بقلم ناجي أمّهز
في هذا الزمن، أصبحت الفلسفة أن تكون فيلسوفًا بجمع المال، ولدي صديق يتبنى هذا المذهب الفلسفي. أحيانًا ينتقدني حزنًا على حالي وأنا أتنقل بالتوكتوك، بينما آلهة الأرض يتنقلون بالسيارات الفارهة. يصرخ في وجهي: “لماذا لا تجمع المال؟”، فأخبره بمعزوفة أن الفقراء يدخلون الجنة. فيزيد صراخه: “ومن أخبرك بأن الفقراء سيدخلون الجنة؟”.
نعم، جميعنا يبحث عما ينقصه في اللاوعي الكامن في غياهب عقله. وعندما تعيش بين النخبة الحاكمة عالميًا، يصبح العالم أمامك صغيرًا للغاية وتافهًا، حيث تستطيع أن تشاهده ببساطة مطلقة ودون أي تعقيدات.
قبل عقدين أو أكثر، لم يكن الموارنة يبحثون عن المال؛ ربما كانت الأولويات مختلفة وأهم وأعظم، أو ربما لوفرته في تلك الحقبة، حيث كانت الجلسة الفكرية التي تضم حديثًا فلسفيًا تستقطب النخبة. يجلس الجميع لساعات طويلة بصمت مخيف، الجميع يصغي وكأن الكتب على رؤوسهم يخشون أن يحركوا رؤوسهم فيسقط الكتاب.
وعندما تتعلم فلسفة الحياة، تكرر في نفسك المثل الشهير: “روما من فوق غير روما من تحت”. لذلك، يصبح من الصعب جدًا أن يؤثر على عقلك ضجيج الصراع بين الزواريب والأزقة الصغيرة للغاية.
في تلك الجلسات، كان الحديث يشبه سحر الشرق، والتفكير والبحث خارج الصندوق. يقول أحدهم: “إذا كانت غالبية المسلمين خلال 1400 سنة ما زالوا يبحثون في دينهم، يعني أنه بعد 1400 سنة أخرى سيستمر البحث، مع أن النبي واحد والقرآن واحد. إذا كانت آية واحدة من الله وهي القرآن وأحاديث النبي تحتاج منا للبحث ما يقارب 4000 سنة، ألا يستحق منا هذا النظام البشري المعقد بأنماط الحياة والتنوع بأديانه وثقافاته أن نبحث فيه أيضًا لآلاف السنوات القادمة؟”
يدور البحث في إحدى الجلسات عن الفضل للمواطن اللبناني السوري جورج ضو في عام 1914، الذي فرض على الحكومة الأمريكية أن تمنح الجنسية من الدرجة الأولى لكل مواطن قادم من لبنان وسوريا، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو حتى يهوديًا. حيث وافق القاضي بناءً على قضية سابقة وعلى تقرير ويلنغهام للجنة الهجرة، الذي وجد أن السوريين ينتمون إلى الفرع السامي للعرق القوقازي، وكانوا من دم سوري وعربي ويهودي مختلط، وليس من العرق المنغولي لحكامهم الأتراك أنفسهم.
قبل عام 1914، كانت الجنسية الأمريكية من الدرجة الأولى تُمنح فقط لبعض المسيحيين. وأشهر هذه القضايا هي قضية الشرطي جورج شيشم، وهو من أصول لبنانية.
يدور النقاش في هذه الجلسة حول عدد كبير من الآباء المؤسسين لأمريكا، الذين كانوا أعضاء في درجات عالية في الماسونية، مثل جورج واشنطن، وبول ريفر، وجوزيف وارين، وجون هوك، ممن وقعوا على إعلان الاستقلال. تأثروا بالدستور الماسوني، حتى أن تصميم هيكل الدستور تم وفقًا للعقيدة الماسونية للقوانين والحقوق الأساسية. وقد استخدم النظام الفدرالي الذي نص عليه الدستور التنظيم الذي تقوم عليه لائحة المحفل الماسوني الكبير. وهذا يعني أن الفضل الكبير لبناء أمريكا كما بناء أوروبا المتنورة يعود للبنان، الذي منه انطلقت الماسونية إلى العالم وهي التي تحكم العالم.
ويكمل النقاش:
ولكن علينا أن لا ننسى أن أصل وجود القوة السياسية والمجتمعية المعرفية في لبنان يعود لأهل الحكمة، للعائلة الموحدة في لبنان، وهم إخواننا الدروز، الذين أُعطي لهم ليس مجد لبنان فقط بل مجد العالم لمدة تجاوزت 200 عام قبل أن يجلس الموارنة في صدر النظام العالمي.
