تعد زراعة القطن من الزراعات الموغلة في القدم والتي عايشت السوريين ويعود تاريخها إلى زمن صناعة الغزل والنسيج في الألف الرابع قبل الميلاد، ويعد القطن السوري من أجود أنواع القطن في العالم، لا سيما القطن المتوسط وقصير التيلة.
إلا أن هذه الزراعة تراجعت خلال سنوات الحرب العدوانية المفروضة على البلاد بسبب هجرة الفلاحين وترك أراضيهم خوفاً من الإرهاب وصعوبة نقل وإيصال مستلزمات الإنتاج للفلاحين وارتفاع أسعارها، مع صعوبة تسويق الإنتاج وإيصاله للمحالج ومراكز الاستلام التابعة للمؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان.
قرار السماح باستيراد مادة القطن المحلوج والخيوط القطنية للقطاع العام والصناعيين بكمية /5000/ طن وعلى أن تصل آخر شحنة قبل تاريخ 31/12/2021 أثار جدلاً ونقاشاً لدى الأوساط الاقتصادية المعنية بهذا الموضوع بين من يؤيد القرار ويعتبره ضرورة ملحة لها أسبابها الموجبة وقسم آخر أبدى تخوفه من أن تكرر التجربة وألا تحقق الغرض المرجو منها وأن يتبع ذلك ارتفاع في قيم المنتجات كون مادتها الأولية أصبح يؤمن قسم منها عن طريق الاستيراد.
*سلبيات استيراد القطن..
الصناعي عاطف طيفور بين السلبيات الكثيرة لاستيراد القطن المحلوج بحسب رأيه والمتمثلة بإغراق الأسواق بالقطن ومنافسة الفلاح وتهجيره من أرضه بحثاً عن مادة زراعية مختلفة، واستنزاف القطع الأجنبي بقيمة غير مسبوقة لاستيراد القطن والخيط، وتوازي قيمتها متوسط قيمة موسم كامل من زراعة القطن، وإغراق الأسواق بالخيط القطني وتوقف شركات الغزل العامة والخاصة عن الانتاج بالشكل المتوازن، وارتفاع أسعار جميع أنواع الأقمشة والألبسة الجاهزة بسبب تعويم سعر الخيط القطني بالأسواق وخاصة الأسواق السوداء، وإضافة أرباح المستوردين والتي كانت غير موجودة بمواسم القطن، وخروج سورية عن السعر العالمي المنافس بالخيط والقماش والألبسة الجاهزة وانخفاض الصادرات للحد الأدنى وخروج مهنة النسيج تدريجياً من الاقتصاد السوري، وانتعاش سوق البالة وارتفاع نسبة استيرادها وتهريبها للحد الأقصى وسيستمر استنزاف القطع الأجنبي بقيمة لم تشهدها سورية منذ عقود، إضافة لزيادة مستوردات الألبسة الجاهزة والتي ستنافس الصناعة السورية.
*لماذا السماح باستيراد الخيط؟؟؟
ونوه طيفور أنه رغم كل السلبيات السابق ذكرها إلا ان استيراد القطن أصبح أمراً واقعاً لابد منه لسد حاجة الأسواق، ولكن المستغرب شمول القرار على السماح باستيراد الخيط علماً اننا نستطيع انتاجه خلال ساعات بعد توريد القطن الى المعامل.
*ضعف السياسة التسعيرية..
المهندس فارس الشهابي رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية قال: موقفنا في اتحاد الغرف كان ولا يزال مع توفير الدعم المطلق للصناعة المحلية وتوفير كل الحماية لها عبر منع استيراد كل ما يمكن انتاجه محلياً، والمشكلة في ملف القطن ان هناك قرارات خاطئة سابقة أدت الى عزوف معظم المزارعين عن بيع محصول القطن الأخير للدولة بسبب مشكلة في التسعير وبما تسبب بالنقص الحاد الحالي في المادة الاولية والذي حذرنا منه وتوقعناه وبما تسبب في توقف مصانع الغزل العامة الضخمة ومعها بعض مصانع الغزل المحلية.
*القرار غير مكتمل..
تأمين القطن المحلوج المحلي منوط بالدولة حسب رأي “الشهابي” وليس بالقطاع الخاص وعندما تتوقف معامل الغزول القطنية الحكومية عن العمل هذا يعني ان تتعثر آلاف المنشآت الصناعية التي تصنع الاقمشة بالاعتماد على هذه الغزول!
هذا القرار مؤسف ومنقوص ولكنه مؤقت لحين تأمين القطن الوطني الكافي بالخطة الزراعية الحالية وعودة مصانع الدولة للعمل ومعها مصانع القطاع الخاص.
*عدم وجود سياسة نسيجية شاملة..
الشهابي أشار الى أن المشكلة الحقيقية ليست في القرار بل في عدم وجود سياسة نسيجية شاملة وواضحة تحمي كل الحلقات والمراحل بدءاً من زراعة القطن وصولاً الى تصدير منتجاته للخارج ومروراً بالغزل وصناعة الأقمشة المُسنرة والنسيج الآلي والتحضير والصباغة والطباعة وصناعة الألبسة!
كان من المفروض أن تستجيب الحكومة لطلباتنا المزمنة بتوفير الحد الأدنى من الحماية لصناعة الأقمشة بأنواعها مماثلة لما فعلته مصر لاستقطاب الصناعي السوري! حتى الآن تدخل الاقمشة الاجنبية مُسنرة وغيرها الى القطر وما نطالب به هو منع استيراد ما ينتج منها وترشيد استيراد ما لا ينتج منها ضمن مخصصات الصناعيين.
*المشكلة الحقيقية..
وتابع: أثناء انعقاد ملتقى الصناعات النسيجية الأول في حلب العام الماضي، حذرنا من إمكانية ضياع محصول القطن آنذاك بسبب ضعف السياسة التسعيرية وان ذلك سيؤدي بعد أشهر الى توقف معامل الغزول الوطنية العامة والخاصة وان الحكومة ستكون أمام مأزق كبير نتيجة عدم توفر القطن المحلوج الكافي لتشغيل شركات الغزل وهذا بدوره سيضطرها إلى السماح باستيراد القطن في بلد القطن..! وهذا ما حدث للأسف..!
المشكلة الحقيقية ليست في استيراد كمية قليلة من القطن الأجنبي كحل اسعافي لتشغيل المصانع بل في معرفة أسباب عدم تأمين القطن الوطني وأسباب ضياع الموسم السابق.
*تلبية حاجة الصناعيين الفعليين..
معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية “بسام حيدر” أكد للثورة أون لاين أن قرار السماح باستيراد القطن والخيوط القطنية له عدة مبررات أهمها تلبية حاجة الصناعيين من المواد الأولية لتشغيل معاملهم وفق طاقتها الإنتاجية الفعلية والتصنيعية وتم اتخاذ القرار كي لا يكون هناك فجوة أو انقطاع بتوافر المواد الأولية اللازمة لاستمرار دوران عجلة الانتاج والقرار جاء بالتنسيق بين وزارات الاقتصاد والزراعة والصناعة لتوقعاتهم بعدم وجود كفاية بمحصول القطن هذا العام.
*من لديهم معمل قائم فقط..
أما بالنسبة لآليات ضبط عمليات منح إجازات الاستيراد فقد أكد حيدر أنها ستعطى فقط للصناعيين الذين لديهم معمل قائم وسيقوم بتحويل القطن الى غزول قطنية كما يجب الحصول على كتاب من وزارة الصناعة يتضمن حاجة المعمل القائم الفعلية الى مديرية الاقتصاد المعنية وضمن سقف 5000 طن ذلك بالنسبة للغزول القطنية، أما بالنسبة لاستيراد القطن فيجب الحصول على موافقة فنية بشروط القطن المستورد تضعها وزارة الزراعة ضمن التعليمات وبحيث يتم فحص عينات القطن قبل الموافقة على منح إجازات الاستيراد علماً أن وزارة الصناعة ستقوم بالإشراف على القطن المستورد اثناء عملية التصنيع.
*ضوابط تؤمن حماية للمنتج الوطني..
المهندس حارث مخلوف مدير عام مؤسسة الصناعات النسيجية قال: “في نهاية العام الماضي تفاجأنا أن الأقطان المحلوجة التي تم توريدها إلى شركات الغزل التابعة حوالي/5000/ طن بينما حاجة هذه الشركات للعمل وفق خطتها المقررة لعام 2021 حوالي /55000/ طن وبناء عليه قامت مؤسستنا بمراسلة المؤسسة العامة لحلج وتسويق بعدة كتب لحجز كامل كمية الأقطان الموردة إليهم والتي من المتوقع توريدها لصالح مؤسستنا”.
وبين مخلوف أنه وعملاً بتوجيهات السيد وزير الصناعة تم حصر توزيع انتاج شركات الغزل التابعة من الغزول القطنية بالصناعيين فقط علماً أنه كان يباع سابقاً لمن يرغب، إضافة إلى ذلك تم تشكيل فرق عمل من قبل المؤسسة بالتعاون مع مديريات الصناعة في المحافظات مهمتها الكشف الحسي على المنشآت الصناعية المرخصة أصولاً لتحديد حاجتها الفعلية من الغزول القطنية، وبالتزامن مع ذلك تم تحديد حاجة شركات القطاع العام من الغزول القطنية عن كامل عام 2021 بما يضمن استمرار عملها دون توقف واستمرارها بإنتاج منتجاتها من (الأقمشة – الألبسة الداخلية – الألبسة الجاهزة – الجوارب) التي يتم بيعها إلى المواطنين عبر صالات البيع التابعة بأسعار مناسبة وأقل من أسعار القطاع الخاص، مضيفاً أنه بعد انتهاء الفرق من أعمالها تم توجيه شركات الغزل لحجز كامل احتياجات شركات القطاع العام بما يساعد على التدخل الإيجابي في السوق، وتوزيع الكمية الفائضة من الغزول القطنية عن حاجة القطاع العام على المنشآت الصناعية المرخصة أصولاً بشكل عادل، حيث كانت الكمية التي وزعت على المنشآت الصناعية تعادل 35% من طاقتها الفعلية، وهنا بدأ الإخوة الصناعيون بالمطالبة من الجهات المعنية السماح لهم باستيراد الغزول القطنية اللازمة لعمل منشآتهم بكامل طاقتها، ولدى عرض الموضوع على مؤسستنا قامت مؤسستنا بمخاطبة الجهات الوصائية بطلب المساعدة في تأمين الأقطان المحلوجة اللازمة لعمل شركات الغزل التابعة بكامل طاقتها بما يمكننا من تأمين حاجة شركات القطاع الخاص من الإنتاج المحلي.
حرصاً على استمرار الإنتاج..
وتابع مخلوف: نتيجة تزايد مطالب الإخوة الصناعيين بالسماح لهم باستيراد الغزول القطنية لعدم قدرة المؤسسة على تأمين كامل احتياجاتهم للأسباب أعلاه أيدنا هذا المطلب حرصاً على استمرار دوران عجلة الإنتاج وإيماناً منا بشعار الأمل بالعمل وحرصاً على إعادة الحياة لهذه المنشآت التي بدأت بالتعافي بهمة جيشنا البطل, وكونها ارتبطت بعقود تصديرية تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني هذا من جهة وأن هذه المنشآت تؤمن فرص عمل لعدد لا بأس به من الإخوة العمال من جهة أخرى, وارتبطت موافقة مؤسستنا بضوابط تؤمن حماية للمنتج الوطني وتسمح لنا بالتدخل الإيجابي عند الحاجة والتي تمثلت بما يلي:
حصر الاستيراد بالإخوة الصناعيين وفق جداول حددت فيها الكمية المسموح باستيرادها لكل منهم وفقاً لطاقته الفعلية وكان ذلك وفق القوائم التي وردتنا من مديريات الصناعة في المحافظات بعد أن تم الكشف عليها من قبل فرق العمل.
وآخر شحنة يجب أن تصل قبل تاريخ 31/12/2021 على اعتبار أن مؤسسة الاقطان تبدأ بتوريد الأقطان المحلوجة للعام القادم اعتباراً من 1/10/2021 وحتى تدخل في العملية الإنتاجية وتبدأ شركاتنا بالإنتاج ببداية الشهر 11 تقريباً.
-وقال: الموافقة على الاستيراد تبدأ من مؤسستنا وقبل عملية الاستيراد وبذلك نكون قادرين على التدخل بأي لحظة، مع العلم مؤسستنا باقتراحها المرفوع إلى الجهات المعنية كان أولاً تأمين الأقطان المحلوجة اللازمة لعمل شركات الغزل بكامل طاقتها بما يمكنها من تأمين حاجة السوق الداخلية من القطاعين العام والخاص وفي حال عدم الإمكانية لتأمين الأقطان المحلوجة السماح للصناعيين باستيراد الغزول وفق الضوابط أعلاه.
