إيهاب زكي – بيروت برس –
فور مغادرة الرئيس الأسد قصر الشعب، والتنازل عن حقه الدستوري بإكمال مدته الرئاسية، سيصبح الحل في سوريا أمرًا متيسرًا للغاية، فيصبح البغدادي وزير دفاع في حكومة خوجة أو حكومة المالح أو حكومة جورج صبرا، والجولاني وزير داخليتها، ويتم تعيين علوش وزيرًا للبيئة ليتحمل مسؤولية التلوث الذي يصنعه يوميًا، وكمال اللبواني وزيرًا للخارجية لما له من قبول دولي و"إسرائيلي" خصوصًا، حيث أنه صاحب نظرية السلام السياحي مع "إسرائيل"، ثم يتم تخيير المجاهدين الطيبين بين البقاء كمواطنين في دولة القانون وخلع لحاهم وسراويلهم الأفغانية للتعبير عن علمانية الدولة، أو العودة مأجورين غير موزورين من حيث أتوا. ولكن الأزمة هي في المؤامرة الأمريكية الغربية "الإسرائيلية" الروسية الإيرانية التي تمنع وصول الشعب السوري و"ثورته" إلى هذا الحل المثالي، حيث أنهم جميعًا اتفقوا على استنزاف سوريا بحجة بقاء الأسد أو رحيله.
ما سبق هو خلاصة مختصرة ومبسطة لما يتم تداوله سياسيًا وإعلاميًا من قبل النفطيين ومرتشيهم كحلولٍ فوق العادة، وإن أحدًا لم يكن ليجرؤ على مخاطبة جماهيره بهذه السطحية لولا تيقنه من سذاجتهم، وأن ثمرة بطاطا مع برنامج "فوتوشوب" قادرة على التسبب بموجة من التكبير ولوثةٍ من مشاركة الإعجاز الفريد الدّال على وجود الله.
في عصر الدجل السياسي والإعلامي، والدروشة الفكرية والخيانة الوطنية والقومية والدينية، تصبح المسلمات والبديهيات محط سخرية، كالممانعة والمقاومة، والحقائق القطعية وجهة نظر، كالعداء لـ"إسرائيل" وعداونية أمريكا، فيتم تحميل الرئيس الأسد وإصراره على البقاء، مسؤولية الدمار والنزيف الدموي عبر القتل والنزيف البشري عبر الهجرة. وهذا بالضبط ما كان يحدث مع مقاومة حزب الله وغزة، فلو إن الحزب يسلم سلاحه إلى الدولة لما اضطرت "إسرائيل" لتدمير لبنان ومحاربته، ولو أن غزة تستسلم وتتخلى عن سلاحها، لما أُجبرت "إسرائيل" على مهاجمتها وتدميرها، ولو تخلت إيران عن طموحاتها النووية والسيادية، لما اعتبرتها أمريكا دولة مارقة ولتخلصت من الحصار السياسي والاقتصادي. وكذلك، فلو قبل الأسد بالفوضى الخلاقة ومشروع الشرق "الإسرائيلي" الجديد ببداوته ودويلاته، وسالم "إسرائيل" وتخلى عن أرضه، لما اضطر العالم لتدمير سوريا. ولكن لا يسألون أنفسهم ماذا لو تخلى الأعراب عن التبعية لأمريكا والتنعج أمام "إسرائيل"، ماذا لو تخلى أردوغان عن طموحاته السلطانية الغابرة وانسحب من حلف العداء للأمة "الناتو"، وماذا لو قطع علاقاته السياسية والعسكرية والسياحية والتجارية مع "إسرائيل".
كان حسن التهامي هو أول من أرسله السادات لمقابلة "موشيه دايان" في المغرب، في إطار مفاوضات سرية انفرادية بعيدًا عن مؤتمر جنيف 1977، ويقول محمد حسنين هيكل "إن اختيار التهامي سيظل موضع دهشةٍ لزمان طويل". ويُروى أن التهامي كان مختل عقليًا، حيث كان يفاجئ الجالسين في الاجتماعات بالانتفاض ثم القول "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"، وحين يُسئل عن السبب، يجيب بأن سيدنا الخضر كان مارًا فألقى السلام فرددت إليه تحيته. ويبدو أن كل الرؤساء والملوك أصبحوا "تُهاميين" وزيادة لاستعصاء الشفاء، وأصبح الرئيس الأسد خَضِرهم جميعًا، فهو يفاجئهم ليس في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم فحسب، بل حتى في بيوتهم ومخادعهم، فينتفضون فيستجدونه الرحيل بانتفاخ المتوهمين، فهو شغلهم الشاغل وهاجسهم الدائم، وقد أخرجوا كل ما في قبعاتهم وألقوا بكل عصيّهم، وجلبوا عليه كل خيلهم ورَجِلِهم، من قُراء لغة الجسد حتى قُراء الطالع والبخت، وهذا الحد من الجنون ليس مرشحًا للتوقف في المدى المنظور، فقراءة تصريحات أمير عبداللهيان وتهديده بانسحاب إيران من مفاوضات فيينا، واعتباره أن السعودية هي من يعرقل التسويات، تعطي انطباعًا جازمًا بأن المسافات تزداد تباعدًا لا تقاربًا.
لم يعد الرئيس الأسد يمثل نظامًا أو حتى بلدًا، بل أصبح رمزًا لبداية عصرٍ جديد متعدد الأقطاب يتشكل على أنقاض حقبتين، حقبة القطبين وحقبة القطب الواحد، وأغلب الظن أن الحرب على سوريا بشخص الأسد، ستؤسس لمفاهيم وقواعد جديدة على مستوى القانون الدولي، وسيجتهد فقهاء القانون في صياغة نظرياتٍ قانونية عمادها التجربة الأممية في الحرب على الأسد. ومن السخف بمكان السؤال عن مصير المحميات النفطية غزيرة الثرثرة عالية الصوت في العالم الجديد، فهي تفتقد ديناميكية التأقلم سياسيًا مع عالم منحسر الحاجة للأتباع بقدر حاجته للشركاء.