تقرير: عفاف الأفندي
في سوريا، لم يعد الجوع صامتًا. بل بات يصرخ في وجوه الأمهات، ويُثقل صدور الآباء الذين يخرجون إلى الأسواق بجيوب شبه فارغة، من الزيت إلى الحليب، من الفواكه إلى المعلبات، ارتفعت الأسعار حتى صار الطعام امتيازًا لا يملكه إلا القادرون. وبينما تتكدس السلع على الرفوف، تتقلص الوجبات في البيوت، وتتفكك الروابط الاجتماعية تحت وطأة الحاجة.
هذا التقرير لا يرصد فقط أرقامًا، بل يروي حكاية مجتمع يُعاد تشكيله على نار الغلاء، حيث الكرامة تُقاس بعدد الوجبات، والنجاة تُشترى بالحد الأدنى من الغذاء.
رغم انتعاش الليرة السورية، لم تنخفض أسعار السلع الأساسية في الأسواق السورية، بل ارتفعت بسبب ضعف النقل والتوزيع، ونقص الوقود والأسمدة والبذور، وعدم تعافي الليرة السورية بشكل فعال، رغم التحسّن النظري في سعر الصرف، بالإضافةإلى الاحتكار وغياب الرقابة الحكومية، ما جعل السوق مفتوحاً للطمع والجشع.
حيث أشارت الإحصائيات إلى أن 15.3 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية في 2025، ونحو 95% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وفق تقديرات غير رسمية، وأكثر من 1.5 مليون ليرة شهريًا هي التكلفة الدنيا لسلة غذاء عائلة من 5 أفراد.
ولتسليط الضوء على هذه المعاناة أجرينا مقابلة قصيرة مع السيدة “أم أحمد” (55 عامًا)، وهي أم لأربعة أطفال، وزوجها مُتقاعد، “كيف أثر ارتفاع الأسعار على حياتكم اليومية؟”
أجابت “أم أحمد” مع تنهيدة عميقة: “الحياة لم تعد حياة. في كل يوم نستيقظ لنفكر ماذا سنأكل اليوم؟ اللحوم والخضراوات أصبحت رفاهية لا نراها إلا في الأحلام. صرنا نعتمد على الأساسيات البسيطة، وحتى هذه أسعارها تتضاعف كل فترة.”
“ما هو أصعب شعور تُعانين منه بسبب هذا الوضع؟” صرحت أم أحمد قائلة: “أصعب شعور هو أن أرى أولادي يُعانون، ابني الصغير طلب مني حبة فاكهة، ولم أستطع أن أشتريها له.
“هل تعتقدين أن هذا الوضع سيتحسن؟”
ردت أم أحمد بصوتها الحزين: “لا أدري. لم يعد لدي أمل كبير. الناس تُعاني بصمت، أتمنى أن يأتي يوم ونعود فيه لعيش حياة كريمة، هذا كل ما أتمناه.”
“كأننا نعيش لنحارب الجوع فقط، لنطارد الزيت والجبنة والفواكه بالقطعة.”
بهذه الكلمات الموجعة، عبر “أبو محمد”، موظف حكومي وأب لخمسة أولاد، عندما التقيناه في سوق الشيخ محدين عن يومياته في مواجهة ارتفاع جنوني لأسعار السلع الغذائية.
وفي الختام،
إن أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في سوريا ليست مجرد أزمة اقتصادية يمكن حلها بالمعادلات الرياضية، بل هي جرح عميق في الروح السورية يُهدد بتدمير ما تبقى من المجتمع. إنها دعوة مُلحة لنا جميعًا، أن نلتفت إلى هذا الألم الصامت، وأن نُحاول بكل ما أوتينا من قوة أن نُسلط الضوء عليه، فالإحصائيات ليست مجرد أرقام فوراء كل رقم قصة إنسانية، وراء كل سعر مُرتفع روح تُعاني بصمت.