ترجمة مروة الشامي
نشرت صحيفة جيروساليم بوست الإسرائيلية مقالًا للكاتب إيلي بوديه بعنوان "في الشرق الأوسط ما بعد الاتفاق النووي: إنها سوريا أيها الأغبياء!"، تناول فيه الكاتب نتائج الاتفاق النووي الذي أبرمته الجمهورية الإسلامية في إيران مع دول الـ5+1 مطلع الشهر الجاري وانعكاساته في الشرق الأوسط، مع التركيز على تداعيات هذا الاتفاق على الوضع السوري، مشدّدًا على أهمية سوريا الاستراتيجية في المنطقة.
وجاء في المقال:
أكدت التعليقات على المنافع الإيرانية من الاتفاق النووي مع السداسية الدولية، إلّا أنّ هذا الاتفاق هو، في نواحٍ كثيرة، تأكيدٌ رسمي على التطورات الإقليمية التي حدثت منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والربيع العربي. هذه التحولات لم تحوّل إيران فقط إلى لاعب شرعي في النظام الإقليمي، بل أيضًا إلى شريك محتمل في الحملة الدولية ضد داعش والمنظمات الجهادية الأخرى مثل تنظيم القاعدة، جبهة النصرة وغيرها. كما أنّ المخاوف من ظهور "هلالٍ شيعيٍّ" في الشرق الأوسط يمتد من إيران إلى حزب الله في لبنان، مرورًا بالشيعة في العراق والعلويين في سوريا، ليست بجديدة، فقد أعرب الملك عبد الله عاهل الأردن عن مثل هذه المخاوف في وقتٍ مبكرٍ من عام 2004.
تنطوي مسألة النفوذ الإيراني على عنصرين، أحدهما غير معروف والآخر مخفي. المدى الحقيقي لنفوذ إيران في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء غير معروف. يمكننا التكهن فقط أنّ معلومات دوائر الاستخبارات أكثر مصداقية ممّا تنشره الشبكات الاجتماعية أو وسائل الإعلام. ما يجب تذكره هو أنّ العديد من اللاعبين من الطرفين يتم استثمارهم في تصوير صورة دور إيران في المنطقة بما يتفق مع مصالحهم الخاصة. على سبيل المثال، لـ"إسرائيل" والمملكة العربية السعودية مصالح استراتيجية وجغرافية وأيديولوجية في تضخيم خطر إيران النووية، في حين أنّ الولايات المتحدة يهمها نقيض ذلك عبر التقليل من أهمية هذا الخطر.
التاريخ شاهدٌ على اتفاقية ميونيخ عام 1938، التي استسلم فيها تشامبرلين والغرب لهتلر ولكنهم فشلوا في منع الحرب العالمية الثانية، كما أنه شاهدٌ أيضًا على الجهود التي تبذل لتشويه صورة العدو. على سبيل المثال، حوّلت "إسرائيل" والغرب الرئيس المصري جمال عبد الناصر في الخمسينات والستينات الى "هتلر العالم العربي"، ووفقًا للاستخبارات والمصادر الإعلامية الإسرائيلية في تلك الفترة، فإنّ تأثير مصر وعروبة عبد الناصر عمّت كامل العالم العربي، بما في ذلك العراق وسوريا واليمن البعيد. التأريخ اللاحق لتلك الفترة يبيّن أنّ قدرات عبد الناصر كانت أكثر محدوديةً من القوة العظيمة المنسوبة إليه، لذا، لا بدّ من تقييمٍ رصينٍ لا غوغائي لسلطة ونفوذ إيران الإقليمي الحقيقي.
البعد الكامن خلف نفوذ إيران الإقليمي ينطوي على مستقبل سوريا. إنّ حجر الزاوية في استراتيجية إيران في الشرق الأوسط العربي هو قدرتها على دعم نظام بشار الأسد. لقد أصبح التحالف الإيراني-السوري، الذي يعود لأكثر من ثلاثة عقود، المحور الرئيسي في السياسة الإقليمية. تنبع أهمية سوريا من موقعها الجغرافي الاستراتيجي في قلب النظام الإقليمي، أكثر من ارتباطها بالموارد الاقتصادية التي تقدمها، وفي هذا الصدد كتب الصحافي المحترم والمؤرخ باتريك سيل في الستينات "أيّة جهة تفكر بقيادة الشرق الأوسط، عليها أن تبسط سيطرتها على سوريا".
في الواقع، وبالعودة من الخمسينات عندما أصبحت سوريا محور الصراع العالمي والحرب العربية الباردة، تنافس خمس قوى على الأقل من أجل السيطرة على سوريا منذ اندلاع الحرب فيها في عام 2011: إيران وروسيا ، الغرب، بالإضافة الى داعش وجبهة النصرة.
في ضوء المعلومات المتوافرة من الميدان، والتي لا يمكن أن تعتبر موثوقةً دومًا، فإنه من الصعب التنبؤ بما سيحدث في سوريا، أو ما إذا كان سيتم الحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها أم لا.
ومن الواضح أنّ نجاح إيران في الحفاظ على النظام في سورية سيكون إنجازًا كبيرًا وتعزيزًا لتحالفها في المنطقة. من ناحيةٍ أخرى، سيكون سقوط الأسد ضربةً قاضيةً لنفوذ إيران الإقليمي من خلال خلق فراغٍ في "الهلال الشيعي"، ومن شأنه أيضًا أن يضعف حزب الله وكذلك النفوذ الإيراني في العراق. يمكننا الاقتباس من العبارة الشهيرة للمرشح الرئاسي عام 1992 بيل كلينتون الذي قال "إنه الاقتصاد أيها الأغبياء"، ومقاربتها من الوضع في الشرق الأوسط ما بعد الاتفاق النووي بالقول "إنها سوريا، أيها الأغبياء!".
بما أنّ البديل الغربي في سوريا يبدو الآن أقل احتمالًا، فإنّ الغرب، بما في ذلك "إسرائيل"، يواجه معضلةً بشأن دعم سوريا – المدعومة من قبل إيران- أو الرهان على نظامٍ بديل، مع خطر حدوث الفوضى والتغيرات الإقليمية. لا بدّ أنّ تركيا والمملكة العربية السعودية تفضّلان التخلص من الأسد بأي ثمن، في حين أنّ مصر قرّرت دعم نظام الأسد. في الواقع، يمكن للمرء أن يتساءل عمّا إذا كان سيناريو توسّع نفوذ داعش أو أي فصيل متشدد آخر في سوريا أكثر تدميرًا من "التهديد" الإيراني أم لا.