تكاد الأمنيات أن تكون مثل الغواني الجميلات يطارحها المغرمون والمخمورون الغرام طوال الليل .. ولكن في الصباح يفيق واحدهم من السكر والثمل ويجد نفسه وحيدا وقد رحلت الأماني الى حالم آخر .. ان أكثر مايجب أن يخشاه المرء هو انجذابه لغواية الأمنية وغواية الحكاية التي تحدثه عن بطل يشبهه ويرى أن كل أحداثها تلتقي معه وكأنها نبوءة تحكي عنه ..
ان أكثر ما يبعث على الاطمئنان هو اعتقاد قاصري النظر أنهم قادرون على اعادة سيناريو افغانستان في سورية لأن هذا يدل على أنهم يميلون الى تصديق الرغبات وتستميلهم غواية الأمنيات .. بل ان البعض وصل به الحلم أن الله قد أرسل روسيا الى سورية ليتمكن الاسلاميون من روسيا التي أدخلت رأسها في وكرهم وهم ينتظرونه وعندما يضربون الرأس ينهار كل مايتعلق به ..
أنا شخصيا وبكل حماس أشجع هؤلاء على الامعان في هذا اليقين والاعتقاد وأريدهم أن يستسلموا له كما يستسلمون لفتوى جهاد النكاح .. بل أخشى أن يشككوا به وأن يتحولوا عنه لأنني أريدهم فعلا سكارى بنبيذ الوهم .. وأميل طربا وارتياحا كلما استل أحدهم في النقاش سيوفه الأفغانية وامتشق لنا سيرة القاعدة والسوفييت .. وأطلب من الله أن يزيدني من هذا الغناء والأناشيد .. لأنني أريد للغواية ان تأكل عقولهم وأن يناموا بين أحضانها ولايفيقوا الا في عز الظهر حيث لاشيء الا الخيبة وبقية النشوة .. ولهيب النار الدمشقية والروسية ..
نحن اليوم امام أحداث متلاحقة تشي بأن هناك من يستعمل مسطرة المستقبل ليصحح بها مسارات الماضي ومساطره فيما الحالمون يمسكون مساطر الماضي لقياس الزمن القادم .. ومايفعله الروس هو بالضبط تصحيح مسارات الماضي بمساطر من المستقبل .. وهذا هو الفارق الذي سيحسم المواجهة الأخيرة بين الاسلاميين والروس .. فالاسلاميون الذين يترنحون في كل المنطقة وينتقلون من فشل الى فشل على كل المستويات وفي كل الدول يلوذون بالماضي السوفييتي في أفغانستان ويستلون تلك اللحظات ويستجيرون بهيبة كل ثانية من ثواني الجهاد في افغانستان .. ويبنون الأمنيات والأوهام بل وينتظرون أن يعيد التاريخ نفسه حيث يبايعون الأميريكيين مقابل أن يمدهم بالسلاح كما فعل في الماضي ويعرضون أي شيء حتى لو رأس الأقصى وجسد الكعبة في مقابل أن يحققوا النصر الثاني على الروس ..
الروس أذكى من يتورطوا في حرب غير مدروسة وبالذات مع العدو القديم دون أن يكونوا قد استعدوا لهذه المواجهة حيث أمضت معاهد البحث الاستراتيجي الروسية مدة السنوات الثلاث الاخيرة حسب أحد الأصدقاء الروس تبحث بكل طاقتها في الامكانات والاحتمالات ونقاط الضعف والقوة في حال مواجهة كهذه وقدمت عدة دراسات شاملة للكرملين أشرف عليها أعتى خبراء السياسة والعسكرية .. ولكن الروس أيضا أذكى من أن يتركوا فرصة ذهبية كهذه للثأر من الاسلاميين والاميركيين في هذه المعركة التي ستستأصل هزيمة افغانستان من الذاكرة .. والأهم أنها ستجرد الأميريكيين من أهم سلاح لديهم ومن أهم فرقة مقاتلة قاتلت معهم ولأجلهم منذ خمسين سنة (أي الحركات الاسلامية) ..
