كتب نبيه برجي، حين تكون روسيا في سورية تكون، حتما، في كل الشرق الاوسط!
هكذا علّق الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان على «الانزال الروسي». لاحظ ان صواريخ قزوين والتي اثبتت مدى التطور الذي حققته المصانع والمختبرات الروسية في بناء الصواريخ المجنحة، «ليست رسالة تكنولوجية فحسب الى من يهمه الأمر، بل هي أيضا رسالة استراتيجية إلى من يحاول مواجهة روسيا في سورية إن بصورة مباشرة، وهذا بات مستبعدا جدا، او من الظهر».
يسأل «اي شرق اوسط يريد فلاديمير بوتين؟». بطبيعة الحال ليس الشرق الاوسط الذي تصـوره بـول ولفوويتـز، واقنـع بـه ديـفيـد سـاترفيـلد علـى ان يكـون العـراق هـو نقطـة الانطـلاق الكـبرى، وليس الـشرق الاوسط الذي صاغته على الورق كوندوليزا رايس وسعت الى تسويقه من لبنان…
العشرات من ألمع الضباط الروس هم الآن فـي غـرف العمليات على الارض السورية. لا مجال للعشوائية، ولا لسوء التخطيط، ولا للسقوط في اغراءات محددة (الجنرال الفرنسي جورج بوي كان يتحدث عن… غواية الخوف). الذين تابعوا معارك الايام الاخيرة لاحظوا التنسيق المذهل بين القاذفة والدبابة…
احد الضباط قال لنا «ليس هنـاك من لحـظة، مجـرد لحظة، افتراق بين ما تفعله القـاذفة وما تفـعله الدبابة». لا يمكن لأي قنبلة الا ان تصل الى هدفها بعدما تم بناء بنك للأهداف استند الى معـطيات استخباراتية بالغة الدقة، حتـى ان الاتـراك انفسهم بدأوا يتساءلون ما اذا كانت الاستخبارات الروسية قد زرعت عملاء من الشيشان والداغستانيين والاوزبك، وحتى من العرب، داخل تنظيم الدولة الاسلامية كما داخل التنظيمات الاخرى…
والذي اثار حالة من الهلع داخل «داعش» و«النصرة» ان صواريخ قزوين طاولت مـراكز قيـادية، مصانع او مخازن اسلحة، لا يعرف مكانها قياديون في التنظيمين اللذين كانا قد استعدا للساعات الفاصلة على المسرح السوري، قبل ان ينقلب المشهد رأسا على عقب. وكان الاميركيون قد اشتكوا للرفاق في حلف شمال الاطلسي من ان حلفاءهم في المنطقة متفقون على اسقاط النظام، لكنهم إما انهم مختلفون حول كل شيء آخر، او انهم لا يمتلكون الحد الادنى من الرؤية المشتركة لما سيؤول اليه الوضع.
وكان المصريون قد حذروا من انـه فـي حـال تمكـنت الدول العربية المناوئة للنظام، وبالتنسيق مع تركيا او بقيادتها، من تقويضه، فإن حربا اشد ضراوة بكثير ستنشب على الارض السورية وتأكل الاخضر واليابس لان لكل دولة فصائلها، ورجالها، ونظرتها الى النظام البديل واين هي في عمق هذا النظام.
العرب يقولون ان الاميركيين دفعوا بنا الى المتاهة، والاميركيون يقولون «لو اخذنا بمطالب اصدقائنا العرب لضاع منا الشرق الاوسط او على الاقل لضعنا في الشرق الاوسط».
ولان عصبية رجب طيب اردوغان في ذروتـها الان، لا بد من قراءة ما بين سطور المعلقين الذين لا يستسيغون العثمانية ولا النيو عثمانية. هؤلاء يلمحّون الى ان الرئيس التركي يرتعد. كل ذلك الـرهان على اقامة السلطنة، والصلاة في الجامع الاموي في دمشق، وكل تلك الدونكيشوتيـات تتهـاوى الان دون ان يجد احمد داود اوغلو من سبيل لمواجهة «الدببة المجنحة» سوى تذكير الكرملين بصفقات الغاز و المفاعلات النووية المعقودة بين انقرة وموسكو…
فلاديمير بوتين اعاد التوازن الى المنطقة الـتي طـالما حذر من انها باتت تدار قبليا، ومن اليمن الى سورية، فيما يفترض وقف الاندفاع العبثي نحو الهاوية، حتى ان المعلق الاميركي البارز فريد زكريا يبدو واثقا من ان الروس وحدهم يستطيعون حمل السعوديين والايرانيين على الجلوس الى طاولة المفاوضات.
في موسكو اذ يقولون انهم لن يغرقوا في المنطقة، يريدون من الحكومة التركية التي تقرأ بدقة الاشارات الروسية، وسواء من البحر المتوسط او من بحر قزوين، ان تقفل حدودها الشمالية التي على تواصل مع القوقاز، وان تقفل حدودها الجنوبية التي تطل على حلب مثلما تطل على الرقة واللاذقية. هذا يكفي لكي يرفع الخليفة الراية البيضاء بدل الراية السوداء..
لدى الاستخبارات الروسية تسجـيلات لخـطب ابـي محمد العدنـاني، الدماـغ الايديولـوجي لتـنظيم الدولة الاسـلامية، وفيـها ان رايـات التنـظيم سترفرف «ان شاء الله» فوق الكرملين. سيرغي لافروف اعطى نسخة منها لجون كيـري، لـعله سـأله مـاذا كـنتـم فـعـلتم لـو قـال العدنـاني ان رايات التنظيم سترفرف فوق البيت الابيض؟!