*ناجي امهز*
ما أكتبه الآن من المحرّمات الممنوع نشرها لأسباب دولية تتعلق بآليات الصراع والسيطرة على المنطقة، خاصةً أن ما ستقرؤونه الآن سيكشف المستور ويوضح أسباب جنون نتنياهو الذي يكاد أن يدمر الكيان الاسرائيلي للتخلص من الأزمة التي وضعه بها السيد نصرالله.
جميعنا سمعنا الجملة الشهيرة للسيد نصرالله التي قال فيها بهدوء تام لنتنياهو: “يتوقف إطلاق النار في غزة يتوقف إطلاق النار من المحور، وخاصة جنوب لبنان”.
وما لا نعلمه أن هذه الجملة جعلت نتنياهو، منذ اليوم الأول، يوقع على إعلان هزيمته وانتصار المقاومة.
حتى عندما تدخلت الإدارة الأمريكية مباشرة بواسطة الرئيس بايدن، محاوِلةً تقديم سلة حلول لوقف إطلاق النار في غزة، كان رد نتنياهو واحدًا، لا خيار آخر له:
“كيف تطلبون مني أن أوافق على وقف إطلاق النار في غزة؟ فإذا أوقفت النار في غزة تحت أي بند أو اتفاق سأكون خاسرًا أمام شرط نصرالله الأساسي وهو وقف إطلاق النار.”
وهذا الكلام شرحه نتنياهو بأدق تفاصيله عندما ذهب إلى الكونغرس الأمريكي وأخذ يبكي أمامهم كالطفل الصغير، موضحًا أن نصرالله لم يترك له خيارًا إلا الذهاب إلى الحرب. حتى عندما قالوا له إن نصرالله ذهب لإسناد غزة من أجل أن توقف الحرب، رد نتنياهو قائلاً: “يغير نصرالله شروطه وأنا أقبل بأي حلول، ولكنني لن أرضخ لنصرالله”.
وهذا الأمر وإن كان محور كل ما يجري، إلا أن السياسة والإعلام الإسرائيليين نجحا، من خلال استغلال التافهين العرب والذباب الإلكتروني، في التغطية على هذا التفصيل الذي هو الأساس في كل ما يجري في عملية الصراع.
وقد حاول نتنياهو كثيرًا أن يضغط على حزب الله من خلال جولات هوكشتاين الذي قدّم حلاً رابحًا للجميع؛ إذ إن الدولة اللبنانية تعلن تطبيقها القرار 1701 ويعلن حزب الله تنفيذه القرار، وهكذا لا يكون حزب الله قد خسر المعركة، في المقابل يوقف نتنياهو الحرب على لبنان، وبعدها ينتقل الجميع إلى مرحلة إيجاد الحلول لأزمة غزة.
حتى زيارة لودريان وموقف الرئيس الفرنسي الداعم للبنان يأتيان في هذا السياق؛ حيث يبحث لودريان عن أدنى بديل لشرط السيد نصرالله لتسير فيه الأطراف المعنية. فالأوروبيون خائفون من توسع المعركة وشمولها منصات الغاز والنفط، وهم على أعتاب فصل الشتاء. ونتنياهو، كي يتخلص من شروط السيد نصرالله، يحاول أن يضع أوروبا كلها تحت شروط الرئيس بوتين للحصول على الغاز.
وهذا ما ترفضه أمريكا واوروبا، وعلى هذا الأساس أخر نتنياهو زيارته إلى واشنطن إلى حين تقديم تنازلات أو وقف الحرب على لبنان.
وبعد أن تأكد نتنياهو من عجزه عن تغيير موقف أمين عام حزب الله، قرر استخدام إحدى الأسلحة المحرمة دوليًا وهي استغلال التكنولوجيا المدنية لأغراض عسكرية. ورغم علم نتنياهو المسبق بتداعيات تفجير أجهزة البيجرات والأجهزة اللاسلكية وخطورتها على النظام الرأسمالي وعلى الكيان الإسرائيلي نفسه، خاصة أن شركات كبرى قد تنهار بسبب تحويل الأجهزة المدنية إلى قنابل موقوتة قد تنفجر بأي شخص يحملها، سواء كان في الأرض أو الجو، فقد أقدم على هذا الفعل. مع علمه بانه قد يسقط نظرية استخدام الشريحة الإلكترونية التي عملت عليها الدول كثيرًا لتحويلها إلى حقيقة للسيطرة على العالم. ولكن بعد حماقة نتنياهو وما كشفه، انتهى مشروع الشريحة، فمن مستعد أن يضع في رأسه قنبلة ليفجرها مجنون مثل نتنياهو متى يشاء؟ ورغم التحذيرات الكبيرة والشديدة لنتنياهو، إلا أنه اعتبر أزمته وأزمة حكومته أكبر من طموحات النظام العالمي. لذلك، بعد تفجير البيجرات، سارعت الحكومة الإسرائيلية ورئيس الكيان إلى النفي كليًا بأن إسرائيل هي خلف هذا التفجير.
وكان نتنياهو يتوقع من خلال هذه التفجيرات أن يسارع السيد نصرالله إلى إعلان وقف إطلاق النار أو البحث عن حلول تساعد نتنياهو للخروج من أزمته. إلا أن خطاب السيد نصرالله الأخير كان أكثر حزمًا وإصرارًا على الشرط الذي وضعه لوقف إطلاق النار، وهو وقف إطلاق النار على غزة. وما قاله سماحته: “بعد مجزرة الثلاثاء وصلتنا رسائل عبر قنوات رسمية وغير رسمية تقول إن هدف الضربة أن تتوقفوا عن دعم غزة”. مؤكدًا أن “الجواب منا، باسم الشهداء والجرحى وباسم من فقدوا عيونهم وأكفهم وباسم كل الذين تحملوا مسؤولية بهذا الواجب الديني والأخلاقي في نصرة غزة التي تتعرض للجوع، نقول لنتنياهو وغالانت: جبهة لبنان لن تتوقف قبل وقف العدوان على غزة”.
وبعدها تأكد نتنياهو أنه خسر دوليًا عندما فجّر الأجهزة الإلكترونية المدنية، وأنه أمام عقاب كبير للغاية. فقد أعلنت شركة أبل أنها خسرت 94 مليار دولار في يوم واحد وتراجعت أسهمها، وبدأت تفقد قدرتها التسويقية. وهذا الأمر كله بدأ ينتشر كالنار في الهشيم في كافة الشركات المصنعة لأجهزة الاتصال على اختلاف استخداماتها.
كما أن نتنياهو لا ينكر أنه فشل في استعادة الأسرى أحياءً أو حتى أمواتًا، وهو أيضًا أمام ثورة غضب داخلية قد تنفجر في أي لحظة بسبب سوء إدارته للحرب، سواء على الجبهة الشمالية أو في غزة. وقد مني بالفشل عندما أراد أن يفتح جبهة الضفة الغربية حيث تكبّد خسائر بشرية وسياسية عندما أحرج محمود عباس والحكومة الفلسطينية والمطبعين العرب الذين كانوا يسوقون أن إسرائيل تريد السلام والدليل ان الضفة امنة رغم الحرب على غزة.
نتنياهو اليوم مأزوم من كافة الاتجاهات وعلى كافة الصعد، مما حوله إلى مجنون يريد تحطيم كل شيء حوله لعل الجميع يخضعون لجنونه، بعد أن فقد القدرة على تحقيق أي هدف من أهدافه. وهذا العجز المطلق جعل نتنياهو يذهب بعيدًا باستهداف كل شيء شيعي حتى في المجتمعات الشيعية الجبيلية والكسروانية التي تتعاطف مع حزب الله، لكنها لا تنتمي إليه إلا بنسبة قليلة جدًا لا تتجاوز 5% من أبناء شيعة المنطقة.
والعملية الاجرامية التي نفذها نتنياهو في راس اسطا وبشتليدا ارض القديس مار شربل لن تمر مرور الكرام فاهل هذه المنطقة يعرفون كيف يحاسبون الكيان الاسرائيلي على تدنيسه منطقة القديس شربل عليه السلام، والذي يعتبر الاقدس على مستوى العالم.
نتنياهو يريد من خلال استهداف جبيل وكسروان استهداف التعايش المسيحي الإسلامي، واستهداف صورة لبنان الواحد الذي تجاوز أزماته السياسية والطائفية وقدم نموذجًا رائعًا قد لا يكون له نظير أو مثيل في قارة آسيا.
نتنياهو غير قادر على كسر شوكة المقاومة، بعد أن أصبحت ضرورة للجميع ليس فقط في الصراع بل حتى في السلام. فقد تبين لصناع القرار العالمي أن إسرائيل لا يمكن لأحد أن يلزمها بقرار، كما أنها لا تحترم القوانين والأعراف، وهي لا تخضع إلا لمنطق القوة. والفئة الوحيدة التي تمتلك القوة وقادرة على لجم إسرائيل أو على الأقل يمكن للدول الكبرى أن تهدد بها إسرائيل هو حزب الله. ولولا وجود حزب الله لانتهت غزة في الشهر الثاني، وهُجرت الضفة في الشهر الثالث، وعمت الفوضى الأردن في الشهر الرابع، واستعادت داعش قوتها وانقضت على النظام في سوريا، وحوصرت إيران وتركيا بمدّ من التكفيريين الذين يمتدون من أفغانستان حتى شبه الجزيرة العربية.
في الختام، نتنياهو مجنون إلى أقصى الحدود، والمقاومة عاقلة إلى أقصى الحدود، والدول اليوم تطبق نظرية “عدو عاقل خير من حليف جاهل”.