———-
مرَّ الصباحُ على خدّيكِ في شغفٍ
فداعبَ العينَ ثمَّ استلطفَ الحدقا
وحطَّ نيسانُ في خدّيكِ مُبتهجاً
وحينَ ودّعَ أبقى الزهوَ ، والألقا
يا خفقةَ القلبِ يا سعدي ويا فرحي
مَنْ كانَ أحلى وأغلى منكِ ما خُلِقا
طالَ اشتياقي ، ونارُ الغيرةِ اتّقدتْ
حتى حسدتُ عليكِ العقدَ والحلقا
أطلتِ سهديَ واستعديتِ لي أرقي
حتى تعشّقتُ فيكِ السهدَ ، والأرقا
لولا ضياءٌ ……على عينيكِ مرُتسِمٌ
ما كانَ قلبيَ يا ” زينَ النسا ” .خفقا
قولي لمَنْ لامَ ……أو أبدى معارضةً
: مَنْ يعشقِ الغيدَ لا يستصعب الطرقا
إنْ مرِّ ظبيٌ أمامَ العينِ …….يا قمري
هلّا يُلامُ الذي لاقاهُ ………..إنْ عشقا
هاتي يديكِ ..، ..ولا تخشَي بنا أحداً
الدارُ عامرةٌ …………والنخلُ قدْ بسقا. ( 1 )
اديب نعمة
( 1 ) بسق النخل : ارتفعت أغصانه
كنايةعن الخير
الدراسة النقدية:
نبدأ بقراءة النّص من عنوانه حيث قرن المبدع بين المادي النار و المعنوي الغيرة إيجازاً لمضمون القصيدة ، و هو تشبيه بليغ إضافي فقد شبه الاحساس الغيرة بالنار الملتهبة وبذلك امتلكنا الجملة المفتاحية لنقرأ القصيدةو يستمر المبدع في تهيئة المناخ الفكري و الشعوري لغيرته فيقول:
طال اشتياقي والاشتياق إحساس فهو معنوي أضاف إليه الزمنية من خلال الفعل الماضي طال ليثبت حدوث الفعل و يستعيد ذكرياته التي أدت إلى اشتعال نيران الغيرة المتقدة بين جوانحه ، فهو يبالغ في غيرته لدرجة أن حسد ما تبلسه المحبوبة من حلي من عقد و حلق …و بذا تتسامى الدفقة الشعورية إذ نبرر للشاعر مبالغته و إحساسه بالغيرة و الحسد لا من بشر و إنما من موجودات عقدٍ و حلق.وقد مرَّ الربيع ممثلاً بنيسان في وجنتي من يحبّ يقوده شعورٌسامٍ بالفرح و الابتهاج و هنا أيضاً استعارة مكنية فقد شخّص نيسان ليجعله يمرّ و يبتهج و يودع كإنسان يترك على وجنتي من يهوى الزهو (الفخر )والألق (الإشراق) وهما معنويان
أراد بهما المبدع إضفاء الأحاسيس على أسلوبه التصويريو يتماهى المبدع و أحاسيسه فيصبحا كلاً واحداً إذ ينادي من يحبّ بخفقة القلب فهو يشعر بنبضه يتعالى لرؤية مالكة قلبه وكيف لا؟وهو يؤكد من خلال الأسلوب الإنشائي طالباً التفاعل و الانفعالي في قوله يا سعدي إذا غدت المحبوبة أيقونة حظ ، ويا فرحي فالنداء يظهر عذوبة الإحساس، و يتابع بأسلوب إنشائي طلبي( من كان أحلى و أغلى منكِ ما خلقا)فهي في نظره الأغلى و الأحلى من كل ما خلق الرب . وهذه المبالغة مقبولة في عِرف الشعراء.و يسترسل بأسلوبٍ إنشائي طلبي أمر قولي
لمن لام ..أو أبدى معارضةً …فعلى المحبوبة أن تبرر و تبعد اللائمين و العِذل ماذا تقول و بمَ تبرر :من يعشق الغيدَ لا يستصعب الطرقا …وبأسلوب الشرط الجازم هنا يذكرنا الشاعر برائعة الاخطل:من يركب البحر لا يخشى من الغرق
