. بقلم : نمير سعد-القلم
ماذا تعني خسارة معركة في قاموس الحروب ؟
خسرنا معركة يقول البعض .. نعم وماذا بعد ، نقول لهم ، إنها معركةٌ وحسب ، و خسارة معركةٍ أو معارك لا يعني الهزائم في الحروب . فنحن لسنا في زمن الغزوات ، ساعة كانت الغزوة هي الحرب ، وكانت الحرب مجرد غزوة ، .. ففي الحرب التي شنت على الوطن السوري ، واجه جيش هذا الوطن جحافل الغزاة في ألف غزوةٍ وغزوة ، خسر بعضها وحقق انتصاراتٍ مبهرة في بعضها الآخر . لنا أن نتذكر دائماً أن جيش هذا الوطن و شعبه يتعرضان لحربٍ لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ولا عرف لها شبيها . وتلك حقيقة بات يقر بها العدو قبل الحليف أو الصديق .إنها جيوشٌ مجيشة ، وقطعانٌ إرهابية جيء بها من كل أصقاع الأرض ، قطعانٌ لا سبيل لحصر أعدادها أو الحد من سفرها نحو الجنان من خلال البوابة السورية ، – باتت سورية بوابة كل الكفرة نحو جنان كفرهم وغيهم و جهادهم الذي تشكل الدعارة الحلال عمود بنائه – . كنت قد كتبت على مدار عمر الحرب مراتٍ عديدة منبهاً من الحرب الإعلامية التي قد يصل أثرها النفسي إلى حواف الهزيمة .. في زمن الإنتصار .
اليوم يعيد شياطين ماكينات الإعلام المعادي للوطن السوري إحياء أساطير "أمجاد ثوارهم " . رغم أنهم على يقين بأن انتصاراتهم الوهمية لا زالت داخل طوق قبضة الجيش السوري ، الذي لن يعلن خططه وتكتيكاته لمعارك التحرير القادمة على الملأ بكل تأكيد ، الجيش الذي بدأ هجومه المضاد بعد إحكام الحصارعلى الإرهابيين الذين سيقوا إلى حتفهم في جسر الشغور ، المدينة التي ستشهد لا محالة هزيمتهم ونفوق معظمهم . فصبراً أيها السوريون ، إنما النصر صبر معارك وليس ساعة. تيقظوا ، تنبهوا ، ولا تؤدوا لغزاة الوطن خدماتٍ مجانية عبر إشراع نوافذ العقول للروح الإنهزامية ، من خلال إهتزاز ثقتكم بأنفسكم .. والأهم الأهم .. ثقتكم بجيش الرب على أرضه ،وثقتكم بالنصر الذي ما فتئتم تؤمنون به كمثل إيمان المؤمن منكم بربه .
الحرب على سورية ، تاريخٌ يعيد نفسه وتفردٌ مؤلم.
لتبيان تفاصيل مشاهد الحرب على سورية لا بد من وضع بعض جزئياتها تحت مجهر الحقيقة والمعلومات والوقائع والأدلة والدلالات .
ثمة حقيقة قانونية مؤداها ..أن الإعتراف هو سيد الأدلة – وأعني هنا إعتراف أفرقاء العدوان على ألسنة قادته ، بالتجييش والتحريض والتجنيد و التخطيط والتمويل والتسليح والتدريب . سوف أعتمد هنا على إستحضار بعض مشهديات حروب التاريخ وإسقاطها على الحالة السورية مستفيداً من ثنائية العقل والمنطق . فكثير من مشهديات وتفاصيل تلك الحروب هي واحدة ، وعنصر الغزو المباشر أو غير المباشر بقصد إحكام السيطرة على مقدرات هذه الدولة أو تلك والتحكم بنهجها ومواقفها بما يخدم المصلحة الأمريكية هو ذاته. وليس ما يجري على الأرض السورية على مدار ما يزيد عن سنواتٍ أربعة سوى تكرارٌ لواحدٍ من تلك السيناريوهات الدموية وإن كان بشكل أكثر فظاعة ووحشية ، لكن الحديث اليوم هو عن التحالف الأكبر في تاريخ الحروب ضد شعب وجيش وقيادة بلدٍ بعينه ، و تكاتف جهود جيوش عشرات الدول وأجهزة إستخباراتها في غرف عمليات تحيط بالجغرافيا السورية من الجهات كافة ، تدير عمليات