بتوقيت دمشق – أمين عوض
شهد القطاع الصحي في سورية تطوراً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة التي سبقت الأزمة وشمل القطاعين العام والخاص. وفي الوقت الذي ركز القطاع العام على رفع مستوى الخدمات الصحية المقدمة، تطور القطاع الخاص الصحي بشكل لافت في مراكز المدن الكبيرة التي شهدت تشييد العديد من المستشفيات التي تضم أغلب الاختصاصات. كما لوحظ دخول التجار على الاستثمار في القطاع الصحي بعدما كانوا يفضلون قطاعات أخرى لا تمت له بصلة، لدرجة أن أصابع الاتهام صارت توجه للمشافي الخاصة بأنها أصبحت مشاريع استثمارية ربحية أكثر من كونها مشاريع صحية تقدم خدمات إنسانية، وانعدمت فيها أي قيم وأخلاق تتعلق بأدبيات هذه المهنة التي تكاد تكون المهنة الأسمى على سلم المهن.
أحمد مورلي أحد الأشخاص الذين اضطروا مرغمين لإدخال أحد ذويهم إلى أحد مستشفيات دمشق الخاصة يعلق على هذا الموضوع قائلاً: "نستطيع القول دون أي تهويل بأن الدخول إلى المستشفيات الخاصة بات أمراً في غاية الخطورة حالياً، وهذه الخطورة نابعة من أن تعرفتها أصبحت تعيي المريض وأسرته، وخاصة تلك التي تفردت بوضع تسعيرات خيالية، فالمشافي بدلاً من أن تكون مكاناً للاستشفاء، أصبحت مكاناً لكسر الخواطر وجعل الأسر تقبع تحت ديون قد تحتاج الى سنوات لقضائها".
مرام عبدالله سيدة أجريت لها عملية ولادة قيصرية مؤخراً في أحد مستشفيات دمشق الخاصة قالت: "الحديث عن هذه المستشفيات يدفعنا للحديث عن بعض الأطباء الذين حيث يتقاضون نسبة لا يستهان بها عن أي عمل جراحي يقومون به، فهل يعقل أن عملية الولادة في إحدى المشافي الخاصة تكلف نحو 100 ألف ليرة..!؟، في حين نجد أن العملية نفسها تجرى في مستشفى خاص أخر وبسعر منطقي؟، ربما أصبحت المشافي الخاصة حالها كحال المحلات التجارية، حيث لكل محل سعره الخاص ويختلف عن الأخر".
شادي س. يسخر من واقع هذه المراكز الصحية الخاصة بالقول: "في حال أخذ المريض إلى مستشفى خاص رغماً عنه فإنه يتوجب على أهله أن يضعوا له "حبة تحت اللسان" لدى إبلاغهم إياه عن التكلفة التي دفعوها أو التي سيدفعوها كي لا يصاب بسكتة قلبية، حيث تبدأ تكلفة الليلة الواحدة بـ4 آلاف ليرة، وتنتهي بنحو 8 آلاف ليرة، بالطبع هذه التعرفة في مستشفى خاص من الدرجة المتوسطة وليست من سوية 5 نجوم، ولكن رغم كل هذه الأسعار الفلكية إلا أن الخدمات المقدمة في تلك المستشفيات لا توازي حجم المبالغ المدفوعة من المريض، حتى أن الأخطاء الطبية أصبحت شائعة للأسف".
والد الطفل أيهم دوبا قال: "أسعفت ولدي الذي كسرت ذراعه لدى عودته من المدرسة وأسرعت به إلى أقرب مستشفى خاص، والذي أدهشني أن أجريت له جميع أنواع التحاليل إلا صورة الأشعة ورغم أن ولدي كان يتألم من ذراعه وحالته ظاهرة وهو ليس بحاجة لهذه التحاليل وإنما بحاجة لصورة أشعة فقط لتحديد مكان الكسر وحجمه ومن الواضح ان هذه تمثيلية تهدف لكسب الربح وزيادة الفاتورة ولو على حساب مشاعر المريض وأهله".
الدكتور بشار رباح يقوم بعمليات جراحية في أحد المشافي الخاصة بريف دمشق يرد على هذه الاتهامات بالقول: "للإنصاف، المستشفيات الخاصة تواجه أيضاً ضغوطاً مادية، فقد ارتفعت أسعار معظم الأدوات ومستلزمات عملها، سواء من حيث السيرومات والأوكسجين أو الشاش، حتى الحقن والمعقمات والأدوية وغيرها من الأمور، إلا أن ذلك ليس مبرراً أن تبلغ الأسعار حدوداً غير معقولة لدرجة أن عملية ولادة قيصرية بلغت كلفتها نحو 85 ألف ليرة سورية".
الدكتور جميل عمار مدير الرعاية الصحية في وزارة الصحة قال: "تفرض عقوبة على مدير المشفى الخاص الذي يقبل مرضى بما يفوق العدد المسموح به أو يبيع أدوية لخارج المشفى عدا الحالات الطارئة التي تستلزم الإسعاف المستعجل، كما يعاقب مديرو المستشفيات الذين يستوفون أجوراً زائدة عن التعرفة المحددة ويحكم عليهم بإعادة المبالغ الزائدة لأصحابها".
ويتابع: "حددت أجور المبيت في المستشفيات الخاصة حسب الدرجة فغرف مستشفيات الدرجة الممتازة التي تضم سريرين وهي مكيفة ومزودة بهاتف وتلفزيون وبراد ويبلغ اجرها 3000 ليرة سورية لكل ليلة، أما غرفة الدرجة الأولى وهي ذات سرير واحد مكيفة ومزودة بهاتف وتلفزيون وبراد ويبلغ أجرها 2250 ليرة سورية لكل ليلة، في حين حددت أجرة الغرفة من الدرجة الثانية وهي ذات سرير واحد ومزودة بهاتف ومروحة بقيمة 1500 ليرة سورية لكل ليلة، ويضاف 100 ليرة للتلفزيون و100 ليرة للبراد عن كل ليلة في حال طلب المريض ذلك".
وتبقى بعض مشافينا بيئة خصبة لأمراض المواطن الجسدية والنفسية التي ترتب عليه بعد كل وعكة صحية مبالغ ليست في الحسبان قد يحتاج سدادها إلى سنوات من العمل المتواصل.