نبيل عجمية
-
تراثنا ذاكرتنا قصة العتابا والموال والقراديات يؤكد الحضور القوي لأغانينا الشعبية بأنها كانت موظفة توظيفا دقيقا ومرتبطة بحياة الناس وبيومياتهم وقضاياهم ومواسمهم وقد قام كثير من الشعراء الشعبيين بتخليد الكثير من الأحداث بقصائد طويلة تداولها الناس في سهراتهم ومناسباتهم وهذا ما يمكن ملاحظته ومعاينته عند السوريين فكانت هذه الأغنيات امتداداً لجذور الأجداد وما زالوا محتفظين بهذا التراث فيعيشونه وكأنه جزء لا ينفصل عنهم كالعتابا والموال والقراديات والعتابا فن نبيل وجميل يعايش الألم والقهر ويروي أساطير العذاب الذي عانى منها الأجداد من ظلم العثماني والمتنفذين والأقطاع وشذاذ الأفاق وأمراض ذلك الزمان من الهوى الأصفر والواغش الثقيل وغيره الكثير الكثير.اما سبب التسمية:
تروي لنا الجدات إنه كان قبل قرون عدة شاب يعيش في إحدى القرى يكسب قوته بعرق جبينه,يحرث الأرض يزرعها ولكنه لم يكن يملك منها شيئا" وبالرغم من قسوة الحياة التي كان يعيشها إلا أنه كان سعيدا" كل السعادة عندما يعود الى منزله الطيني المتواضع ويعانق زوجته الجميلة التي يحب ويعشق وكان اسمها عتابا……….ويبدو أن القدر يلاحق دائما" المعذبين والفقراء الذين يحنون رؤوسهم للأذى دون أن يثوروا عليه..هذا القدر آبى إلا أن ينتزع عتابا من فتاها فقد لاقت هوى" من مالك القرية( الأغا) فانتزعها إلى قصره.
ولما عاد الزوج ولم يجد عتابا ذلك السراج الذي يضيئ حياته ولا اليد التي تمسح اتعابه…سأل الجوار فأجابوه لقد انتزعها الأغا إلى قصره…ودار الزوج في كوخه الطيني يطالعه بنظرة محتضر يحاول ان يجمع في نظرة واحدة كل الأيام الخوالي فبدا له أن كل شيئ في حياته قد انتهى …ترك مكانه وغادر قريته وطاف القرى والدساكر على خطى جده قيس بن الملوح العامري.. وفي غمرة هذا الألم الجارف أنشد العتابا الأولى:
عتابا بين برمي ولفتي………
.عتابا ليش لغيري ولفتي أنا ماروح للقاضي ولا آفتي…..
. عتابا بالثلاث مطلقا وكرت سبحة العتابا: داركم وسيعه عاليه عتابا…
…وبنتكم سمرا ماقدر عا عتابا لآحمل ربابتي وغنيلا عتابا……بلكي يحن عا صوتا الرباب
أما الموال فهو صرخة الروح الشجيه تناجي الحبيب:شربيتي يابنت ميتي وخمري…….
. وتركتي الروح تلفانه وميتي وإذا انتي بأيدك للقمر وميتي..
.أمتنع يرسل ضيا وبالأفق غاب
وهنالك أيضا":القراديات… «في الأيام الماضية كان لكل شخص أغراضه الخاصة التي ترافقه في جيب شرواله أينما ذهب، …. "قرادية" فراق من شخص أضاع ملعقته الخشبية الخاصة التي رافقته لأعوام متعددة، حزن عليها كثيراً، حيث قال فيها : بدي اعمل فروقه …
……..على فراق الخاشوقة،..
. لما عبيها بالرز ………
….عليّ النعمة يجيني العز
بمسكها بأيدي وبهزها هز….
بيفرح قلبي قبل ما دوقها... قرادية أخرى يقول العاشق المحب:
يا أم المنديل الصيني ...جرحتي قلبي داويني-.
.. فترد عليه الشابة –
أنا ما جرحت قلبك ضل مسافر بدربك،.
.. قل شو هو طلبك تجيبه لراسي وعيني…..
– فيقول –
منى قلبي تانام بحضينك وعيش الدهر ما هينك..
. ويا سمرا قرباً دينك بس ضلي تحاكيني –
فترد –
أهلي ما يعطوني ياك وشفلك شي وحده أحسن لك …..
…………ويا ويلك ويا دلك من بعدي يا مسكيني».
وهذه "قرادية" أخرى تروي قصة حب بين فتاة وشاب قديمة جداً، قال فيها الشاب العاشق
-قلبي معلق بهواكي..
وما بقدر عيش بلاكي.
.. وإن ما عطيوني ياكي.
تبجهم بسكيني…
– فترد الفتاة عليه –
بسكينك ما بتبجه في كتير ولاد بيتعجوا،… أستنى ليجوا خوالي.
. بلكي بيقبل يعطيني…
– فيرد الشاب –
خايف يجوا خوالك…
وأنت تخوني بكلامك..
. والله بزحن عضامك
ويا ويلك وقتها ما بتهميني..
. – وهنا تقصد الفتاة تهدئة الجو لأن حبيبها وصل إلى مرحلة التهديد بقتل والدها».
وهذه قرادية عن التبغ (التتن) –"أصغوا لي يا ساداتي..
حتى أشرح حالاتي..تخبركن على لي صار بصدق كله إثباتي،.
.. عندي شوال من الدخان..
مخبا عن الورديان،..
. خبيته بنص الوديان.. أنا وابني ومراتي،..
. خبيته بليل الدامس.
. ما فاق عليِ الحارس،.
.. يومين ويوم التالت..
وإلا جوني وليداتي،..
. قالوا لي راحوا التتنات..
كيف العمل والحيالات،.
.. قلت بظني ما هو إثبات مين بيسرق كياتي،... رحت من الصبح بكير..
وقمت وبلشت التدوير وما تركت لا حفه ولا شير وما نكشته بدياتي،…ومين بيتعدى عليّ.. يبعتله بعضة حيه وربي يحرمه الذرية..
. هالجيل والجيل التاني–.
وهنا تأثر أهالي القرية بمصيبة"الرجل وحزنوا معه لأنه من المستورين مادياً في القرية، وعندما سمع الذي أخذ الدخان من الحقل بـ"القرادية" ورأى حزن وتأثر أهالي القرية جميعاً عليه، تأثر بالموقف وقرر الإفصاح عن نفسه فقصده وطلب منه الأمان للتحدث فأعطاه "الأمان فأخبره "بالحقيقة فسامحه على فعلته لتأكده من سوء أحواله المادية وأعطاه نصف الدخانات التي أعادها ليطعم بثمنها أولاده».