4
كنت عائدا من العراق للأردن بالطريق البرى …فحرب المدن بين العراق وإيران عطلت الملاحة الجوية … وكعادتى فى السفر أحب القراءة .. وفى نقطة الحدود من الجانب الاردنى وهى معبر الرويشد بمحافظة المفرق صعد رجال الأمن إلى الباص لمطالعة وجوه القادمين ..سألوا أولا عن الفلسطينين لإستجوابهم ، وعندما رأونى أقرأ فى كتاب اقبلوا نحوى ..وكأنهم عثروا على مبتغاهم …
أنزلونى من الباص وأخذوا حقائبى وأصطحبونى إلى مكتب أمن ..كنت أقرأ فى كتاب الحب فى التراث العربى وهو أحد إصدارات سلسلة عالم المعرفة …أفرغوا كل محتويات حقائبى وكان معى كتب كثيرة أشتريتها من معرض بغداد الدولى ..فتشوا فى ملابسى .. قرأوا كل الخطابات التى ارسلت لى من مصر عندما كنت بالعراق ..قرأوا مقتطفات من خطابات خطيبتى وتغزلوا بوقاحة فى رقى اسلوبها وروعة خطها …قذفوا بالمصحف الذى كان ضمن امتعتى بعيدا وقد تبعثرت أوراقه لأنه كان قديم جدا ..
ثم بدأوا فى إستجوابى : لماذا اتيت إلى الأردن ؟ ..ومن ستلتقى من المخابرات السورية هنا بعمان ؟ لم افهم السؤال الأخير لأنى كنت اعرف ان هناك قطيعة بين العراق وسوريا ، لكنى لا اعرب سببا لنشاط مخابراتى بين الاردن وسوريا …محاولاتى لفهم الأسئلة ، وإجاباتى الدبلوماسية جعلتهم يشكون في اكثر .. أدخلونى إلى غرفة واخذوا جواز سفرى ..وبعد ساعة أستدعونى إلى مكتب قائدهم ..سألنى لماذا أحمل هذه الكتب ؟ ..ولماذا جلها فى السياسة ؟ ..ولماذا دخلت الأردن ثلاث مرات من قبل ؟ .. قلت له لأحضر مهرجان جرش ..فأستغرب وقال لى : كيف تكون عاملا بالعراق وتحضر مهرجان جرش ..قلت له وأنا اضحك بسخرية : لأنى مثقف فقرى ..ولو نظرت فى الكتاب الذى ضبطتوه معى ستجد رسالة كنت اكتبها إلى عمان ..لأنى أحب عمان ..فتح الكتاب وقرأ الورقة ، وطلب منى ان اجلس ، ولما عرف انى سكندرى رحب بى وقال انه امضى بها عام كامل ..وأعتذر لى وطلب من سيارة ان توصلنى لعمان حيث أريد ..قلت له : المطار يا سيدى …المطار ..كنا فى بدايات إبريل عام ١٩٨٦ ..يوم وداع عمان نهائيا … ..
==================
أبوزيد الذى عاش
ألف عام أو يزيد
5
واقعة سرقة حذاء العيد وأنا بصحبة المرحوم والدى نصلى العشاء يوم وقفة عيد الفطر بمسجد سيدى إبراهيم الدسوقى ، كانت فاصل بين مرحلتين ..لقد أنهى هذا الحادث علاقتى بالمؤسسات الدينية بدءا بكتاب الشيخ شمس ، ثم كتاب الشيخ مرشدى الديب مداح النبى الحبيب ، إنتهاءا برجال الدين . وهذه الواقعة لقاء مبكر مع داعش …فمن سرق فرحتى بالعيد هو داعشى اثيم ..
لم ألحد يوما رغم انى كنت بالجامعة فى وقت كان الإلحاد به موضة لدى الشباب ، بل وكنت انفر من أحاديثهم الإلحادية ..والحقيقة أننى كنت اكثرهم إتساقا مع نفسى .. فلقد سألت احدهم ذات مرة : هل انت ملحد حقا ؟ ..أجابنى : والله العظيم انا ملحد .. قناعتى بوجود الله لم تتزعزع يوما ..أتذكر الاب بازليو راعى كنيسة سانت كاترين بالأسكندرية ..كنت اذهب إليه بمكتبه بالكنيسة ، وكان دائما يردد لى مقولتى حفرت فى عقلى ..جوهر التدين ان تعثر على الله فى اعماقك ..فإذا عثرت عليه فأعبده كيف شئت ..ودائما كنت اميز بوضوح بين الدين ، والطريقة التى يمارس بها المتدينين دينهم …تزوجت كاثوليكية ، ثم ارثوذكسية ، ولم يحدث يوما ان تحدثنا فى شأن دينى .. كنت اصطحبهن للكنائس ، واحضر القداس احيانا ، وأقبل يد الأب ..وسط دهشة الكثيرين عدا زوجاتى اللائى كن يعلمن مستوى تحضرى ورقيى من هذا الجانب حتى ان إحداهن من فرط خجلها من تصرفاتى صامت شهر رمضان وكانت تحرص على طقوس المسلمين فى رمضان ..
الدين هو الحافلة التى نستقلها ونحن متوجهين إلى الرب .. وليس شأنى ان هذا يتوجه للرب راكبا طائرة ، او قطار سريع ، او راكبا جملا ، او ماشيا على قدميه ..ففى كل الاحوال سنجد يد الرب مدودة لنا بحنان ..الدين ليس وسيلة للخلاص الذاتى ، وليس اغلالا تعوقنا عن الحركة ..الدين هو اناشيد محبة للرب ..وتعاليم مقدسة لنستمتع بالحياة .. الدين هو المحبة ..هو السلام ، هو الإحترام الكامل لحق الإختلاف ..الله لم يخلق احد ليلغى وجود الآخر ..ولم ينزل كتبه السماوية على هيئة طلاسم او لغة غير مفهومة يتولى رجال الدين فك طلاسمة وترجمته …هؤلاء هم من افسدوا العالم …وهم المسؤولون عن دماء الملايين عبر التاريخ …
هذا ما كنت أفكر فيه وأنا فى كربلاء ..والنجف ..والكوفة … وانا أشاهد حالة من الهوس الدينى …والابتزاز الروحى من جانب رجال الدين للبسطاء .. وهو نفس ما يفعله رجال الدين السنة …
الطريف اننى فى تيرانا عاصمة ألبانيا دعانى صديق البانى إلى بيت خالته وكان مكتظا بالنساء لأعلمهم الإسلام
