"هناك أوبر لكل شيء" هكذا تقول الأغنية البسيطة التي تحتفي بالتغلغل واسع الانتشار الذي حققه "اقتصاد التشارك". ويبدو أن نموذج أعمال "أوبر" يمكن تحويله ليلبي معظم حاجاتنا، وقد برز على هواتفنا الذكية نظام إيكولوجي عالمي من أزرار التطبيقات.
لكن كما هو الحال مع أشياء كثيرة، ينتهي هذا النظام الإيكولوجي فجأة في الجهة الشمالية من معبر هونغ كونغ الحدودي "لوك ما تشاو". فابتداء من هناك يوجد عالم إنترنتي مختلف تمام الاختلاف يتيح قائمة موازية للأعمال والعلامات التجارية على الإنترنت التي تكيّف – وغالبا ما تحسّن – برامج المشاركة، بإضافة خصائص صينية بكل تأكيد.
والآن وعلى نحو يثبت أن الحياة الحقيقية يمكن أن تكون أبلغ من المحاكاة، تأتي قصة الخلاف بين أوبر والمفتشين القانونيين في مقاطعة غوانجو الذين أوقفوا الخدمة ثم سارعوا إلى إطلاق شبكتهم المعتمدة رسمياً. "نظام حجز التاكسي الجديد والمسمى "رو يو" ستقوده سلطة النقل المحلية في غوانجو، وهي السلطة الحكومية ذاتها التي أرسلت موظفيها لمداهمة مكتب أوبر في غوانجو". وهكذا تصير "هناك صين لأوبر" بالمعنى الحرفي للعبارة.
وأوضحت مجلة ناشونال إنترسنت الأمريكية في تقرير لها، نقلاً عن معهد لوي للسياسة الدولية الأسترالي، أن بكين تريد أن يكون لديها نظام إيكولوجي إنترنتي خاص بها لأسباب تخص الأمن القومي، وكذلك لأنها تستطيع ذلك؛ إذ أن اقتصادها كبير بما يكفي، وسكانها يتسمون بالديناميكية والابتكار، ونظامها المالي محميّ بدرجة كافية لإنشاء شبكة إنترنت نشطة قائمة بذاتها. واليوم بدأت أفضل الشركات الصينية تعبر حدود البلاد سعياً وراء النمو، لكن في الوقت الراهن تعتبر أبرز سمة مميزة للويب الصينية هي انعزالها.
وأشار المحلل الدفاعي الأمريكي جون كوستيلو بصراحة إلى أن التجارة الداخلية الصينية يمكنها أن تحافظ على بقائها إلى حد كبير في بيئة قوامها "الاكتفاء الذاتي". وهذا يثير قلق من يعتقدون أن هذه العزلة قد تغري الصين بالتصرف بعدوانية في الفضاء الإلكتروني، وذلك دون أن تخشى إلا القليل في حالة حدوث أسوأ سيناريو يمكن توقعه.
فما الذي سيبدو عليه شكل هذا السيناريو إن حدث؟
لقد افتُرض منذ زمن طويل أن السلطات الصينية تملك زر طوارئ لإغلاق شبكتها الإنترنتية، والحقيقة أنها فعلت هذا بالضبط داخل مقاطعاتها المضطربة لوقف تدفق المعلومات.
وبما أن الصين تعلم أن الحرب الكترونية "حربٌ الهجوم فيها سهل"، تستطيع الصين نظريّاً أن تشن هجوما إلكترونيا تعجيزيّاً ضخما وفي الوقت نفسه تسحب الجسر المتحرك الإلكتروني لئلا يعبر عليه أحد. ولو تحدثنا بموضوعية، فإن معظم الدول الأممية المتقدمة يمكنها أن تفعل هذا، على الأقل إلى حد ما. ويحق للصقور الصينيين تماما أن يقلقوا من إقدام الولايات المتحدة على اقتراف الفعلة ذاتها.
