خاص بالقلم
محمد عمر بوداي
القرم وسوريا واليمن يخطئ من يظن ان اهتمام الدول الغربية بالقرم ومخططاتها لحرمان روسيا منه وليدة الامس القريب. الازمة الاوكرانية الحالية التي تفاجأ بها العالم وخاصة روسيا ليست وليدة اليوم، ليست لخدمة الشعب الاوكراييني، ليست لنشر الديموقراطية والحرية في هذا الجزء من العالم بل، الخطوات النهائية لعملية محاصرة بلادنا جغرافيا تمهيدا لتدميرنا كدولة والقضاء على الروس كشعب. وكل من يقرأ الاحداث بغير هذا المنطق فهو يفتقر الى العمق الاستراتيجي في تفكيره ويسبح على سطح الاحداث. اجل، مايحدث في اوكرايينا اليوم هو الخطوة ماقبل الاخيرة لتفتيت الاتحاد الروسي والذي بدأ قبل 160 سنة بتصريح وزير الدفاع الانكليزي اللورد بالمرستون الذي نشر خطته في الصحافة عام 1854. يقول حضرته: "هدفي في الحرب التي بدأت ضد روسيا هو: سلخ جزر الاندسكي وفنلندا من روسيا واعطائها للسويد، سلخ قسم من المحافظات الروسية على بحر البلطيق واعطائها لبروسيا، اقامة مملكة بولندية مستقلة كمنطقة عازلة بين روسيا والمانيا، واعطاء ملاخيا وملدافيا ومصب نهر الدون الى النمسا، واعطاء القرم وجورجيا لتركيا، اما شركيسيا فيمكن جعلها دولة مستقلة او تحت سلطة السلطنة (تركيا). ويمكن مستقبلا سلخ دول ماوراء القفقاس عن روسيا مع تقسيم جورجيا الى خمس دويلات: كاخيتي، ميكريليا، ايميريت، غوريو، سفانيتيا واعطاءها مع ارمينيا للدولة العثمانية او بريطانيا. اعادة الاراضي الايرانية والتركية التي سلختها روسيا بموجب معاهدة غوليستان واندروبولسكي الى اصحابها" انتهى. ملاحظة: الحرب المقصودة كانت عبارة عن تحالف انكليزي -فرنسي- تركي- مصري لطرد روسيا من القرم، وقد خسر المصريون فيها اكثر من 4000 قتيل. وفيما بعد، اضاف المخططون تعديلا بسيطا على وهو: سلخ شمال القفقاس عن روسيا عبر اقامة دولة شركسية مستقلة في شمال غرب القفقاس تضم اديغيه وكبردينا – بلكاريا وقرشاي – شركيسيا، واقامة دولة فايناخ العظمى في شمال شرق القفقاس وتضم داعستان والشيشان والانغوش. هذا يعني ان كل مانشاهده اليوم من المشاكل التي تتعرض لها روسيا ليست وليدة الصدفة بل، مخطط اتخذ قبل 160 سنة من الان. كان من المقرر اعطاء القرم لتركيا ولكنها الى وقت قريب قريب كانت تابعة لاوكرانيا التي كانت تخطط لاغلاق القاعدة الروسية واستبدالها بقاعدة تركية تماما كما خطط بالمرستون قبل 160 سنة. اما بخصوص جورجيا التي كان من المقرر تقسيمها لخمس دويلات تحت السيادة العثمانية او البريطانية فقد اصبحت اليوم دولة معادية لروسيا وطردت القواعد الروسية من باطومي وبوتي مما الحق اضرارا استراتيجية باسطول البحر الاسود الروسي، ولولا انفصال ابخازيا عن جورجيا لفقد الاسطول الروسي قاعدته في سوخومي، ولو نجح الغرب بحرمان روسيا من القرم، واقامة الدولة الشركسية كما جاء في مخطط بالمرستون لاصبح البحر الاسود مغلقا امام روسيا واصبح بحر آزوف مشتركا بين الناتو وروسيا. وان نجحوا بتنفيذ خططهم باقامة دولة ( فايناخ العظمى) التي تضم الشيشان والانغوش وداغستان تكون روسيا قد خسرت بحر كاسبي بكل موارده وفقدت القدرة على الاتصال بايران واذربيجان وتركمنستان. فقدان البحر الاسود بالنسبة لروسيا يعنى اصابتها بالاختناق الجغرافي وقص اجنحتها وتحجيمها لدولة صغيرة تحاصرها الاعداء ومهددة بالانهيار وليس كامبراطورية يخشى الجميع اغضابها. خطط الغرب الخاصة بتحطيم الدولة الروسية وابادة الروس كشعب لم تتوقف يوما ولن تتوقف ابدا حتى تصل لمرحلة كسر العظم. وماجرى بالامس في اوكرايينا ومايجري اليوم في اليمن هو – كما قلنا سابقا – الخطوة ماقبل الاخيرة لنقل الاهاب الى الاراضي الروسية واشعال اسيا الوسطى التي تقطنها شعوب اسلامية ناطقة بالتركية لتصل النار الى الصين. حقد امريكا على روسيا كدولة والروس كشعب في عام 1945 وضع اللان داللس مدير المخابرات المركزية الامريكية خطته لتفتيت الاتحاد السوفيتي كدولة وابادة الروس كشعب، ويقول حضرته: (تنتهي الحرب، والجميع سيستقرون بشكل او بآخر ونحن سنلقي بكل مانملك من ذهب وقوى مادية لخداع وتغييب الوعي لدى الروس. سنزرع الفوضى هناك، وبدون ان نلفت الانتباه سنستبدل كل قيمهم الحقيقية بقيم مزيفة ونجعلهم يؤمنون بهذه القيم الوهمية المزيفة وسنجد من يشاطرونا ارائنا، وسنجد انصارنا ومساعدينا في روسيا بذاتها. حلقة بعد حلقة سنلعب وندير اكبر مأساة لموت – لابادة- الشعب الروسي الذي لايقهر حتى تنقرض هويته عن وجه الارض بشكل لارجعة فيه. سنمحو الطابع الاجتماعي من الادب والفن الروسي، سنبعد الفنانين عن الاهتمام بما يختلج في نفوس شعبهم، سنجعل الادب والسينما والمسرح يهتم بتصوير وتمجيد أحط وارخص القيم والمشاعر البشرية. وسوف نبذل قصارى جهدنا بدعم الفنانين الذين يزرعون في وعي الجماهير تقديس السيكس والمال والاغتصاب والسادية والعنف والخيانة وباختصار تقديس كل انواع الفجور. سنزرع في اجهزة الدولة الفوضى والارتباك، ورويدا رويدا، الصدق والنزاهة وكل القيم الروحية لن يحتاجهما احد وتصبح جزءا من الماضي. الوقاحة والغطرسة والكذب والخداع والسكر والعربد وتعاطي المخدرات والخوف المتبادل بعضهم من بعض، الخيانة والتطرف والكراهية القومية والعداء بين الشعوب وخاصة العداء ضد الروس، كل هذا سنزرعه في روسيا بالخفاء، وكل هذا سيزهر نفاقا وفسادا. قلة من الناس فقط ستنتبه الى ما نفعله ولكننا سنجعلهم بدون حول ولا قوة، سنجعلهم اضحوكة ومثار سخرية امام الناس وسنجد الوسائل للتشهير بهم وتسليط حثالة المجتمع ضدهم. سنهتم بالناس منذ سن الطفولة وسنركز دوما على جيل الشباب، سنجعلهم فاسدين ومنحلين خلقيا، وسنجعل منهم شبابا مبتذلين ساخرين من كل القيم الروحية. هذا ما سنفعله بالروس. انتهى. هذه الخطة نفذت بحذافيرها وبدقة متناهية في تفتيت الاتحاد السوفيتي وكنت شخصيا شاهدا عليه ومؤرخا له. واظن ان نفس الخطة تنفذ في بلاد اخرى. في عام 1946 قال تشرشل: لايمكننا الانتصار على الاتحاد السوفيتي قبل ان تتحلل من الداخل، لايمكن قهر اي شعب موحد الاطياف. وهو بذلك خير من عبر عن روح السياسة الانكليزية التي تنتهج بنجاح منقطع النظير سياسة فرق تسد في كل ارجاء العالم. وبعد نجاح تفكيك الاتحاد السوفيتي بدون حرب، جرى استبعاد وسيلة القوة والتدخل المباشر لتفكيك الاتحاد الروسي وبدأوا الرهان على ضرب وحدتها الوطنية من الداخل عن طريق التحريض القومي والديني. ولم يخف الامريكيون نيتهم بتفتيت الاتحاد الروسي في اي وقت. فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام في عام 1991، قال الرئيس الامريكي بيل كلينتون في كلمته التي القاها امام رؤساء اركان الولايات المتحدة مايلي: ان نجاحنا بتفكيك الاتحاد السوفيتي لايعني انه لم يبق لنا مانفكر به في روسيا، لابد من تحقيق عدة اهداف بنفس الوقت: 1- عدم السماح للشيوعيين بالوصول للسلطة بأي شكل من الاشكال. والعمل من خلال اصدقائنا في روسيا على ان يشارك في السباق الى البرلمان الاحزاب اليسارية؛ 2- يجب الاهتمام ايضا بالانتخابات الرئاسية، الرئيس الحالي يلتسين يناسبنا بكافة المقاييس، فاذا نجحنا بابقائه لفترة رئاسية ثانية وتطهير حاشية يلتسين من كل الاشخاص الذين يعارضونا سيكون امامنا في السنوات العشر القادمة تحقيق الاهداف التالية: 1-تفتيت روسيا الى دويلات صغيرة عن طريق تفجيرالحروب الاقليمية مثل التي افتعلناها في يوغوسلافيا. 