![](http://www.damas-times.com/photo/05afa_awbaa.jpg)
كتب عقيل الشيخ حسن في موقع «العهد» نقلاً عن الكاتب توني كارتالوتشي في موقع «فري نيوز»، بعد أن سلحت جيشاً من إرهابيي القاعدة الذين يحتلون منطقة توازي بمساحتها مقاطعة كاملة، تعمل الولايات المتحدة اليوم على الاستفادة من الفوضى الناجمة عن ذلك من أجل تبرير ما تسعى إلى تحقيقه منذ بداية الأزمة. ويأتي ذلك بعد أن أصبح من الواضح أن الحكومة السورية ليست بصدد الاستسلام أو الانهيار. إنه الاسلوب المعتمد على الفوضى، بعد أن تقوم بزعزعة منطقة ما، ترسي فيها «الأسلوب» بأن تحمل إليها الديموقراطية في جيوبك.
لا ينتبه الجمهور الواسع إلى أن رجال السياسة الذين يصلون إلى مناصبهم عن طريق الانتخاب ليسوا هم من يرسم السياسات التي تربط مصائرهم بمصير الأمة أو الدائرة السياسية. فمن يفعل ذلك في الحقيقة ليس غير «مراكز الأبحاث الممولة من قبل الشركات الكبرى وكبار المتمولين». فالعاملون في هذه المراكز يشكلون فرقاً تتخذ القرارات دون أن يكونوا منتخبين. إنهم يقفزون فوق الانتخابات وينتجون وثائق لا تلبث أن تصبح الأساس الذي تقوم عليه المواد التشريعية التي تحظى بقبول المشرعين ويجري تكرارها، من قبل وسائل الإعلام الكبرى، على أساس أن صحتها بديهية تماماً.
وثيقة سياسية من هذا النوع تم إنتاجها مؤخراً من قبل معهد الأبحاث الأميركي الشهير لسوء الحظ هو «مؤسسة بروكينغز»، وعنوان المقالة هو «تفكيك سوريا .. نحو استراتيجية إقليمية من أجل إقامة بلد اتحادي» وفيها:
إن هذه المؤامرة المكشوفة الموقعة والمؤرخة والهادفة بشكل تدريجي إلى تقسيم أو تدمير ثم احتلال بلد ذي سيادة يقع على بعد آلاف الكيلومترات من الشواطئ الأميركية يعبر إلى حد غير مطمئن عن واقع أن الإمبريالية الحديثة ما تزال قوية وخطرة . الذين كتبوا تلك الوثيقة يقرون علناً بأن الولايات المتحدة قد أنفقت مليارات الدولارات لتسليح وتدريب ناشطين تم استخدامهم في تغذية صراع مدمر ذي أبعاد إقليمية متزايدة. وأقروا بأن الولايات المتحدة تقوم بأنشطة في الأردن وتركيا «العضو في الناتو» بهدف ضخ المزيد من الأسلحة والأموال السائلة والمقاتلين في هذا الصراع الذي أصبح كارثياً، وأنها، فوق ذلك، بصدد التوسع في القيام بهذه الأنشطة.
يتحدث كتاب التقرير عن صعود «الدولة الإسلامية» ولكن دون أن يقدموا أي شرح حول مصادر تمويلها وتسليحها. وبالطبع، يفهم القارئ دون صعوبة أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد وظفت المليارات من الأموال السائلة في التسليح والتدريب وتقديم الدعم للعديد من الجماعات «المعتدلة المزعومة» وغير الموجودة في الواقع في ميدان المعركة، فإن قدراً أكبر بكثير من الأموال لا بد من توفيره من أجل إقامة «داعش» و«جبهة النصرة»، أحد فروع تنظيم القاعدة، التي تسيطر دون منازع، وفق اعتراف «مؤسسة بروكينغز» نفسها، على فصائل المعارضة. والواقع أن خطوط إمداد «داعش» تقود مباشرة إلى مناطق العمليات الأميركية في تركيا والأردن، لأن «داعش» وتنظيم «القاعدة» اللذين كان الغرب يعتزم استخدامهما حتى قبل أن يندلع الصراع في سوريا عام 2011، هما من بنى عليهما كامل استراتيجيته بما فيها الحملة التي يشنها حالياً. إنها تريد الآن إقامة مناطق عازلة توصف بأنها «مناطق آمنة». وبعد إقامة هذه المناطق، تصل إليها قوات أميركية تقوم باحتلال أراض سورية سبق وسيطرت عليها ونظفتها جماعات عديدة من الحلفاء، بينهم -في المناطق الشمالية- مجموعات كردية وعصابات من مقاتلي القاعدة. أما في الجنوب، وعلى طول الحدود السورية-الأردنية، فإن ميليشيات إرهابية أجنبية هي التي ستضطلع بالمهمة.
وبعد أن تتم السيطرة على هذه الأراضي التي سترابط فيها القوات الأميركية، على ما يفترضه الأميركيون، فإن الجيش السوري لن يجرؤ على شن أي هجوم خوفاً من رد عسكري أميركي مباشر تتعرض له دمشق. وفي هذا المجال، تؤكد وثيقة «مؤسسة بروكينغز»: الفكرة هي في مساعدة العناصر المعتدلة، عندما تصبح قادرة على ذلك، على إقامة مناطق آمنة يعتمد عليها داخل سوريا. ويكون على القوات الأميركية وكذلك على القوات السعودية والتركية والبريطانية والأردنية وقوات عربية أخرى أن تقدم المساندة، ليس فقط من الجو بل أيضاً على الأرض، وذلك عن طريق قوات خاصة. وستستفيد هذه الاستراتيجية من الأراضي الصحراوية المفتوحة في سوريا والتي تسمح بإقامة المناطق العازلة حيث ستجري مراقبة كل حركة تدل على احتمال هجوم معاد عن طريق وسائل تكنولوجية أو دوريات أو غير ذلك من الطرق.
تفترض الخطة الشاملة أن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تسيطر قبل كل شيء على تلك المناطق وأن تعزز وجودها فيها، ومن ثم ربطها ببعضها البعض لتصبح مناطق قادرة على التحرك المستقل والفعال.
لا يمكن وصف هذه الخطة سوى بالجنون، على صعيد المحاولات الهادفة إلى وضعها موضع التنفيذ بالاعتماد على القوة العسكرية أو على مصداقية غير متوفرة، أو على صعيد أولئك الذين يتمتعون بما يكفي من الغباء ليثقوا ببلد ترك وراءه على المستوى العالمي حزاماً من الدمار والدول المنهارة من فييتنام الجنوبية إلى ليبيا.
هناك بالتأكيد إجراءات يمكن اتخاذها، من قبل سوريا وحلفائها إيران وحزب الله وروسيا والصين ودول أخرى تتعرض لتهديدات الهيمنة الغربية، لمنع القوات الأميركية من السيطرة على أجزاء من الأراضي السورية ومن تحقيق ما يشكل نوعاً من الغزو البطيء. فحتى الآن، استخدمت الولايات المتحدة مبرراً هو وجود قطعانها المتمثلة بـ«داعش» لتقوم بتنفيذ عمليات عسكرية فوق الأراضي السورية، وهو الأمر الذي يقود، وفق الخطة المرسومة، إلى المرحلة التالية المتمثلة بالغزو التدريجي.
إن رفع عديد قوات حفظ السلام غير التابعة لبلدان الناتو في سوريا يمكنه أن يفشل الخطط الغربية. أما وجود إيرانيين ولبنانيين ويمنيين وأفغان وقوات أخرى في أنحاء سوريا، وخصوصاً بمحاذاة المنطقة التي تسعى الولايات المتحدة إلى إقامتها، فيمكنه أن يضع الأميركيين أمام احتمال مواجهة متعددة الجنسيات لا تمتلك الولايات المتحدة، من أجل خوضها، لا الإرادة السياسية ولا الإمكانيات الضرورية.
في التحليل النهائي، إن قدرة سوريا وحلفائها على تحريك قوة تكفي لردع العدوان الأميركي على سوريا، وذلك من خلال قطع خطوط الإمداد اللوجستي التي يستخدمها الأميركيون في تقديم الدعم إلى «داعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق، ستكون حاسمة من أجل بقاء سوريا.