحروف مثل الميم واللام والياء…
تكرار الألفاظ مثل ميلادها.. الموعود… فل.. لي.. خلي.. كل…
و الصور البيانية…. التي وردت في البنية الفنية.
الموسيقى الداخلية:
أهم مصادرها التصريع في البيت الأول قل لي… يولي
تكرار الحروف و الألفاظ..
الاشتقاق الداخلي الوعد موعود
تجلي.. جلى.. عيون عينيك
التوزان بين شطرين كل بيت.
الموسيقى الخارجية :
أجاد المبدع توظيف البحر الوافر
وضابطه :بُحوْرُ الشّعرِ وَافرُها جَمِيْلُ
مُفَاعلتَنْ مفاعلتن فعولن
//٥///٥ //٥///٥ //٥/٥
له عروض واحدة فعولن
وضرب واحد فعولن
و القافية مطلقة يولي /٥/٥
و أحسن توظيف الروي اللام المشبعة بالياء لأنها الأقدر على المد الصوتي و حول الأوزان إلى وحدات صوتية منحت المتلقي الإحساس بالموسيقى و الشعور.
المآخذ :
المبالغة في التصوير إذ قالت العرب أجود الشعر أكذبه
والكذب هنا سلاح ذو حدين
فالمبالغة أخرجت التجربة الشعورية من حيز الصدق إلى عدم التصديق.
و أرد على مأخذ الأستاذة امل ابراهيم علي إذ نوهت لقاعدة نحوية و هي اعتبار السنين ملحقاً بجمع المذكر السالم و يعرب إعرابه والشاعر صرف السنين فنصبها بتنوين النصب و هي من جوازات الشاعر التي أجازها البصريين
إذ طوّرت المدارس في بلاد الشام المناهج بينما بقيت العراق على المدارس القديمة.. والشاعر كلاسيكي في معلوماته النحوية و شعره العمودي.
وإن كان ينتمي للشعر المعاصر في صوره البيانية و غرضه الوجداني وهو الغزل.
بقي أن أشير إلى جمالية أسلوب الشاعر في تناوله للنسيب و أؤكد أن وقع القصيدة و أثرها في نفس المتلقي تبين مدى شاعرية المبدع
مديرة ملتقى عشتار الثقافي