الروس لايريدون هذه المعركة فقط لأن الأمم تبحث دوما عن شفاء لذاكرتها الجريحة بالانتصارات على نفس الأعداء الذين تسببوا بالجراح القديمة بل لأن الأمم الحية تنتهز الفرص التي لاتتكرر لانزال هزيمة منكرة بالعدو اللدود وجيوشه التب تتربص بها .. والدرس الأفغاني الكبير يقول بأن الاسلاميين جيش أميريكي سيستخدم حتما في أية مواجهة مستقبلية مع الروس .. وهو جيش منتشر في كل العالم ويجتمع هذا الجيش كل يوم خمس مرات في المساجد الوهابية المنتشرة في العالم التي تمسك به عبر مجموعات اعلام هائلة الى جانب ماكينة تضخ المال وشيكات بلا نهاية من أرصدة البترودولار مما يجعل هذه المساجد مراكز تجنيد وتطويع ومصانع للجهاديين وأكاديميات ملحقة بالمؤسسة الاستخباراتية الأميريكية .. ولذلك يجد الروس أنه يجب عليهم التربص بهذا الجيش الاحتياطي وانجاز الكمين التاريخي والفتك به .. واليوم دخل كل هذا الجيش الاسلامي الى الكمين التاريخي في سورية والعراق ووصل الى ذروة قوته وتحشده وزخمه المعنوي والعاطفي والارهابي في تمدد لافت وانتشار فاق انتشار القاعدة .. ولذلك حان وقت ضربه على رأسه الكبير والتخلص منه .. وتجريد اميريكا من سلاحها الاسلامي وكسره أمام عينيها من الأنبار الى ادلب وحلب حيث قلب الجيش الاسلامي وقرة عين أميريكا .. ومن يعرف حجم السلاح الروسي الذي حشد في سورية وكم الذخائر سيعرف أن جيش أميريكا سيتعرض الى ضربة عنيفة ستقصم ظهره .. بل ان أكبر خطأ سيرتكبه الاميريكيون وأعوانهم هو في حشد عشرات آلاف المقاتلين لخوض معركة خاسرة كما في سهل الغاب لأن حجم النار والقوات ونوعية الذخائر التي حشدها الجيش السوري وحلفاؤه الروس لجبهات الشمال وفق خطة التطهير مخصصة للتعامل مع قوة معادية من 100 ألف مقاتل .. أي مايعادل قنبلة هيروشيما ولذلك يستحيل لأية قوة ان تنجو من هذه النار دون غطاء جوي كثيف ومظلة أميريكية تحميها ..
هناك لاشك أسئلة محيرة عن احتمال تخلي الغرب عن الاسلاميين في هذه المواجهة .. البعض يرى أن هذا التخلي المريب في التوقيت جاء بعيد الاتفاق النووي الايراني الذي رعاه الروس .. وهناك من يتساءل مستغربا عن سبب احجام الباتريوت عن البقاء في أحلك اللحظات الجوية على حدود تركيا وعن عدم تشدد اللغة الغربية العسكرية تجاه روسيا لردعها .. ويخشى البعض ان تتضمن الصفقة النووية الايرانية فيما تتضمن اتفاقا سريا يشمل تسليم رأس الاسلاميين في المنطقة مقابل ضمانات أمنية تقدمها ايران .. ولكن الاميريكيين لايسلمون أمنهم لأحد ولذلك فان هذا التفسير غير منطقي .. الا أن وجهة النظر الأخرى تعتقد أن الاميريكيين لن يتخلوا عن الاسلاميين بل ربما يتراجعون ظاهريا ويظهرون الضعف لاغراء روسيا للدخول في الوحل الاسلامي كما حدث في أفغانستان وتركها تتصارع مع مجاهدين لايتعبون وتمدهم السي آي ايه بأصناف السلاح لارهاق الروس فيما تقف الولايات المتحدة بعيدا تراقب بهدوء كل أعدائها يفتكون ببعضهم .. الروس والسوريون والايرانيون وحزب الله والقاعدة والعرب والكرد والاسلاميون جميعا بمن فيهم الاتراك والسعوديون ..
