كتب ناهض حتر في جريدة «الأخبار اللبنانية» مقالاً قال فيه: حطّ ضباط ومقاتلون من الجيش الأحمر رحالهم، في الثلث الأخير من شهر آب الفائت، في أول قاعدة عسكرية روسية حربية في سورية، فقد كان الروس يحتفظون، منذ العهد السوفييتي، بقاعدة بحرية في طرطوس، لكنها مخصصة لرسوّ سفن الأسطول الروسي وخدمتها، واستقبال واردات الأسلحة والذخائر التي تزوّد بها موسكو، الجيش السوري.
من الواضح أن التحركات العسكرية الروسية في سورية تكثّفت مؤخراً لحد دفع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى مهاتفة نظيره الروسي، سيرغي لافروف، للإعراب عن «قلق واشنطن»، ولدى مناقشة المسؤولين السوريين بالتقارير الصحفية والميدانية المتكاثرة حول بداية انضمام الروس إلى القتال في سورية، فإن الإجابة الأولى تؤكد على أن تقاليد العلاقة الدفاعية بين الجيشين، الروسي والسوري، «قديمة ودائمة ومتطورة»، وما يحدث، حالياً، يحدث «في سياق التعاون، وليس مفاجئاً، إلا لأولئك الذين تدفعهم خيالاتهم وأمنياتهم إلى الاعتقاد بأن موسكو لن تسير معنا إلى آخر الشوط».
الانخراط الروسي في المعارك يعد «مسلّماً به» في أوساط العسكريين السوريين، وفيما تداولت صفحات روسية على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لعسكريين روس على الجبهات السورية، تم الكشف عن قيام طائرات سوخوي حديثة، بطلعات حربية في سماء محافظة إدلب التي يسيطر عليها الإرهابيون، وقال مصدر ميداني: «إن المعادلة الميدانية، بالنسبة لسلاح الجو، تغيرت، فبينما «كنا نحصل على 50 في المئة من طلباتنا لقصف أهداف للإرهابيين، أصبح الطيران الحربي يطلب منا تحديد المزيد من الأهداف؛ أعتقد أن قدرة القوة الجوية السورية، تضاعفت». ويقوم الجيش الروسي بتزويد نظيره السوري، حالياً، بصور يتم التقاطها، عبر الأقمار الاصطناعية، حول جبهات القتال والمناطق المحتلة من قبل تنظيمات إرهابية».
الجيش الأحمر بدأ القتال، إذاً، إلى جانب الشعب السوري، في حربه الدفاعية ضد الإرهاب. لكن هذا التطور الاستراتيجي ليس وليد الأسابيع الأخيرة، وإنما يعود إلى أوائل ربيع هذا العام، حين أعلن الرئيس بشار الأسد، في لقاء مع وسائل الإعلام الروسية، أنه يؤيد إقامة قاعدة عسكرية روسية جديدة على السواحل السورية. وكان أوضح، في حينه، أن تعزيز الوجود العسكري الروسي في العالم، «ضروري جداً لخلق نوع من التوازن المفقود منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، وبالنسبة إلينا، نحن نرحب بأي توسع للوجود الروسي في شرق المتوسط، وتحديداً على الشواطئ وفي المرافئ السورية». وهكذا، فإن مسار تطور العلاقات الدفاعية الروسية ــــ السورية سيتصاعد حتى قيام تحالف عسكري شامل بين روسيا وسورية من شأنه أن «يقلب معادلات القوة في الشرق الأوسط، بصورة جذرية».
ورغم أن العلاقات الدفاعية بين موسكو ودمشق، تمتد إلى ستة عقود؛ فإن اللحظة الفارقة التي تقرر فيها المسار النوعي الجديد، هي تفاهم العاصمتين على سحب ذريعة الكيماوي من أيدي دعاة الحرب الأميركية على سورية، العام 2013؛ في تلك اللحظة، تم وضع سورية تحت المظلة النووية الروسية، في سياق استغنائها عن السلاح الكيماوي. وسنلاحظ أن صفقة الكيماوي السوري بين الدولتين الأعظم، هي التي فتحت الطريق أمام تنامي الحضور السياسي الروسي في الإقليم، واعتراف الولايات المتحدة، المتزايد، بذلك الحضور، سواء بالنسبة للملف السوري أم الملف النووي الإيراني.
المشاركة الروسية في القتال في سورية، سيكون لها أثر ميداني متصاعد، إلا أن الأهم يكمن في ما تحدثه من متغيرات استراتيجية وسياسية؛ على المستوى الاستراتيجي تحسَب هذه الخطوة تلويحاً بالقوة نحو «إسرائيل» وتركيا، وإنذاراً لهما بالانكفاء عن التدخل في الشؤون السورية. بالنسبة لـ«إسرائيل» التي فهمت الرسالة، حتى قبل أن تتسلمها رسمياً، أدركت أن السماء السورية ستغدو مقفلة إزاء طيرانها، لكن تركيا أردوغان، ربما تعاند قليلاً، قبل الرضوخ للمعادلة الإقليمية الجديدة التي يرسيها الروس، وستؤدي إلى:
انكفاء أنقرة خلف حدودها لتواجه مأزق الانتفاضة الكردية.
وضع «الإسرائيليين» أمام مأزق قيام منطقة مقاومة في جنوب سورية، بغطاء روسي، مما يفرض قضية الجولان المحتل على جدول الأعمال الدولي.سياسياً، يترافق المسار العسكري الروسي في سورية، مع المسار السياسي. فموسكو تبعث برسالة صارمة إلى كل الأطراف، مفادها أنه آن الأوان للتوصل إلى حل سياسي في سورية، وهو حل يستحضر المصريين إلى رعايته، مدعوماً بقرار روسي بالانخراط في الحرب ضد المسلحين والإرهابيين في سورية، حتى النهاية. أعطت إيران موافقتها على الرعاية المصرية. وهو ما يفتح الطريق إلى عزل تركيا، ويطرح على السعودية، خياراً وحيداً بين السلام «في سورية واليمن معاً» أو العزلة والانهيار.