حسين طليس
لم يكد "يبلع" النازحون السوريون في لبنان، الأخبار التي وصلتهم بشكل مفاجئ عن قطع المعونات الغذائية التي تؤمنها منظمة الأغذية العالمية، حتى صدمتهم حادثة توزيع "إعاشات فاسدة" من قبل جمعيات يفترض أنها تحمل صفة "خيرية"، ليزداد منسوب التهديد الذي يطال أمنهم الغذائي، في بلد لا أمن غذائي فيه حتى لمواطنيه، وتتضاعف المعاناة التي أصابتهم، فيضاف الى تهديد "الأمعاء الخاوية" الناتج عن قطع المعونات، تهديد "الأمعاء المقطعة" الناتج عن توزيع الأغذية الفاسدة عليهم.
بدأت القصة حين قامت جمعيات خيرية إسلامية في بلدة كترمايا، قضاء الشوف، بتوزيع إعاشات غذائية على النازحين السوريين في البلدة، بشكل مكثف وعشوائي دون اللجوء الى لوائح إسمية او تحديدٍ لكميات الأغذية الموزعة، على غير عادتها، الأمر الذي تسبب بإقبال كثيفٍ على إستلام "الإعاشات" بعد أيام على شيوع أنباء إنقطاع المعونات الغذائية التي تؤمنها الأمم المتحدة، مقابل توزيع أكثف لها من قبل الجمعيات. إلا أنّ المفاجأة كانت حين فتحت تلك الإعاشات في المنازل وتم إكتشاف فساد معظم المواد الغذائية فيها.
"الجبنة معفنة، الحمص والفول ريحتون بتموّت، المعكرونة والرز فيهون حشرات، الزيت ورب البندورة خالصة مدتهون، حتى حليب الأطفال منتهية صلاحيتو." هكذا تصف إحدى النازحات السوريات، حال "كرتونة الإعاشة" التي وصلتهم والمواد الغذائية فيها في حديثها مع "سلاب نيوز"، مضيفةً أنّ هذه الحالة لا تقتصر على "كرتونة" واحدة، بل صادفت فساد المواد الغذائية في العلب الثلاث التي أحضرها زوجها قبل أيام الى المنزل، والغريب أنّ كل الإعاشات ليست من مصدر واحد، بل من عدة جمعيات تناوبت على توزيع المواد الغذائية على مدى أيام في البلدة. وفي حين أكدت المرأة انها تخلصت من تلك المساعدات الفاسدة، أشارت الى حالة أكثر خطورة، وهو إقدام بعض العائلات النازحة المعدومة على الإحتفاظ ببعض الأغذية كالمعكرونة والأرز، بعد تنقيتها من "السوس" وذلك خشية عدم الحصول على مساعدات في الفترة المقبلة بعد أن توقفت القسائم الغذائية والمساعدات الأممية.
كلام "النازحة" التي رفضت كشف اسمها، يؤكده أحمد (وهو أب لأربعة أولاد) الذي أشار الى أنه صادف تلك المنتجات الفاسدة في عدة إعاشات وصلتهم من قبل جمعيات مختلفة، شارحاً التفاصيل نفسها التي اشارت إليها المرأة سابقاً، حول وضع المواد الغذائية، مضيفاً تفصيل بالغ الخطورة، وهو وجود بعض المنتجات الفاسدة التي مسح عنها تاريخ إنتهاء الصلاحية، ليكشفها العفن الذي أصابها. يقول أحمد الذي لا يرى ما حصل بمجرد خطأ عابر، "إنّ ما حصل قد يفسّر باتّجاهين، إما أنها عملية إختلاس للمساعدات فشلوا في بيعها فوزعوها بعد إنتهاء صلاحيتها، أو أنها عملية تصريف سلع فاسدة من الأسواق تم إستبدالها بالمواد التي تصل الى الجمعيات لمساعدة النازحين، وفي كلتا الحالتين فإنّ ما حصل ناتج عن فساد في الجمعيات الخيرية قبل أن يصل الفساد الى الأغذية."
حالة من فقدان الثقة بالجميع باتت تسود أوساط النازحين السوريين، والأمر لم يعد يقتصر على بلدة كترمايا، خاصة وأنّ أخبار الأغذية الفاسدة عمت صفوف النازحين في البلدات المحيطة وما زالت تنتشر بسرعة. يتدخل أحد أقارب أحمد معلقاً "هذه مؤامرة على النازحين، يريدون التخلص منا بأي وسيلة، فيقطعون عنا المساعدات ثم يرسلون الأغذية الفاسدة وكأنهم يضعوننا أمام خيارين، الموت جوعاً او الموت بهذه الأطعمة".
الأمر المؤكد حتى الآن، على لسان أكثر من عائلة نازحة في بلدة كترمايا، هو أنّ المسؤولية عما حصل لا تتحمله جمعية واحدة، فقد تكرر وجود الأغذية الفاسدة في أكثر من مساعدة مصدرها عدة جمعيات ذات توجه إسلامي، إستطاعت "سلاب نيوز" أن تحصل على أسمائها من مصادرها في البلدة إضافة الى مصادر تمويل تلك الجمعيات وهي: جمعية "ميراث الهدى" الممولة من المملكة السعودية، جمعية "الوعي والمواساة" الممولة من دولة الكويت، إضافة الى "جامع الشهداء" الذي شكل مصدراً بدوره لتلك الإعاشات، وهو الممول من جمعية المشاريع الإسلامية. ويأتي نشر أسماء هذه الجمعيات بعد أن تأكدت "سلاب نيوز" من أنّ كل جمعية من هذه الجمعيات قد شكلت مصدراً لإعاشة فاسدة وصلت الى منازل النازحين وتسببت ببعض حالات التسمم المحدودة في صفوف النازحين.
هذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها النازحون السوريون ضحية الفساد الغذائي الناتج عن فساد الجهات التي تدّعي تقديم المساعدات، فقد سبق أن شهد أحد مخيمات النزوح في البقاع حالة مشابهة، كذلك منطقة وادي خالد التي شهدت معاناة أكثر من 300 نازح من تسمم تسببت به أغذية فاسدة وصلت في شهر آذار عام 2012 من قبل الهيئة العليا للإغاثة، إضافةً الى مئات الحالات الموزعة على بلدات عكار بسبب فساد الوجبات الغذائية التي كانت تصل من بعض الدول الخليجية خاصة في شهر رمضان، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الجهات المخولة ضبط الفوضى التي تضرب عملية توزيع المساعدات على النازحين، ودور وزارة الصحة والمنظمات الأممية في هذا المجال