على الرغم من الصعوبات والعقبات التي تواجهها المرأة العاملة من الناحية العصبية والضغوط النفسية، إلى جانب التزاماتها الأسرية، إلا أن بعض النساء لا يقدرن على تحمّل هذا الأمر نهائياً، ولكنها ليس قاعدة عامة، فهناك من تستطيع، وأخرى لا تقوى على ذلك.
أكدت بعض الدراسات الحديثة أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانهيار العصبي عند العديد من السيدات، الحياة العصرية المفروضة، مثل العمل خارج المنزل، بالإضافة إلى العمل داخله.
وأشارت دراسة حديثة أخرى إلى أن المرأة العاملة التي تتعرض لضغوط نفسية تعاني آلاماً شديدة تصاحب الدورة الشهرية، تكون أكبر مرتين من المرأة غير العاملة.
جدير بالذكر أن 45 % من السيدات اللواتي يعانين من الضغط العصبي يكنّ أكثر عرضة للآلام المصاحبة للدورة الشهرية مقارنة بـ22 % بالنساء اللواتي يعانين من ضغط عصبي معتدل.
امرأة قادرة
للأسباب السابقة وغيرها، لا تستطيع المرأة تحمّل مسؤولية العمل وتربية الأبناء، لذلك نجد أن بعض الشباب يُجبرون زوجاتهن على ترك العمل، لكن هناك وجهاً آخر للفتاة الناضجة، لكن ما هي أسباب تردد بعض شبان هذه الأيام في الاقتران بفتاة عاملة عصرية، خصوصاً بعد أن حققت مكاسب في مجال العمل، وخطت نحو المساواة بالرجل خطوات واثقة، مع صعوبة في العثور على الزوج المناسب.
يقول خبراء شؤون الأسرة، إن بعض الشبان يرون أن المرأة المستقلة قد يشكل وجودها في البيت كزوجة تهديداً وتحدّياً لرجولتهم، كما تكون أحياناً شخصية المرأة القوية حاجزاً يحول بينها وبين إقامة علاقة وثيقة بالرجال.
ويضيفون أن شباناً آخرين يواجهون في العمل الزميلة الطموحة التي تنافسهم على العلاوة، وأحياناً الرئيسة القوية العنيدة، وهذا يدفعهم إلى الاقتران بالزوجة المطيعة، ويحلمون بجو البيت الهادئ البعيد عن المنافسة والمواجهة والمجادلة.
وقد أجريت دراسة اشتركت فيها نحو 3 آلاف أسرة من مختلف طبقات المجتمع، واشتُرط أن تكون الزوجة والأم في هذه الأسرة امرأة تتمتع بالاستقلال الذاتي، ودلّت نتائج هذه الدراسة أن الزيجات التي تتمتع فيها الزوجة بالاستقلالية تكون أكثر استقراراً من غيرها، كما أن استقلال المرأة لا يهدد كيان الأسرة، بل يعود بالنفع ليس فقط عليها، لكن على جميع أفراد الأسرة، حيث إن المرأة المستقلة أقدر من غيرها على حل المشكلات ومواجهة الأزمات..
وأكدت الأبحاث أن المرأة التي تمتلك زمام حياتها ومصيرها، تكون أكثر قدرة على إسعاد زوجها، كما أن ثقتها بنفسها تجعلها لا تحاول أبداً السيطرة عليه، بعكس بعض ربات البيوت المتفرغات اللواتي يحاولن الاستحواذ على الزوج، وتصاب أحياناً بالغيرة الشديدة على زوجها، بالإضافة إلى أنها تقعد لزوجها بالمرصاد، وتسأل السؤال المعتاد الذي يكرهه أي رجل: "رايح وين وجاي منين"؟ وتشتعل ناراً لو تأخر عن موعده أو انشغل عنها، وتحاصره بسيل من الأسئلة لو سرح بفكره، وتتحول العلاقة إلى جحيم لا يطاق.
مشاركة فعالة
ومن فوائد خروج المرأة للعمل، مشاركة الزوج في مجالات أسرية كان سيحجم عن الاشتراك فيها لو كانت متفرغة، مثل المذاكرة للأبناء، والمشاركة في إعداد الوجبات الغذائية وشراء حاجات الأسرة من السوق، كما يتعلم الأبناء الاعتماد على النفس في قضاء حاجاتهم..