الحقيقة أن هذا التفسير هو من أغبى التفسيرات لأن خيارات أميريكا تعني مقامرة ساذجة .. فهي امام خيار تزويد المقاتلين بكل الأسلحة الضرورية النوعية أو دفع مجموعات ارهابية للقيام بعمليات الرهابية بحجة رد الفعل اما داخل روسيا أو خارجها للقيام بعمليات ارهابية أو خطف مواطنين روس في أنحاء العالم للضغط شعبيا على الرئيس الروسي بوتين لأن هذا الخيار يبدو اسهل في سباق مع الزمن .. ولكن هذه الخيارات خطرة جدا وغير عملية ومحفوفة بالخطر .. فأي تسليح للاسلاميين على غرار السيناريو الأفغاني سيعني حربا أميريكية مباشرة على روسيا لن تتعامل معها روسيا بنفس رد فعل الثمانينات لأن الروس أثبتوا في دعم حليفهم السوري أنهم مستعدون لكل الخيارات .. ولايحتاج الانسان الى كبير عناء ليعرف بأن أي محاولة لنقل المعركة الارهابية الى داخل روسيا أو بعمليات ارهابية ضد مواطنين روس أو قوات روسية لن تمر بسهولة كما يظن البعض ويصدر الفتاوى لها لأن هذا ليس زمن أفغانستان وسيعني مواجهة مباشرة مع الروس الذين خاطبوا الأميريكيين في الكواليس – حسب مصدر مطلع – بأنهم لن يترددوا في التصعيد .. ويفسر البعض خيارات الروس بأنهم سيردون بادخال أسلحة من الجيل الأحدث الى الجيش السوري واطلاق حريته في استعمالها ضد اسرائيل تحديدا دون قيود ونقل ملكية هذه الأسلحة الى "حلفائه" وخاصة حزب الله .. وهنا ارتعد الاميريكيون والاسرائيليون من التهديد بانتقال هذه الأسلحة المتفوقة جدا الى سورية وحزب الله .. وهذا التهديد سيجعل الاسرائيليين هم من يصادر كل سلاح توصله السعودية أو قطر أو تركيا الى المسلحين لأن الصاروخ أو السلاح الذي يصل الى المسلحين لاستعماله ضد القوات الروسية أو المواطنين الروس سيقابله صاروخ خطر روسي الى حزب الله الذي سينال غطاء روسيا في كل نشاطاته ..
هذه الخيارات المختلفة الاميريكية محفوفة بالغباء أيضا لأن الروس صاروا مباشرة ولأول مرة على حدود ثلاث دول أساسية موالية للغرب .. فهم على حدود دولتين حيويتين للغرب والناتو وهما عش الارهابيين أي تركيا والسعودية الى جانب حدود فلسطين المحتلة (اسرائيل) .. فتركيا مأزومة جدا بوجعها الكردي المزمن ومأزومة في أمنها الداخلي وهشاشتها المذهبية بعد سياسات مذهبية لحزب العدالة والتنمية في التحريض على ألوان مذهبية في سورية وداخل تركيا ويقف الروس اليوم على حدود تركيا الجنوبية حيث يصطدم الكتف بالكتف .. وأما السعودية فالحقيقة أن اليمن هو من يمسك بها وصار العداء اليمني لها فرصة روسية ايضا لأن اليمن بسبب الحرب سيكون منصة روسية تطلق الصواريخ والنار الروسية على أهم الأهداف السعودية ان راوغ السعوديون ..
