Mohamad Mohsen
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبئُنا حركة التاريخ ، أن الأمبراطوريات عبر التاريخ ، تمربمراحل صعود ، وحالات هبوط ، وفاقاً لقول شاعرحكيم ـــ لكل شيء إذا ماتم نقصان ….ـــ ومنذ أن تنهي الإمبراطورية نصرها الأخير، على آخر أعدائها ، يغمرها إحساس بالقوة ، والتفوق ، والجبروت ، والتفرد ، بفرض سيطرتها النهائية على جميع مناطق نفوذها ، وأنها أصبحت " كلية القدرة " بعدها تنتقل من حالات الإستعداد الدائم للحرب ، التي كانت تضطرها دائماً لتكون في حالة استعداد ويقظة ، لمواجهة العدو ، إلى حالة من الطمأنينة ، والإسترخاء ، والإستمتاع بنشوة الإنتصار . وهذه الحالة تفقدها روح التأهب والتحدي ، التي كانت سبباً من أسباب قوتها ، وتجددها .
فمادامت قد انتصرت على جميع أعدائها ، وباتت مرهوبة الجانب ، " وسيدة العالم " ولا منازع ، تعود لتستكمل دائرة وصايتها ، وسطوتها ، والويل لمن يعصي ، عندها يجري تأديبه ، بالوكالة من بعض تابعيها ، واعادة العاصي إلى الحظيرة راغماً .
هذا شأن "امبراطورية العار" الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد سقوط الإتحاد السوفييتي ، وقبل السقوط بقليل ، حيث راحت تبطش بأعدائها ، من الدول " المارقة " التي بقيت خارج سيطرتها الكامله ،مما يعتبر انتقاصاً لسطوتها ، وعدم تقديم فروض الطاعة ، والولاء الكامل لسياساتها ، أو لم تقم بتنفيذ إملاآتها ، استكمالاً للسيطرة التامة على جميع مناطق النفوذ في العالم ، فمزقت يوغسلافيا ، ودمرت العراق ، ومن ثم ليبيا ، وغيرها كثير ، معتقدة أن الدائرة قد اكتملت ، وباتت الدنيا كل الدنيا ، تحت طوع أمرها ، ولا منازع .
بقيت سوريا الدولة الوحيدة ، التي لم تقدم فروض الطاعة والولاء ، فجندت لها الدنيا ، ماءة وخمسون دولة ، مؤتمرات ، فتح باب المساهمات المالية ، فلم يبقى صندوق مال أسود إلا وفتح ، ولم تترك سلاحاً قذراً إلا واستخدمته ، حركت دول الرجعية العربية ، والعثمانية الجديدة ، والإسلاموين بكل استطالاتهم ، وصولاً إلى داعش .
وكانت الحسابات قياساً على ما فات ، شهراً ، شهرين أو أكثر بقليل ، ومن ثم ينتهي العصيان في العالم ، ولكن سنه ، سنتين ، ثلاث ، أربع ، ونحن في الخامسة ، سوريا أذهلت العالم ، جيشاً وشعباً ، شكل هذا الصمود الأسطوري ، الذي خرج عن كل الحسابات ، خللاً وخلخلة بنيوية ، في دائرة نفوذ الولايات المتحدة ، وبين الكثير من عجزها ، وعجز أدواتها . ذاك العجز والصمود السوري ، دفع العراق لرفع سبابة الإعتراض ، وقالة لا في وجه أمريكا وحلفائها .
إنه الفراغ الذي تشكل نتيجة تقلص منطقة النفوذ ، واختلال التوازن ، للجبروت الأعظم ، سيدة الدنيا ، كلية القدرة ، امبراطورية العار أمريكا ، كان على التاريخ إعادة التوازن ، وإملاء الفراغ ، ولما كان التاريخ ، شأنه شأن الجغرافيا ، لايقبل الفراغ ، وفاقاً لنظرية إملاء الفراغ ، مما استدعى بذوغ قطب عالمي جديد ، اقتضه ضرورة ونظرية إملاء الفراغ .
وبذلك ولما كانت سوريا ، قد منحت للتاريخ حكمته الأولى ، كانت الأجدر بتسليمه حاضراً ، الحق بإعادة التوازن ، وفي سوريا وعلى الأرض السورية ، ولد القطب العالمي الجديد ، بزعامة الدولة الصديقة تاريخياً روسيا الإتحادية .
قالت روسيا ( لا )، ثم قالت وحليفتها الصين( لا ) ثم ( لا )
…وبدأت الحرب تتدحرج ، وبدأ القطب الجديد يتشكل ويواجه ، إلى أن جاءت روسيا بأساطيلها البحرية والجوية ، إلى سوريا ، بلد الولادة والمنشأ ، للقطب الجديد ، حيث بدأت معادلة جديدة ، ذاك المعسكر يأفل ، كلما افتضح دور أمريكا وارتداداتها ، وجرائمها التي لامثيل لها في التاريخ ، حيث يكفيها عاراً أنها من خلقت القاعدة ومستخلفاتها وسلحتهما ، وصولاً إلى داعش ، هذه الآفة التي يعمُ وسيعُم خطرها العالم ، فهي طاعون العصر، القادم من ماقبل الحضارة .
كلما تظًهر دور روسيا ، وأظهر صدقيته ، وكلما تراجع دور أمريكا في المنطقة خطوة ، كان القطب الجديد يملأها .
اللعب بات على المكشوف ، وكما قلنا أن زج روسيا لكل إمكاناتها ، هو استجابة طبيعية لنظرية إملاء الفراغ ، وبالتالي لايمكن ، ولا يجوز ، أن يتوقع أحد ، أن القطب الجديد الصاعد يمكن أن يتراجع ، لأن المسألة باتت ، قضية وجود ، فهو جاء ليبقى ، وليعيد التوازن والخلل ، الذي تسببت به إمبراطورية العار أمريكا .
نحن نقر بتعقيد الواقع ، وأن الحرب ليست نزهة ، ولا هي قاب قوسين أو أدنى من الخلاص ، ولكن هي بداية قوية للحل ، والإنتصار هو للتاريخ للبشرية ، كل البشرية ، فتقليم أظافر العدوان والإستعمار ، الغربي ، بكل استطالاته ، وهزيمة الشر المطلق الإرهاب ، سيشكل خشبة خلاص ، منه ومن الفكر الوهابي الإرهابي ، ودولته السعودية ، التي أعطته الفكر ، والسلاح ، والمال .
إنها الحرب أيها المؤمنون بالخلاص ، والحرب لها تبعاتها ، وهمومها ، ومتاعبها ، ويستشهد فيها العسكري ، والطفل ، والشيخ ، والمرأة ، هذا يجب أن لايغيب عن الذهن لحظة ، وهذا يقتضي القبول بدفع الثمن ، مهما غلا ، ولكن المؤكد والذي لامراء فيه أن لاتراجع من الحلفاء ، من روسيا الإتحادية ، وكلما أرعد الخصم وأزبد ، وارتفع صراخه ، كان عليكم أن تدركوا أن المعركة تسير في طريقها الصحيح ، وأن الأمور تتفلت من بين يديه ، رويداً رويداً .
…….نحن والقطب الجديد نراهن على النصر الأكيد ، ولا محيد ….