ولولا حكمة ومعرفة العشيرة الدرزية الموحدة، لما كان لبنان يحلم يومًا بأن يحصل على لقب أمير. ولكن الدرجة 22 من العهد الإيكوسي والرابعة في الفلسفي، هي التي أحكمت على سلاطين العالم في الغرب أن ينحنوا أمام الحكمة الموحدة وأسرار المعرفة وأن يُمنح لبنان لقب أمير.
حتى البعد العربي في أوطاننا، منذ 700 عام وقبل وجود أي ملامح للملامح العربية الحالية، وعندما كانت نصف الأوطان العربية تعيش اللغات القديمة المختلفة، كان الموحدون الدروز يتحدثون اللغة العربية الفصحى ويقاتلون باسم العروبة ويحاربون الصليبيين باسم العروبة.
الصليبيون الذين انهزموا مرات ومرات أمام بضعة الآلاف القليلة من الموحدين، الذين كان يُقال عنهم إنهم يحملون الفأس الدرزي الموحد. وقد اعتقد الصليبيون أن الفؤوس التي يحملها الدروز تحتوي على أنواع من السحر.
هناك ترنيمة واناشيد حول حكمة تقول ” من يمتلك الفأس ينتصر على السيف مرات ومرات.
الموحدون الدروز هم الأشد خصومة للصهيونية، وكانوا الأشد عداوة للصليبية، قبل القرن الثامن عشر وقبل أن يغدر الصليبيون بأحد الحراس الكبار من الموحدين الدروز ويسرقوا منه أسرار الدرجة 22، لما انتقل لقب أمير لبنان من الدروز إلى غيرهم.
أول عدو واجه الصهيونية هو الدارس “الدروز كلمة مشتقة من دارس”. فاليهود قبل القرن التاسع عشر كانوا أقلية حتى لا يحلمون بأن يمتلكوا بلدية، وليس بلد. وكان تعدادهم لا يتجاوز المليون، ومشتتين بين أرجاء الدنيا.
لذلك، مجد لبنان هو في الحقيقة صناعة درزية قبل 300 عام، وما عُرف بمجد لبنان الجديد.
جاء في التاريخ الماسوني:
1736: حملوا معهم نفس الأسرار، التي انتقلت أيضًا معهم إلى فينيقيا؛ وكانت الكليات الإترورية والرومانية من جميع النواحي مثل تلك الموجودة على جبل لبنان. هؤلاء الحرفيون لديهم إشارات وكلمات يتعرفون بها على بعضهم البعض. وقد استمر إنشاء الكليات على جبل لبنان من قبل الدروز، الذين حصل منهم الصليبيون على معرفة بهذا الدرجة، ولا يكتمل الطقس لأي متنور يريد أن يتوج في أعلى السلم الهرمي إن لم يحصل على بركة الدرجة 22 (4) ويمر بها.
كي تكتشفوا ما لا يُقال، أترككم مع النص التاريخي الذي نشره وليد فارس، مستشار البيت الأبيض، وهو خلاصة تاريخية حقيقية تفسر لكم علاقة الموارنة بالغرب:
“تجزأ لبنان إلى اثنين، شمالي، بما فيه موطن المردة، حتى نهر إبراهيم، تابع لكونتيية طرابلس، وجنوبي تابع لمملكة القدس. وبينما التحم المردة مع الصليبيين، حاربهم عرب لبنان أو القبائل العربية المستوطنة، وتحالفوا طبيعيًا مع الحكم العربي في الشام ومصر. فبينما تآخى اللبنانيون مع الصليبيين، معتبرين أنهم من حضارة واحدة، وأنهم قدموا ليساعدوهم على استرجاع الشرق والحفاظ عليه، ارتبط الأرسلانيون والقبائل الأخرى بالحكم العربي الإسلامي، وتعاونوا ليطردوا العدو الصليبي الغربي الدخيل، ليؤدبوا مسيحيي الشرق لتعاملهم مع العدو ولمشاركتهم إياه في “احتلال” أراض عربية، كرّسها لهم الفتح منذ قرون، ووصفها بأنها عربية.. هنا أيضًا نرى أن كل فريق على أرض لبنان يتمسك بحق طبيعي ويقاتل لأجله، وتستمر حرب الطرشان، حرب حقيقتين بين شرعيتين لا تعترف واحدة بالأخرى…”