كلما رأيت شخصاً ثقيل الظل يطلق النكات ويضحك وهو لايعرف أنه ثقيل الظل وأن دمه ثقيل على من حوله ..أتساءل إن كان ثقل الظل ولزوجة الدم عقوبة من الله على من يقع تحت محنة الاستماع إلى الثقلاء أم أنه سخط من الله على بعض البشر فيجعل أرواحهم ثقيلة .. وربما كانت أسوأ خصلة أو صفة تلتصق بصاحبها وتجعله مصدراً لشقاء الناس وشعورهم بالضيق كلما تعثروا به في طريق أو مجلس أو حفل .. وكم أعياني السؤال وأنا أرمق الثقلاء في الجلسات يتحدثون وينخرطون في كل فقرة من فقرات اللقاء ويضحكون والنظرات تحيط بهم مغتاظة لأنهم يجعلون كل شيء ثقيلاً إن كان الله قد سلطهم علينا كنوع من الإمتحان والبلاء وهم يرخون بأثقالهم على الجلسة والوقت والعمر والحياة والشاي والقهوة والهواء والحفل.. والحقيقة أن الأشخاص الثقلاء هم الوحيدون الذين لاأتعاطف معهم ولا أشفق عليهم بل أحس بالنقمة عليهم لأنهم طالما أفسدوا عليّ جلسات جميلة ولحظات نادرة وكادوا يفجرون أعصابي وشرايين دماغي ويحولون جزءاً من أيامي الى كوابيس .. وهم الوحيدون الذين أفلحوا في إثبات أن الديبلوماسية تواجه أي تحد في العالم إلا تحدي الثقلاء لأن تحملهم عملية انتحارية ويحتاج إلى شخص أصم وأعمى وأبكم وبلا احساس أي يحتاج الثقيل إلى حجر ليتحمله.. وأكثر مايغيظني فيهم أن أحدهم لايقرأ نظرات الناس المتضجرة والشفاه المتبرمة ولاترصد ترددات صدور الناس وكيمياء الجو حولهم وشحنات الغيوم بل يسترسل لامبالياً في الحديث تلو الحديث ويطيل القعود والمداعيات وسرد البطولات والحكم.. ويزيد من عيار لزوجة الدم السميك ونكاته وضحكاته ومداعباته الفظة المستفزة وحديثه الذي يشبه المطارق التي تهوي على الرأس..
وأنا هنا أعتقد أن مايسمى "الثورة" السورية فإنها بغض النظر عن برنامجها السياسي وخلافاتنا معها مكتظة بثقيلي الدم بل أكاد أقول أن كل ثقلاء الدم قد ثاروا علينا وتستحق أن تسمى بثورة الثقلاء – وأستثني طبعاً المهرج فيصل القاسم الذي خفف من ثقل ظله خفة في عقله ولأن به دعابة – فمثلاً لايختلف اثنان في العالم على ثقل دم ميشيل كيلو وهو يتحذلق ويتفلسف عن الحرية مع السعودي جمال الخاشقجي حتى أنه يمكنه أن يجهض حاملاً كلما استعرض ثقل دمه وظله البليد .. ولايوجد هناك من ينكر ثقل دم سهير الأتاسي وهي تتلمظ بمعاناة الشعب السوري حتى خليفة "داعش" يستثقل ظلها ولايشتريها في سوق السبايا بدولار واحد .. ولايجادل أحد أن برهان غليون يمكنه أن يكون مسؤولاً عن ارتفاع نسبة الانتحار بين السوريين والسوريات من شدة استثقال دمه حيث يصبح الموت خلاصاً.. ولكن الحقيقة أن أثقل المعارضين دماً وأصعبهم على الهضم والمضغ والبلع
هو الفنان الثقيل الدم جمال سليمان.. الذي منذ رأيته أول مرة أحسست أنني أرى شخصاً سمجاً وثقيل الدم وخاصة عندما يحاول أن يستظرف.. ولكنه يبدو في منتهى الثقل وهو يشد على مخارج الحروف ليقنعنا أنه يفهم مايقول أكثر منا وهو يريد إفهامنا مايجب أن نفهم لأن سمعنا ثقيل وفهمنا عسير فيتحدث وكأنه ينحت في صخر .
المشكلة أن ثقيل الدم اذا مامارس السياسة فإنه يجعل السياسة نفسها تصبح ثقيلة الدم.. وكابوساً.. وقد يتسبب في أن يخسر حزبه معركة سياسية مكلفة لأن الناس تستثقل دمه كما حدث مع ويليام هيغ وزير خارجية بريطانيا السابق الذي خسر حزبه الانتخابات عندما كان رئيساً لحزب المحافظين البريطاني بسبب أنه سمج ومكروه ومتكلف وثقيل الظل كما يوصف بين الناس.. ولذلك تجد الزعماء الغربيين مصرين على أن يخففوا من جديتهم وصرامتهم وثقل دمهم وخاصة أثناء الحملات الانتخابية فيلقون النكات التي يعلمهم اياها مديرو الحملات الإنتخابية ويكون غرضها امتصاص الدم الثقيل من وجه المرشح لأن السياسي ذا الدم الثقيل يجعل أفضل البرامج الحزبية ممجوجة وغير مقبولة ومنفرة حتى ولو كانت هي الحل وهي العصا السحرية.. وكم برنامجاً سياسياً خسر بسبب أن الذين أخذوا على عواتقهم ترويجها كانوا من أثقل الناس دماً وأكثرهم فظاظة ..
