عبد اللطيف عباس شعبان
صحيفة البعث
أدى التدافع الكبير باتجاه العمل التجاري وخاصة في المدن، لاستمرار الإقبال باتجاه السكن فيها وازدحام شوارعها بالمشاة والسيارات، ما انعكس بالتالي على الأنشطة الاقتصادية الأخرى وخاصة النشاط الزراعي منها، فمن يتجول في أرياف معظم المحافظات يجد الكثير من الحقول البائرة كلياً أو موسمياً، وعشرات آلاف الأشجار المثمرة المهملة، كما انعكس هذا الإقبال أيضاً على حساب الإنتاج الحرفي والصناعي، فما من حي وقرية إلا وبهما عدد من المحلات التجارية، ولكن كثير منها يفتقد لوجود منشآت صناعية وحرفية، في حين إن تجار الجملة يتسابقون لاستيراد منتجات الدول الأخرى، وتجار المفرق يتباهون بعرضها والترويج لها، ما أدى إلى ظهور عشرات المحلات المتجاورة التي تتاجر بنفس المادة وتسبب بظهور بطالة مقنعة، فمن يتجول في الأسواق يتبيّن له أن حركة البيع خفيفة في العديد من المحلات التي يحجز بعض أصحابها جزءاً من الشارع لسيارته أو يشغل الرصيف ببضاعته أو بتعاطي المشروبات أو ممارسة لعبة المنقلة أو النرد أو كل ذلك معاً، ويفتح متجره طيلة النهار وربما جزءاً من الليل لاستقبال متسوقين معدودين.
نعتقد أن مصلحة الوطن والمواطن تتطلب الحد من البطالة المقنعة في العمل التجاري، والحد من ازدحام الطرقات العامة بالسيارات العامة والخاصة التي تنقل التجار والمتسوقين المقيمين في الريف، وما يرافق ذلك من ازدياد في نفقات النقل والانتقال، وهدر الكثير من الطاقة صيفاً وشتاءً..!.
وهنا نقترح ضرورة تنظيم القطاع التجاري، فطالما أن السلطات الرسمية قررت تعطيل العمل في منشآت القطاع العام لمدة يومين في الأسبوع على سبيل المثال، فلماذا لا يتم اعتماد تعطيل يومين أو أكثر لدى منشآت القطاع التجاري، ما يجعل من غير الجائز أن يقول البعض أن هذا الإجراء تضييق للحريات، فالصيادلة نظموا عملهم بتعطيل متناوب لجزء من النهار وخلال أيام العطل، ومجدداً نظموا فيما بينهم تعطيل يوم آخر في الأسبوع عدا يوم الجمعة، ومنذ أشهر لا حظنا أن محطات الوقود طبقت التعطيل ذاتياً عندما لا يكون لديها وقود، وكثير من العاملين في الزراعة وفي المنشآت الحرفية والصناعية يعتمدون التعطيل لأيام أو لأسابيع تبعاً لأجواء العمل.
ليس من الصواب أن يقول أحد أن مثل هذا الإجراء صعب التطبيق، لأن جميع المدن والقرى السورية منتظمة في بلديات ذات سلطة يمكنها إلزام العمل بأي تشريع، شريطة أن يتم ذلك بالتوازي من الحد لدرجة المنع لكل تجارة غير منظمة، وعلى الأغلب سيكون هذا الإجراء حال اعتماد تشريعه وتنفيذه مرغوباً لدى أصحاب المحلات التجارية، إذ سيترك باب التسوق مفتوحاً بسوية واحدة لجميع التجار، وسينجم عن ذلك منعكسات عديدة أبرزها تخفيف ازدحام الطرق العامة من السيارات والمشاة، وتوفير المزيد من الطاقة ومن نفقات النقل والانتقال، إضافة إلى أنه يتيح للكثيرين العودة للارتباط في الريف، واستصلاح واستثمار حيازاتهم الزراعية البائرة، وأيضاً يتيح للكثيرين ممارسة بعض الأعمال الحرفية، ما يؤسس لمزيد من الإنتاج والدخل.
كما أن تنظيم التسوق التجاري يفسح المجال لمزيد من الكسب المعرفي والثقافي، ويدفع باتجاه تنشيط السياحة الداخلية، ومزيد من التواصل الاجتماعي الذي يفتقده كثيرون حتى مع الأسرة والأهل والأقارب.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية