

– النمسا ـــ طلال مرتضى
كسرب يمام نبت على سلك البرق, ألغى موعد رحلته المنتظرة, توقف عن حراسة مصيره الغافي طي فوهة صياد الجهات, مفتعلاً من جناحيه مروحة يهش بها رذاذ الحلم, أنثى الوشوشات, في "جنة جاهزة" كتابها الأول, رأيت الشعر يستحم على جيدها, يجدل ضفائره لينزع متخففاً نحو "الإقــــامة في التمهيد" كتابها الثاني الواشي بعذرية معطاه..
"الحياة على دفعات" للأديبة زهرة مروة, صادر عن دار الروسم للصحافة والنشر والتوزيع 2015..
مجموعة نصوص نثيرة توسدت ضفتي الورق, تحاكي أنا الكاتبة المندلقة طي أنانا باستعاراتها وإسقاطاتها المنفعلة المتماهية بعلائق سردنا اليومي, مجازاً بفعالية تعبيرية عمادها الخيال المدغم بانشغالات الواقع الذي يتوسل متجلياً الصورة البعيدة قبل
الصورة المحسوسة: أزرعُكَ وأقتلعُكَ، كي لا يكرّرَ الموجُ اسمي, فأظلّ نادرةً فيكَ.
تنحاز نصوص المجموعة تشكيلاً إلى "ق ق ج" القصة القصيرة جداً, حيث أدعت الوكييديا بأنها تعريفاً: نوع حديث من الأدب انتشر في الفترة المعاصرة بشكل واسع, وأصبح نوعاً سردياً قائماً بحد ذاته, تعتبر بالحجم أصغر من القصة القصير, وقد لا تتجاوز بضعة أسطر وأحياناً قد لا تكون أكثر من سطر واحد, تقوم على الجرأة، والوحدة، والتكثيف، والمفارقة، وفعلية الجملة، والسخرية، والادهاش، واللجوء إلى الأنسنة، واستخدام الرمز والإيماء والتلميح والإيهام، والاعتماد على الخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمته: من فرط هشاشتي, أصادق رجالاً متزوجين يستوعبون طفولتي, لم أعلم أني سأكره جسدي, أحاول أقناعي بدون جدوى, أحلمُ ليلاً بمن لا يكترثون بي." تعاملت الكاتبة مع منجزها بحساسية مفرطة التوتر, حيث أنها لم تستكين ولم تتوقف عند حد أدبي واحد, بل دأبت على أن تصير فراشة/ نحلة تأخذ من كل معين نفثة رحيق, عندما ولجت أعتاب الخاطرة في بعض الأحيان, المحمولة كفن أدبي تتشابه طرائقه مع أساليب القصة والرسالة الأدبية والقصيدة النثرية, والتي تتميز بأنها غير محددة "برتم" أو وزن موسيقي معين أو قافية, حسب معرفها: أتنقل فراشةً من نظرة إلى أخرى، ألتقط صوراً للمشاعر".
على الرغم من بساطة القول المفرط الحساسية حد الاعتراف, لم تستطع الكاتبة بعبثيتها المتيقظة ــ حالة الوعي ــ أن تتوارى إيهاماً بمزاجية زئبقية عاصفة بحثاً عن مبتغى تجلى فيما بعد في عتبات النصوص ــ العناوين ــ كدال فاخر يسكنها ألا وهو المكان, في زاوية وراء الأشجار, وراء الكواليس, المحطّةُ الأخيرة, في متحفي, من الجهة المقابلة, على الحافة, على الشفير, وأخيراً ضواحي الفرح, على منصّة الحكاية, المكان الرمز كما عرفه الدكتور: حسين علي محمد, لا يُراد بكلمة المكان في الكتابة «دلالتها الجغرافية المحدودة، المرتبطة بمساحة محدودة من الأرض في منطقة ما، وإنما يُراد بها دلالتها الرحبة التي تتسع لتشمل البيئة وأرضها، وناسها، وأحداثها، وهمومها وتطلعاتها، وتقاليدها، وقيمها. فالمكان بهذا المفهوم كيان زاخر بالحياة والحركة، يؤثر ويتأثَّر، ويتفاعل مع حركة الشخصيات وأفكارها كما يتفاعل مع الكاتب ذاته".
رصداً نتلمس مرادها في القول: كنتُ في الهامش ثمّ تواطأتُ وانسجَمْتُ. رميتُ أحلامي القديمة عانقتُ، ألواناً.
كذلك: عَلِّمني أن لا أعلّقَ شغفي على الحائط.
إلى أن تقرّ بالحقيقة: الحياةُ لعبةُ أفكار, طابةٌ ملونةٌ, توزِّعُ لنا حزنَها وفرحَها على دفعات.
تطوي كتابها جانباً بعد أن تركت على هامشنا المنفي بعض من كلام: سْوفَ أغادرُ, أنزل من القافلة في منتصف الطريق, أرتمي على درب مُضاء, الرِّحلةُ شاقّةٌ, ولِكثرةِ ما أكابدُ؛ تفوتني نصاعةُ الجو في الخارج, مأخوذةٌ، أنا لا أعرف أكْنتُ أتلذّذ أم أتعذب؟.