أنا لن أعلق على تصريحات الفنان ثقيل الدم جمال سليمان السياسية التي لاتخلو من طابع تمثيلي منافق وانتهازي ولكن بالله عليكم انسوا خلافاتنا معه والتنافرات السياسية بيننا وبينه وكل شيء يقوله وأنا لن اناقش آراءه السياسية الهزيلة والمليئة بالثقوب المخجلة.. بل حاولوا أن تقيسوا في مقابلته الأخيرة على إحدى القنوات المصرية – التي يتحذلق فيها ويلثغ بالمصرية – درجة الحموضة في كلامه ودرجة القلوية في دمه والملوحة في عقله والاحتراق الناقص للحروف في لهجته المصرية المضحكة.. ولكن أيضاً قيسوا في أجسادكم الضغط والنبض والحرارة .. لأنكم تواجهون ثقيلاً من الثقلاء ولو وزنتم ظله لكان أثقل من فيل.. والذي لو سمعته بقرة سورية حامل لأجهضت في الحال وخاصة عندما قال بأن "من يريد الحصول على شهادة ميلاد في سورية عليه أن يكون في الانتخابات قد أيد انتخاب الرئيس.. وأن الحصول على وثيقة زواج يجب أن يمر من باب الولاء للرئيس.." يعني أن تكون ثقيلاً فهذه مصيبة ولكن أن تكون سياسياً ثقيلاً وكذاباً وأفاقاً وأفاكاً فإنك أثقل الخلق.. ولاتتحملك بقرة ..
عندما رأيته يتحدث باللهجة المصرية في شأن سياسي سوري وهو يقدم نفسه معارضاً سورياً تذكرت على الفور الجاحظ الذي عاتبته في سري لأنه كتب عن البخلاء كتاباً أنصفهم فيه ولكنه ترك لنا الشيء القليل عن الثقلاء دون أن يرينا فيهم كلمة حق وبياناً وتبييناً.. وصرت أبحث في مكتبتي عن كتاب يفرج لي غمي وسخطي على الجاحظ وعلى هذا الثقيل كي يحمل عن كاهلي ظل هذا الرجل الغليظ.. ولكن جلال الدين السيوطي أنقذني إذ وجدت أنه ترك لنا مخطوطاً أسماه "اتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء" ويقول فيه أن جالينوس وصف الثقلاء بأنهم "حمى الروح" .. وعلمت منه الكثير مما قيل في الثقلاء ولكني وجدت فيه بيتين من الشعر كأنهما كتباً خصيصاً لأجل هذا الثقيل المسمى جمال سليمان.. إذ يقول أحدهم لأحد الثقلاء:
أنت ياهذا ثقيل وثقيل وثقيل… أنت في المنظر انسان وفي الميزان فيل
ثم وقعت على كتاب في توصيف الثقلاء لكاتب يسمى أبي بن محمد الزمزمي بعنوان (أخبار الثقلاء والمستثقلين).. ويميز فيه بين أنواع الثقلاء الذين تبغضهم القلوب أو تمجهم وتنفر من كلامهم وطباعهم.. وفيه يقول بأن منشأ الثقالة الغباوة وقلة حيلة العقل وتدهور مستوى الفطنة.. وخاصة "عندما يتحدث الثقيل بلسان غير لسانه" .. والحقيقة أنك لاتحتاج لقراءة كتاب الزمزمي فما عليك إلا أن تتأمل في سلوك هذا الثقيل الظل والروح جمال سليمان وفي تكلفه وتصنعه واستظرافه لنفسه وإعجابه بنفسه لأنه هو ماوصفه الزمزمي وكأنه يراه عبر الزمن .. حتى تكاد أن تقول بأن كتاب الزمزمي نبوءة عن هذا الفنان السمج جمال سليمان .. الذي يجب أن يمنح لقب الفنان الثقيل الدم .. وخاصة وهو يترغل بالمصرية وكأنه مرشح معارضة مصرية وينافس محمد مرسي أو الجنرال عبد الفتاح السيسي .. والحقيقة أنه وللأمانة فإننا قد نراه يتحدث باللهجة السعودية أو القطرية والتركية كي يصبح "معارضاً" حقيقياً يعكس هوية "المعارضة".. خاصة أن معظم المعارضين العرب ثقلاء جداً لأنهم على مايبدو مدمنون على شرب بول البعير ظناً منهم أنه يخفف الدم وينقي الروح كما هي روح أنور عشقي وجمال الخاشقجي.. شقيق جمال سليمان الروحي ..
ولا أملك بعد أن سمعت من هذا الثقيل الدم من حديث سياسي مليء بالكذب الثقيل الا أن أحمد الله أنه "معارض" لأن وجوده في معسكر "المعارضة" رحمة لنا.. لأن الأفيال على أشكالها تقع .. وأقسم أنه لو كان مؤيداً للموقف الوطني السوري لكان دم الدولة السورية ثقيلاً ودم الممانعة ثقيلاً .. ودم البريكس ثقيلاً .. ولأحسست بالحرج من أنني في معسكر الثقلاء.. حيث الإنشقاق هو النجاة ..
هذه المقالة سأسميها: "اتحاف الثقلاء برسائل النبلاء" وأهديها الى الثقيل الدم جمال سليمان وأقول له كي يفهمني: وـأخد بال حضرتك يافندم .. أيها الثقيل والثقيل والثقيل .. أنت في المنظر إنسان .. وفي الميزان فيل ..