التجسس والرصد والتشويش وامداد قطعان الإرهاب بالمعلومات والإحداثيات اللازمة لشن غزوات جهادها ،وتشرف على تجنيدها من كل بقاع الأرض وسوقها إلى إحدى معسكرات التدريب في "دول الطوق " – بات لسوريا طوقاً يذكرنا بما كان يوماً طوقاً " لإسرائيل " ، المفارقة هنا أن بعض من يفترض أنهم أشقاء بات شريك دولة الإحتلال في تطويق سورية الصمود والمقاومة – . وهناك في تلك المعسكرات يشرف ضباط من جيوش الولايات المتحدة و بريطانيا وفرنسا وتركيا و "إسرائيل والأردن والسعودية و قطر وغيرها ، وخبراء من أجهزة إستخباراتها بتدريب قطعان الضباع وتسليحها وتمويلها ودعمها في بعض غزواتها بالمشاركة الفعلية " كما في جبهات القتال على الشريط الحدودي مع العدو الإسرائيلي ، وجبهات القتال المحاذية "للشقيق الأردني " وأخيراً جبهات القتال القريبة من العدو القديم الجديد ، القاتل حفيد القتلة ،أردوغان الحالم الواهم . الجبهات التي شهدت مؤخراً بدعم ومشاركة الجيش التركي وأجهزة استخباراته معارك إدلب وجسر الشغور .. و نختم بإستنفار هذا الحلف الشيطاني لجيش الماكينة الإعلامية التي تشمل مئات من الفضائيات ومئات أخرى من الصحف المجندة جميعها على مدار الساعة في خدمة هدفٍ واحدٍ وحيد .. هو إسقاط الدولة السورية .. جغرافيا وتاريخ ومستقبل ، ونسيج إجتماعي ، ومقدرات عسكرية وإقتصادية .. . إن سألناهم ، هل يجرؤون على الإجابة؟ هل يملك مسيو " أوباما " الجرأة على تخيل شكل الدمار والخراب اللذان كانا سيحلان بالولايات المتحدة لو أن حلفاً مماثلاً أعلن كل أشكال الحروب عليها لمدة أربع سنوات ؟ وهل يملك فريق مستشاريه ما يكفي من الذكاء والحنكة والخبرة لتحديد حجم الخسائر البشرية والإقتصادية والتنموية التي كانت ستحيق بولاياته جميعها .. لو أن قطعان الإرهاب اجتاحتها كمثل اجتياحها لسورية؟ وهل يمتلك هو أو أيٌ من قادة الدول العظمى الشجاعة على تأكيد قدرة جيشه وشعبه على الصمود "بعيداً عن إستخدام الأسلحة غير التقليدية " لمدة سنواتٍ أربع أمام هذا الغزو الإرهابي الأسطوري الخرافي غير المسبوق … دون خسارة العديد من المعارك هنا وعديدٌ آخر منها هناك ؟ ، وهل يمكن للوقاحة أن تصل بأحدهم حد الإعلان بأن مدنيي بلاده لن يكونوا ضحيةً لهكذا غزو ولمعارك الدفاع عن الأرض في وجه هكذا غزاة ؟ . أعلم أن الأسئلة تجيب في أحايين كثيرة على نفسها ، لكن طرح الأسئلة قد يفيد في إنارة بعض بقع الظلام في أدمغة بعض البشر.كان لا بد من هذا السرد لتوضيح فكرة أن حجم الخسائر التي منيت بها الدولة السورية بشراً وحجراً وبنًى تحتية ومقدرات ستبقى على فداحتها في نطاقٍ يعطي للسوري الشريف أحقية الفخر بسوريته الصامدة و الإعتزاز ببطولات جيشه الوطني العظيم ، وأن خسارة معركة دفاعية في وجه هذا الكفر الغازي لا تعني بأي حال من الأحوال .. هزيمة ، لأن الحروب كما يؤكد التاريخ وتعلمون .. بخواتيمها .. لحسن حظنا اليوم تحديداً أن التاريخ لا يعرف النسيان ، وأن ذاكرته غنية بالأمثلة المناسبة .. سوف أكتفي بمثالين اثنين رغم أن ذاكرتي تزخر بالعديد غيرها .. لكنني أستعرضهما بسبب وجه الشبه الشديد بينهما وبين الحرب الدائرة على سورية . أو.. "لغايةٍ في نفس نمير
".