وعليه وتنفيذاً للتوجيهات فإن مؤسستنا حريصة على انطلاق عمليات الانتاج في القطاعين العام والخاص وعودة الصناعة النسيجية السورية إلى ألقها قبل الحرب الظالمة وأن تكون هذه المنتجات لها حصتها في الأسواق الخارجية إضافة إلى قدرتها على التدخل الايجابي في السوق الداخلية بما يضمن وصول المنتج الى المستهلك النهائي بأسعار منافسة ولا يحمله أعباء مالية.
*إجراء وقائي واحترازي..
زاهر العتال مدير عام مؤسسة حلج وتسويق الأقطان قال: إنه خلال السنوات الماضية بذلت المؤسسة كافة الجهود لتجنب الوصول إلى هذا القرار من خلال تأمين حاجة المنتجين المحلين ولكلا القطاعين العام والخاص من الأقطان المحلوجة أما هذا الموسم فلم تستلم المؤسسة سوى 14 ألف طن أقطان محبوبة خام من المزارعين كما لم يتم استلام أي كمية من المناطق الشرقية التي يسيطر عليها ما يسمى قوات سورية الديمقراطية “قسد” والقوى الداعمة لها، ورغم ذلك قامت المؤسسة بفتح مركز استلام للأقطان ضمن مركز الثروة الحيوانية بمحافظة الحسكة ولكن قام بعض التجار والمضاربين بشراء الأقطان بأسعار أعلى من السعر الرسمي المحدد من قبل الحكومة علماً أن هذا السعر محدد من قبل وزارة الزراعة بعد احتساب متوسط تكاليف زراعة القطن بين كافة المحافظات مع وضع هامش ربح جيد.
العتال أوضح أن 79% من المساحات المزروعة بالقطن تترك ضمن المناطق المذكورة ولم تستلم المؤسسة أي كمية أقطان منها ولتجنب ذلك قامت المؤسسة بالتنسيق مع المنتجين والصناعيين وأصحاب شركات الغزول الخاصة لتوريد الأقطان المحلوجة مباشرة من المناطق المذكورة إلى هذه الشركات بعد مرورها على أحد محالج المؤسسة بغية تصنيفها وترميزها وبلغت كمية الأقطان المسوقة من هذه المناطق 2370 طناً ومع ذلك لم تكن هذه الكميات كافية لذلك طلب الصناعيون من الجهات المعنية الحصول على موافقة لاستيراد الأقطان المحلوجة والخيوط القطنية وصدر القرار بالسماح بالاستيراد لمدة 6 أشهر وهو إجراء احترازي ومؤقت ويمكن إيقافه في أي وقت ممكن وذلك بسبب اقتراب موسم الأقطان الحالي في شهر أيلول القادم وبالتالي إن كان هناك كميات كافية لتغطية حاجة السوق سيتم إيقاف هذا القرار فوراً .
*تخفيض الخطة الزراعية..
المهندس وليد رزوق مدير مكتب القطن في حلب قال إن الخطة الزراعية لهذا العام تم تخفيضها من 78 ألف هكتار إلى 40 ألف هكتار على مستوى القطر في محافظات حماة والرقة ودير الزور والحسكة وحلب نظراً للصعوبات والعوائق التي اعترضت التنفيذ ومنها عدم توفر مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومحروقات وتحديد سعر استلام المحصول بألف وخمسمئة ليرة سورية للكيلو غرام الواحد وارتفاع أجور اليد العاملة لافتاً إلى أن المهندسين الزراعيين والفنيين بمديرية مكتب القطن يتابعون الإشراف الفني على المساحات المزروعة والحقول وتعمل المديرية على تقديم الإرشادات والنصائح للفلاحين حيث بلغت المساحات المزروعة بالقطن في محافظة حلب 375 هكتاراً.
*أمر واقع..
رئيس الاتحاد المهني للغزل والنسيج محمد عزوز بين أن استيراد القطن هو أمر واقع نتج عن ضعف موسم استلام الأقطان غير الكافي لسد حاجة شركات الغزل والنسيج للقطاع العام والخاص، مشيراً إلى أن سعي الجهات الوصائية لتأمين المادة الأولية للشركات له منعكس إيجابي بما يتعلق بالحفاظ على اليد العاملة الانتاجية الخبيرة واستمرار العمل والإنتاج والاستقرار النفسي للعمال باستمرارية العمل خصوصاً للعقود المهنية.
يوسف هيثم الناعمه