وفي حال تعرض الروس للتحرش أو الازعاج بأية طريقة فانهم في هذه الحالة لن يضربوا الاسلاميين فقط بل وفق أحدث التسريبات والأحاديث فان الروس قالوا صراحة بأنهم سيحملون الدول التي تمول الارهاب أو تحتضنه المسؤولية الكاملة دون تردد عن أي عمل داخل روسيا لأن غرف عمليات المسلحين هي في هذه الدول .. والمقصود بها تركيا والسعودية وبقية مستعمرات الخليج التي تعمل وفق قائمة طلبات أميريكية .. واذا تورط أحد في عمل ارهابي ضد روسيا فانها خيار فتح مخازن السلاح لكل من يحمل السلاح ضد هذه الحكومات (مثل الثوار الأكراد الأتراك) سيكون قائما خاصة أن روسيا صارت على تماس مباشر ومفاوضات معهم وليست أميريكا وحدها من يفاوضهم .. وكذلك فان روسيا صارت على حدود السعودية عبر الجرح اليمني والتورط السعودي بالحرب المجنونة .. وقد يفتح الروس مخازن السلاح النوعي لليمنيين حتى انجاز انهاك المملكة الوهابية ان مست دواعشها طرف الثوب الروسي مسّا..
هذه المواجهة ان قادها العناد ستستدرج الغرب الذي يدرك أنه بذلك يقترب من حرب عالمية لايريدها اطلاقا خاصة أن التقارير الغربية تتحدث عن ثغرة تكنولوجية عسكرية هامة لصالح التكنولوجيا العسكرية الروسية حدثت في السنوات العشرين الأخيرة بسبب غرور الاحساس بالتفوق الاميريكي بعد حرب الخليج ويوغسلافيا وشيوع التراخي بالانفاق على برامج تطوير السلاح .. حيث كان الروس منكبين على مراقبة التكنولوجيا الغربية والعمل على تحييدها بانتاج أسلحة فائقة الذكاء والفتك ..
هذه المواجهة مع الاسلاميين اذا ليست في أفغانستان .. بل في سورية .. حيث تمسك روسيا مع سورية بكل مفاتيح النجاح وبكل السلاسل التي تقيد الخصوم .. ومن ينظر في التنسيق الروسي السوري والحيرة الغربية يدرك أن الاسلاميين على موعد مع هزيمة تاريخية كجيش اميريكي سري وبندقية للايجار لم يعد انقاذها ممكنا أو يستحق المغامرة ..
لذلك لاداعي للجوء الى خزائن التاريخ للبحث عن تعويذة الهزيمة والنصر وتعويذة أفغانستان وبن لادن .. صحيح أننا كلنا نلجأ الى خزائن التاريخ وننبش الغبار عن الكتب القديمة والسطور الممحوة ونرمم الحروف المتآكلة والقصص والمغامرات والفتوحات والانتصارات والانكسارات .. وكلنا نستعمل مسطرة التاريخ لقياس أبعاد الحاضر والمستقبل .. وكل من يدعي انه لايبالي بالتاريخ ولايؤمن به الى حد الحاد التاريخ فانه يشبه من يريد أن يبحر بسفينة راسية على اليابسة وليست في البحر .. لأن التاريخ ماء البحر .. والمستقبل ميناء نفتش عنه على الشاطئ الآخر لنهاية زمن .. ولكن الكارثة أن نبحر في التاريخ ولاندرك أن السفينة غير السفينة .. وأن الربان غير الربان .. وأن الريح غير الريح .. وأن الاعاصير غير الأعاصير .. بل وأن البحر غير البحر .. ونصيحتي لمن يبحث عن النجاة في كتب التاريخ أن يدرك أن التاريخ لايحمل دوما وصفات للأغبياء .. لأن هذا اللجوء الى خزائن التاريخ في الأزمات ليس الا بحثا عن الأمنيات .. وغواية الأمنيات ..
انتظروا النصر .. وانتظروا أن تشهدوا هزيمة منكرة لجيش أميريكا السري من الاسلاميين التكفيريين .. وأن تكون مقتلة الاسلاميين في سورية والعراق .. فالمنطقة مقبلة على هزات كبيرة .. وستغيب عنها رايات كثيرة ورؤوس كبيرة .. انه موسم حصاد الرايات والرؤوس .. بيد السوريين والروس ..