أما من الناحية المادية، فإن الأسرة التي يعمل فيها الزوجان تتمتع عادة بدخل أكبر من الأسرة التي يعمل فيها الزوج فقط، وإحساس الزوج بأن زوجته تساعده في السعي وراء لقمة العيش يخفف عنه بعض الضغوط المتراكمة على عاتقه، وأيضاً يشعر الزوج الذي تتمتع زوجته بالاستقلال المادي بالاطمئنان إلى أنه في حالة إصابته بمكروه يمكن للأسرة الاعتماد على دخل الزوجة.
كما يفتح مجال العمل السبيل لخلق حوار بين الزوجين بعد يوم طويل من العمل بدلاً من الإصابة بالخرس الزوجي المعهود الذي يصاب به بعض الأزواج والزوجات، ويجعل المرأة تفرغ طاقتها في العمل مع زميلاتها بالكلام والنمّ الذي لا يطيق الرجل التركيز فيه أو حتى سماعه.
والمرأة المستقلة عادة لا تلحّ على زوجها وتطالبه بتأمين مستقبلها من الناحية المادية، ولا ترهقه بطلباتها المستمرة وتدرك قيمة النقود، كما أنها تعيش مع زوجها لأنها تحبه لشخصه، وليس لأنها في حاجة إلى مَن يعولها.
كما أن الرجل الذي يقترن بامرأة ناجحة يشعر بالراحة، لأن زوجته تستمد جزءاً من سعادتها من خلال تحقيق ذاتها في مجال العمل، وبذلك لا تطالبه بأن يكون هو المصدر الوحيد لإضفاء السعادة عليها..
ومطلوب من الرجل التخلي قليلاً عن غروره وأنانيته أمام كل امرأة اضطرتها ظروفها للعمل، فهي تعاني من الضغط الواقع عليها من الزوج والمنزل والأولاد، فرئيسها في العمل يطلب منها أفضل جهد ممكن، وزوجها لا يغفر لها أي تقصير في حقه أو في حق أولاده، وفي نفس الوقت لا يحاول مساعدتها أو مساعدة نفسه، وكل امرأة عاملة لا بد أن تعاني من هذه التجربة.. لكن ما هو الحل؟
ينصح الخبراء كل امرأة بالمحاولة بإقناع الرجل بالتخلي قليلاً عن غروره والقيام بأي دور ولو صغيراً في المنزل، فمثلاً تطلب منه برقة إعداده للمائدة أثناء إعدادها للطعام، أو تهدئة الأطفال حتى تنتهي من أعمال المنزل، أو الذهاب بهم للمدرسة صباحاً والعودة بهم، أو شراء الاحتياجات من السوق، وعليها أيضاً أن تحاول معرفة أي الأعمال يمكنه تقبل فكرة أدائها حتى لا ينشأ خلاف.
نساء عاملات
وقد أجرت عالمة نفسية عدة أبحاث على نماذج من النساء العاملات وسألتهن عن متاعبهن في الحياة، فأجابت 80 % من الخاضعات للبحث بأن أكثر ما يضايق المرأة العاملة هو تحملها لمسؤولية العمل والمنزل في آن واحد، ودون أي مساعدة من أحد، كما ذكرن أن أزواجهن لا يتحملون أي أعباء منزلية أو مسؤوليات خارج نطاق عملهم، مما يشعرهن بالوحدة بعيداً عن المشاركة والتعاون اللذين يحتاجهما الزواج لتجديد حيويته ورونقه.. وأجابت 10 % من النساء العاملات بأنهن رغم متاعبهن يرفضن مساعدة الأزواج لهن بحجة أن المرأة تريد أن تشعر دائماً أنها سيدة بيتها..
ومن خلال بحث لدراسة واقع حياة النساء العاملات، ظهر أن الحياة المزدوجة التي تعيشها المرأة العاملة بين عملها ومنزلها تجعل لها طبيعة مختلفة، فهي التي تتحمل كافة مسؤوليات المنزل والزوج والأطفال، ولا تتذمر ولا تشكو وتحاول تأدية عملها على أفضل وجه، كما أنها تكون اقتصادية في متطلباتها، لأنه بحكم عملها تعرف قيمة النقود جيداً.
ريم الخياط