2-التفتيت النهائي للصناعات الحربية الروسية والجيش الروسي. 3-اقامة انظمة موالية لنا في الجمهوريلات التي ستنفصل عن روسيا. وفي وقت لاحق من نفس العام، ادلى وزير الخارجية الامريكي جورج بيكر بتصريح قال فيه: ان مسألة بحر كاسبي بالنسبة لامريكا ليست مسألة اقتصادية فقط ، بل مسألة جيو- سياسية من الدرجة الاولى. اما وزيرة الخارجية الامريكية مادلين اولبرايت فقد قالت: ان الثروات الطبيعية لسيبريا والشرق الادني ليست ملكا للروس فقط، بل ملك لكل البشرية. المقصود بالبشرية هو امريكا واوربا طبعا. في عام 1997، صرحت الادارة الامريكية بان دول ماوراء القفقاس الثلاث، بالاضافة لخمس دول الاتحاد السوفيتي السابقة في اسيا المركزية تشكل بالنسبة للولايات المتحدة منطقة مصالح حيوية من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. وفي عام 1999، وضع على جدول مهمات حلف الاطلسي بند يقضي بامكانية مشاركة قوات الحلف في اعمال حفظ الامن في اوربا بما فيها منطقة القفقاس. وكما هو موضح، فالخطة تسير بثبات نحو هدفها. بتاريخ 21 حزيران عام 2003، عقد اجتماع في محفل بيلدربيرك( احدى هيئات مايسمى بالحكومة العالمية) جرى خلاله مناقشة مشروع تفتيت الاتحاد الروسي، وطرح اقتراح بمنح امريكا المناطق الغنية بالنفط وهي: سيبريا، ياقوتيا، جيكوتكا. وفي عام 2004، نشرت على موقع المخابرات الامريكية تقارير مراكز الابحاث الشهيرة، وتنبآت المحللين السياسيين بخصوص الاحداث التي سيشهدها العالم خلال السنوات العشر القادمة. التقارير تنظر الى روسيا كمنطقة مضطربة وغير مستقرة ينعدم فيها الامان. وتتنبأ التقارير بأن الاتحاد الروسي سيتفتت خلال هذه الفترة الى 6 – 8 دول مستقلة. بتاريخ 30 كانون الاول عام 2004، عرض التلفزيون التركي مقابلة بين شيوخ الجالية الشركسية في اسطنبول التي ضمت متقاعدي الضباط الشراكسة الذين خدموا في الجيش التركي مع امير حاج منصور ناتخويف (انطون سوريكوف) الذي كان يتحدث عن توقعاته خلال السنوات العشر القادمة. اي، عام 2014، حضرته عرض خطة لاحتلال المنطقة الواقعة على شمال نهر القوبان وكل ساحل البحر الاسود من بسووي وحتى ادلر. واكد كذلك ان القبرطاي سيستولون على مزدوك وبتي غورسكي. وان 50 الفا من المجاهدين الاديغة جاهزون لتنفيذ هذه المهمة عندما يتلقون الاوامر بذلك. وطلب من الشراكسة في تركيا وسوريا والاردن ان يقدموا 50 الف متطوع شركسي اضافية. وتعهد بطرد كل القازاق من المنطقة اذا لم تتدخل روسيا. وحسب المخططات الامريكية ستقوم على اراضي القفقاس المحررة خلافة اسلامية، تتألف من دولتين احداها تقوم على اسس دينية وهي فايناخ العظمى، وتضم الشيشان والانغوش وداغستان. وتقوم على ارض شمال شرق القفقاس لتجريد روسيا من بحر كاسبي. والثانية، دولة تقوم على اسس قومية في شمال غرب القفقاس وتقوم على اراضي جمهورية اديغيا، كبردينا – بلكاريا، وقرشاي – شركيسيا، وتسمى الدولة الجديدة (شركيسيا العظمى).والهدف منها سلخ شواطئ البحر الاسود عن الاتحاد الروسي. وبالتالي، فما يحدث اليوم في سوريا واوكرانيا واليمن ليس صدفة ابدا بل، فصل جديد على طريق تفتيت الاتحاد الروسي الذي فقد كل تسهيلاته البحرية في العالم ماعدا القرم وطرطوس وباب المندب الذي تحاول روسيا ان لايقع بايدي حكومة يمنية منحازة بالكامل لامريكا. تابعونا في الحلقات القادمة عن فصول الصراع على البحار بين روسيا والغرب.