هذا التعرض المتبادل للخطر هو ما يخيفنا بشدة.
لكن الشيء الذي هو أشد إثارة للقلق كما ينوه كوستيلو هو الوسواس الذي يستبد بالصين بخصوص شبكة الاتصالات الفضائية الأمريكية. فالفضاء هو الجسر المتحرك الإلكترومغناطيسي، إذ تتيح الأقمار الصناعية إمكانية المراقبة والاستشعار والاستهداف، وفي النهاية تدعم ما يتبقى من الإنترنت (الوصلات المادية المستخدمة في الاتصالات يمكن قطعها بسهولة).
ونظرا لأن الولايات المتحدة ما زالت هي المهيمنة في الفضاء وتعتمد اعتماداً شديداً على الفضاء، يتكلم بعض المحللين الصينيين في جُرأة عن إعادة القدرات القتالية الأمريكية "إلى العصر الحجري"، على الأقل لفترة طويلة بما يكفي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الصينية، حيث يظنون أن أمريكا، كقوات مسلحة، تعجز عن القتال من دون أقمار صناعية، بحسب التقرير.
وهذا ظن مطعون في صحّته، برأي التقرير، ومثله افتراض أن الولايات المتحدة ستقف مكتوفة الأيدي وهي ترى دولة أخرى توجه ضربة استباقية تقضي بها على أقمارها الصناعية، ومثله كذلك فكرة أن المهاجم الذي يشن الضربة الأولى سيتمتع لفترة طويلة بمدارات مفيدة خالية من الحطام. فلو كان هناك عصر حجري، فسوف نعيش فيه سوياً.
ينمّ التقرير الذي قُدّم الأسبوع الماضي إلى الكونغرس حول القدرات العسكرية الصينية عن ذعر البنتاغون فيما تعكف بكين على بناء منظومات مضادة للأقمار الصناعية. فما يبدو للصينيين كقدرات احترازية يبدو لواشنطن كقدرات تهديدية. ويذكرنا كوستيلو بأن المعضلة الأمنية في الفضاء تهدد في نهاية المطاف قابلية استمرار النظام الإيكولوجي للإنترنت ذاته. فلو أن قوة عظمى معينة وجهت ضربة موجعة إلى الأخرى وتراجعت إلى استخدام شبكتها الداخلية شديدة التواضع في قدراتها والمقتصرة على الإمكانيات الأرضية، فلا بد أن يتساءل المرء عما إذا كانت هذه القوة تستطيع أبدا أن تُنزل جسرها المتحرك بأمان مرة أخرى ليربطها بالآخرين. سيكون هذا عمليا هو نهاية العولمة.
ووفقاً للتقرير، فمن حسن الحظ أن هناك جانب مشرق. فمعظم النخب الصينية، ومعها الشباب كما هو المأمول، يدركون أن مثل هذا العالم، الخالي من التجارة أو السفر، سيكون عالماً صغيراً. من يستطيعون تذكر السبعينيات، على الرغم من احتمال حنينهم إلى مدينتهم الفاضلة المحطمة، قلما يتوقون إلى تلك الأزمنة الخانقة. كما أن العزلة المالية موجعة أيضا، ولهذا السبب ترد روسيا بقسوة شديدة على احتمال فصلها عن نظام المدفوعات العالمي.
ولفت التقرير إلى أن "القوى الإيجابية المؤيدة لمزيد من التكامل العالمي عظيمة النفع، بل ونفعها للصين أعظم. لذا ففيما ينهمك موظفوها الرسميون في بناء "السور الناري العظيم"، ومداهمة مكاتب الشركات متعددة الجنسيات، وإطلاق الصواريخ إلى المدارات العليا، ينبغي أن يحدونا الأمل في أن يأخذوا في اعتبارهم إلى أي مدى يعمل عالم أوبر المتشابك بما يصب في مصلحتنا جميعاً".
سلاب نيوز