ولد أحمد الصافي النجفي في قرية الغري في النجف عام 1896م.
ونشأ في أسرة متوسطة الحال، وحظي بعطف خاص من أبويه لكونه أصغر إخوته، وتلقى تعليمه في مدارس ومعاهد النجف، على أيدي نخبة من الأدباء والفقهاء وقد ساعدته مكتبة والده الحافلة بنفائس الكتب الأدبية والمخطوطات، على تنمية هواية المطالعة الحرة عنده التي أضحت عادة ثابتة في سلوكه الحياتي.
لم يهادن الصافي الظلم، حيث شارك مع أبناء الشعب العراقي في ثورة عام 1920 الشهيرة ضد الاستعمار البريطاني المحتل لوطنه، فحكم عليه بالإعدام غيابياً، فاضطر للهجرة القسرية إلى إيران عن طريق البحر، ومكث هناك 8 سنوات، تعلم خلالها اللغة الفارسية، ما أتاح له تقديم ترجمة متميزة بالعربية للرباعيات التي نظمها العالم الفلكي عمر الخيام، فكانت ترجمة موفقة تضاهي الرباعيات الفارسية باعتراف كبار الأدباء والنقاد.
نزل الصافي دمشق عام 1928 وبقي في ربوعها زهاء 40 سنة، أي مايناهز نصف عمره، ويرتحل الشاعر إلى بيروت في منتصف السبعينيات من القرن العشرين، من أجل إنجاز طباعة مجموعاته الشعرية الجديدة، و أثناء تواجده في بيروت تندلع نيران الحرب الأهلية المؤسفة، ويمكث في منزله لانصرافه إلى شعره قبل دفعه إلى المطبعة ويخرج يوماً باحثاً عن فرن يبتاع منه الخبز، فيصاب برصاصتين من قناص محترف، ويظل طريح الإسفلت في منطقة النبعة وهو ينزف لأكثر من ساعتين وتمر سيارة إسعاف بالمصادفة فتنقله إلى المشفى وتشاء إرادة الله أن ينجو.
وحين يشعر أن نهايته قد اقتربت… يلجأ إلى سفارة دولته، وهو كفيف البصر، حاملاً معه دواوينه الشعرية المخطوطة، فينقل جواً إلى بغداد التي يدخلها بعد غياب استمر أكثر من 50 سنة وينقل إلى المشفى لتلقي العلاج المناسب.
وتقرر وزارة الإعلام طباعة المجموعة الكاملة لأعمال الصافي غير المنشورة في دواوينه السابقة، وتكلف الدكتور جلال الخياط بالإشراف على الطباعة.
وفي يومه الأخير27 حزيران 1977 طلب الصافي المستلقي على فراشه الوثير، لأول مرة في حياته شأنه شأن الشاعر أمل دنقل في مشفى جناح السرطان بالقاهرة طلب من الدكتور الخياط ألا يحذف من قصائده أي كلمة أو يغفل أي قصيدة أو يستبدل عناوين القصائد التي اختارها، علماً أن الصافي كان لا ينقح أو يعيد النظر فيما ينظم، لاعتقاده أن الشعر يجيئه عفوياً، فوعده الأديب الخياط بتنفيذ وصيته الأدبية وبعد ساعات قضى الله أمراً كان مفعولا،ً وبعد رحيله بأشهر صدرت أعماله الكاملة في 740 صفحة، وكنا نتمنى أن يراها الشاعر بين يديه كما أرادها، حتى يطمئن قلبه وتهدأ ظنونه، وتخفت أناته.
إعداد : محمد عزوز
( بتصرف عن جريدة الثورة )