ولكن هنا استخدم الغيد
جمع غيداء فحبيبة غيداء وهي الفتاة اللينة الناعمة وهو عاشق يذلل الصعاب ووعرة الطرق مهما كانت .غير أن الحبيبة متهمة فقد أطالت شعور المبدع بالسهد وهو قلة النوم نتيجة الأرق فالليل رفيق العشاق و موطن الأسرار، لكن المحب لفرط إحساسه يستعذب
سهده و أرقه فما أحيلى السهر و رفقة الليل إذا كان سببه من نحبّ .و لا نمتلك إلا الإنحناء لجمالية تنوّع الأساليب فالشرط في الامتناع لوجود يفيد اكتفاء القلب بالخفقان فقط لأنه يستلهم إشراقه و ضياءه من ضياء عيني المحبوبة ، و نلحظ أسلوب التقديم و التأخير فقد قدم قلبه للتشويق و الأهمية و آخر الفعل خفق ليؤكد تمكن سبب الخفقان لقلبه المعنى بالحبّ، و في مناداته يا زين النساء نستشعر استحواذ المحبوبة على قلبه و خفقانه .و يستمر الشاعر بإظهار مبررات حبه و هو يشبهها بالغزال ..الظبي و يناجاها يا قمري فالقمر الكوكب الأكثر جمالاً و لمعاناًثم يناجي محبوبته داعياً إياها للوصل هاتي يديك ..بأسلوب انشائي طلبي أمر خرج إلى معنى التوسل متابعاً بأسلوب النفي لا تخشي
بنا أحداً ..فهو يؤكد أن المخاطرة بالحبّ تجوز طالما رحبت الديار و كثر الخير
=التجربة الشعورية في نص الأستاذ اديب نعمة :
أصدق أنواع الغزل ما صدر عن تجربة شعورية صادقة وعاطفة إنسانية ذاتية …سماتها :صادقة ، حارة ، منفعلة.
الخط البياني العاطفي فيها متصاعد الانفعال سامٍ منفعل .
الموسيقاالداخلية:
تناغمت حروف الجهر و الهمس لتشكل نغماً داخلياً سعياً لتطريب المتلقي مثل : نار ، اغلى ، خلق ، العقد ، الحلق …..
كثرت المترادفات و الاشتقاقات الداخلية مثل : شوق ، اشتياقي
السهد ، الأرق، زين ، احلى . سعدي ، فرحي .
و غيرها كثير
الموسيقا الخارجية :
استخدم المبدع تفعيلات البحر البسيط وجوازاته :
إنّ البسيط لديه يبسط الأمل
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
ليستوعب الدفقة الشعورية العالية بجمالية الأسلوب و الصوغ .
و قافية مطلقة لحدقا
وروي القاف المشبعة بألف الإطلاق.مآخذ حول النص:
النصّ تقاطع مع رائعة الجواهري :
شممت تربك لا زلفا و لا ملقا
وسرت قصدك لا خبا و لا مذقا
من حيث الموسيقا و القافية و الوزن
و يتناص بالفكرة مع الأخطل بقول :
قلت نورتني يا خير زائرةٍ أما خشيتِ من الحراس في الطرق
فجاوبتني و دمع العين يسبقها
من يركب البحر لا يخشَ من الغرق
نأخذ عليه التناص مع إنّه ليس عيباً وفعلها كبار الشعراء
ولابدّ من كلمة حقّ ان الشاعر من كبار الأساتذة الّذين ارتقت بهم الساحة الأدبية.
إعداد الشاعرة آسية يوسف
مديرة ملتقي عشتار الثقافي