ابراهيم أمين
جريدة «الأخبار»:
توعّد المسلحون الذين يقاتلون ضد الدولة السورية الحليف الروسي بأن يكون أسير مستنقع في بلاد الشام.
ذكّر هؤلاء الروس بأن أفغانستان جديدة في انتظارهم. ولم يقتصر التهديد على مقاتلين ينتمي بعضهم إلى جيل من قاتل السوفيات في كابول، أو قاتل الجيش الروسي في الشيشان والقوقاز، بل إن فكرة المستنقع ردّدها دبلوماسيون غربيون وعرب، وتلفّظ بها الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ربما كان يستذكر ما حصل وما يحصل مع جيش بلاده في العراق وأفغانستان، أو لعله كان يوجه حديثه غلى حلفائه في سورية، من المسلحين إلى دول الجوار، مبرراً عدم إرسال جنوده إلى هناك بالخشية من هذا المستنقع.
من الطبيعي أن تؤخذ هذه التحذيرات أو التقديرات على محمل الجد. ليس لكون من يطلقها معنياً بما يجري على الأرض. وليس لكون الروس مرّوا بتجارب قاسية. بل لكون من يريد إرسال الجنود خارج البلاد يعرف أن هذا الاحتمال يرد ضمن قائمة المخاطر. وهي القائمة الطويلة التي تمت دراستها بعمق منذ أيار الفائت، على مستوى القيادتين الروسية والايرانية، قبل إعلان التحالف مع سورية والعراق وحزب الله في مواجهة الإرهاب في سورية والعراق. أمس، كان بوتين يحسم الجدل حول حدود المشاركة الروسية في القتال في سورية. قال: «نحن لن نتدخل في الحرب البرية مهما حصل، والأصدقاء في سورية يعرفون ذلك».
توضيحات ضرورية:
أولاً: في المحادثات الطويلة والمعقدة التي جرت بين الجانبين الإيراني والروسي على مدى أربعة شهور، كان الروس يحتفظون بهامش التحرك السياسي، في موازاة العمل الحثيث على وضع تصور لتدخل عسكري سريع، وذلك ربطاً بالتطورات الميدانية التي تقول إن الدولة السورية بحاجة إلى دعم نوعي وسريع لمنع أعدائها من تحقيق أهدافهم.
ومحاولات الروس السياسية كان هدفها ليس التوصل إلى حل سياسي ممكن في سورية، بل تفادي خيار التدخل العسكري المباشر، تنفيذاً لقرار استراتيجي بمنع سقوط الدولة السورية.
طهران لموسكو: لك السماء، أما الأرض فهي للجيش السوري ونحن إلى جانبه
ثانياً: في معرض مناقشة المخاطر الناجمة عن التدخل العسكري، كان الجانب الإيراني واضحاً في كون المطلوب محصوراً في دعم نوعي من خلال خطين، واحد يتصل بإرسال ذخائر نوعية وجديدة وبكميات كبيرة تغطي حاجة الجيش السوري، على أن تتولى إيران تغطية كلفتها المالية، وآخر يتعلق بتعزيز العمليات الجوية، وهو أمر ممكن لروسيا أن تقوم به، نظراً إلى اعتبارات كثيرة، أهمها قدرة موسكو على التدخل من دون الحاجة إلى مراعاة أحد في العالم. وبالتالي، فإن روسيا لن تواجه أي صعوبات أو سلبيات إزاء خطوات من هذا النوع.
ثالثاً: أوضحت إيران ما كان الرئيس السوري بشار الأسد قد أكده للروس أيضاً، من أنه لا يحتاج إلى قوات برية للقيام بعمليات واسعة تهدف إلى استعادة السيطرة على مناطق كثيرة في سورية. وهو أمر عاد الجنرال قاسم سليماني وحسمه للرئيس الروسي بالقول: ليس مطلوباً منكم سوى تولّي العمليات من الجو، أما العمليات البرية فهي من مهمة بقية الحلفاء.
رابعاً: لم يُخف الروس رغبتهم الشديدة في تنفيذ عمليات جوية ودعم عمليات برية تهدف إلى القضاء على كل المجموعات الآتية من بلاد القوقاز. وهم قرروا، بناءً على الخطط العملياتية، أن الأمر يحتاج إلى دعم استخباري أرضي، وهو ما توفره غرفة عمليات أمنية عاملة على الأرض في سورية وتضم خبراء من سورية والحرس الثوري وحزب الله، إضافة إلى قرار واضح بضرورة استعادة السيطرة على كل المناطق الحدودية مع تركيا، وإقفال المعابر التي يمر من خلالها المقاتلون الأجانب، وخصوصاً الآتين من بلاد القوقاز، إلى سورية.
عملياً، ما يجري اليوم هو تنفيذ دقيق للخطط الموضوعة، وأمر أشار إليه بوتين نفسه أكثر من مرة. وبالتالي، فإن واضعي الخطط أخذوا بعين الاعتبار الحساسية الروسية أو العالمية إزاء مشاركة جنود روس في القتال على الأرض، علماً بأن ضباطاً من الروس يشاركون في لقاءات غرف العمليات الميدانية، بما في ذلك المتابعة للعمليات الجارية على الأرض. لكن الهدف من هذه الخطط هو إزالة أكبر قدر من المخاطر.
لكن الروس يعرفون أن الأمر لا يقتصر على هذا الجانب. فهم وضعوا أجهزتهم الأمنية والعسكرية والاستخبارية في حالة استنفار قصوى، منذ لحظة بدء العمليات الجوية، والهدف الرئيسي لهذه القوات هو توفير حماية الأراضي الروسية نفسها، والمدن والمنشآت العامة داخل روسيا، حيث تظهر الجماعات المسلحة حرصاً على تنفيذ أعمال إرهابية كرد على التدخل الروسي في سورية.
ولم يكن غريباً ولا مفاجئاً ما أعلنته لجنة مكافحة الإرهاب الروسية أمس، عن إحباط عمل إرهابي في موسكو واعتقال المتورطين فيه.
على أن الأهم الذي يسعى بعض خصوم موسكو إلى تجاهله، هو أن ما دفع الرئيس بوتين إلى اتخاذ قرار التدخل، مجموعة أسباب، أبرزها ما يتعلق بمصالح روسيا المباشرة، وأمنها القومي المباشر. وبالتالي، فإن آليات احتساب أكلاف هذه المشاركة، مادياً وبشرياً، تأخذ في الاعتبار أنها تكلفة، مهما تعاظمت، سوف لن تقاس بكلفة تعاظم وتمدّد نفوذ المجموعات الارهابية، من سورية والعراق إلى كل الغرب الجنوبي لروسيا.
بوتين يخوض اليوم معركة تخصّ بلاده مباشرة، ولا تخصّ حلفاءه. وربما هذا هو الفارق مع الولايات المتحدة التي لم يقتنع المتعاملون معها، من حكومات وشعوب المنطقة، بأنها لم تعد قادرة على تحمّل النتائج الدموية والمادية لقتال جنودها خارج حدودها… وهو الحدث العالمي الجديد!