أولاً – الغزو الأمريكي لفيتنام .. هو الغزو الذي إستمر سنواتٍ عشر( إعتباراً من بدء التدخل العسكري الأمريكي المباشر ودخول القوات الأمريكية وسلاح طيرانها طرفاً رئيساً في العدوان ، وصولاً إلى هزيمة أمريكا وحلفاءها ) ، و هو العدوان الذي تحالفت فيه إلى جانب الولايات المتحدة كل من أستراليا ونيوزلندا وتايلند و الفليبين . الحلف الذي شكل عديد قواته الغازية قرابة 700 ألف جندي يؤازرون ما يفوقهم من قوات فيتنام الجنوبية . أي أن ما يقارب المليون ونصف المليون كانوا يحاربون فيتنام الشمالية شعباً وجيشاً ، عبر غاراتٍ جوية واجتياحاتٍ برية يومية ، وتدميرٍ ممنهج للبنى التحتية ،وهو الأمر الذي ما كان له على قسوته وفظاعته أن يؤثر في عزائم الفيتناميين وثباتهم و يقينهم بالنصر ،يذكر التاريخ هنا على سبيل المثال أن معركةً واحدة هي معركة "التيت" هزت كيان الولايات المتحدة وحلفاءها قياداتٍ وجيوش ، وزلزلت قناعاتهم بجدوى الغزو وإمكانية الإنتصار من خلاله ، رغم أن الفيتناميين خسروا في تلك المعركة عشرات آلاف المقاتلين . إنه الغزو الذي إنتهى بإنتصار الفيتناميين و توحيد فيتنام الشمالية والجنوبية .النصر الذي ما كان له أن يكون لولا ذلك الصمود الأسطوري للشعب الفيتنامي ، وتلك الدماء التي لونت نصب الإنتصار العظيم … .
ثانياً – جحافل ضباعٍ مغولية وأوسمة نصرٍ بشرية .. أذكر هنا أولاً أن ستالينغراد .. بحصارها ودمارها وصمودها وانتصارها ، كانت قد زينت مقالة كتبتها ذات حصارٍ لهذه البلدة السورية أو تلك المدينة ، تماماً كما كانت حاضرة في بضعة أسطر كتبتها عن جسر الشغور ، لكنها كانت حاضرة أيضاً في إسقاطي لتجربتها على الوطن السوري كوحدة جغرافية تواجه الحرب على كل الجبهات دونما إستثناء وكمثالٍ يحاكي مجريات معارك ذلك الزمان ، معارك الصمود أولاً ، ومعارك حصار الحصار ثانياً ، والنصر ثالثاً ، الأمر الذي تكرر في أكثر من مدينةٍ وبلدةٍ سورية ، يستحق منا جيش هذا الوطن ، بل هو حقه علينا ، أن لا نمل إنتظار مواعيد نصره في جسر الشغور وادلب وحلب وغيرها من أيقونات الجغرافية السورية التي تغزوها جحافل الإرهاب .. طال الزمن أم قصر . ستالينغراد أيها القارئ العزيز .. "وأغلب الظن أنك تعلم " .. دمرت عن بكرة أبيها وأمها .. و تحولت إلى مدينةٍ للموت ولا شيء غير الموت ، لكن جانباً صغيراً محدوداً جداً من تلك الأيقونة الصامدة ومعه نفرٌ قليل من الأبطال .. رجالاً ونساء ، حارب وقاتل ودافع عن ما تبقى من المدينة و شكل بصموده وثباته وعزيمته وعظمته ،الرافعة التي شيدت النصر و بنت الجدار الاستنادي لبنيانٍ جديد يطال السماء في علوه و ارتفاعه ، بنيانٌ وضعت في أعلى قمته لائحةٌ تقول .. إن الصمود يصنع المعجزات ، وإن الإرادة تصنع الإنتصارات ، و إن اليقين بالنصر هو الطريق لنيله وعناقه ، وتحويله إلى أوسمة .. أوسمةٌ تمشي ، تغني للوطن ، تحيي علمه ، تتعطر بترابه، وتزور قبور غير أوسمة .. فكل من شارك في صنع الإنتصار كان في المحصلة وسام فخرٍ ومجدٍ وخلود .. إنها الأوسمة البشرية التي زينت صدرها بقلادة النصر و وضعته قرب شاهدات قبور الأوسمة الشهداء ،وردةً و رمزاً للمجد والخلود .. يحلو للتاريخ في هذه الأيام أن يحتضن المزيد من الصفحات المذهبة في كتابه ، ويعلن أبطال جيشنا العظيم .. أوسمةً على شكل بشر ، بعضها إرتحل على درب الشهادة ، وبعضها لا زال يحارب و يجترح المعجزات .. ويزين جبهات البشر والحجر بمجدٍ لا يطال ، وانتصاراتٍ قل نظيرها في خزائن ذاكرة التاريخ نفسه ، القديمة منها والجديدة .. .
المجد لسوريا وجيشها العظيم .