من غير الممكن أن نصنع حياة دون وطن،
في العمق كل أنواع الكتابة المعرفية تملك روحا أو ذاتاً معرفية واحدة. وهي لا تختلف مع بعضها إلا من حيث الشكل
وضيفنا الاستاذ غسان مكنا :
حاورته منيرة احمد
لموقع نفحات القلم
*************
كيف تقدم نفسك للقراء؟
= غسان مكنا إنسان يسعى لإيجاد حياة طبيعية سعيدة له وللناس المحيطين به
يقال في السفر ثقافة ما الذي قدمته لك اقامتك خارج سورية لفترة طويلة ؟
= حب أكثر للحياة،إقامتي الطويلة لم تكن في بلد غريب ، كانت في لبنان. وبرغم كون البلدين بلد واحد تقريبا إلا أن المناخ السياسي المختلف ربما خلف بعض التباين أهمه ميل الثقافة السورية نحو البعد النظري ،مقابل ميل لبناني لما هو معيشي"الحياتي اليومي" طبعاً أنا أتكلم هنا عن الثقافة الشعبية التي تشكل الحالة العامة .الثقافة التي نخرج منها لنشكل خصوصيتنا . وأظن أني أحمل الميلين معاً. حب الحياة بأدق تفاصيلها،وحب الثقافة النظرية
– البعض يعيب على الروائي انه لا يكتب من روحه …. إنه فقط يسرد أحداثا …ما تعليقك؟
=أعتقد أن هذا الظن نظري إلى حد ما ، أو أنه يتكلم عن مستوى تحقق محدد ، ففي العمق كل أنواع الكتابة المعرفية تملك روحا أو ذاتاً معرفية واحدة. وهي لا تختلف مع بعضها إلا من حيث الشكل.ثم أن الأحداث التي ، وأفضل استخدام كلمة يعبر عنها الكاتب بدل يسردها، تمثل وجهة نظره في الحياة ، ووجهة النظر هذه ستحمل وعيه المعرفي وإحساسه تجاه كل ما في الوجود
– لك تجارب في الكتابة المسرحية حدثنا عنها
. =قمت بكتابة وإنتاج عملين مسرحيين في لبنان، العمل الأهم هو مسرحية "زينون:مجنون؟" يتكلم عن الإنسان الطبيعي التلقائي ،عن غرابة تحققه في عالم يحكمه كل أنواع التصنع الفكري في أساليب الحياة وأشكالها.وأنا الآن أنهي الأسطر الأخيرة من مسرحية "الحائط" التي تتكلم عن غرق الإنسان في ما صنعه من معان وتراث معرفي ، غرق لا يمكن له أن ينجو منه لأنه ببساطة ينتج وسائل استمراره دون أن يعرف. يقول العمل أننا نقف الآن على قمة جبل من النتاج التراثي المعرفي نظن أننا نملك ونعرف سطحه ، وهذا غير ممكن
في رواية سوري جدا بعناوينها ومضامينها رسالة … ما فحواها ؟
=في رواية سوري جدا رسالة واضحة وهي أنه علينا أن نصنع حياتنا بأنفسنا ، وان نحترم شروط الحياة فقط لا الشروط الأخرى التي أدخلتها ظروف تاريخية ماضية.وأنه من غير الممكن أن نصنع حياة دون وطن، والوطن هنا ليس ما عبر عنه عارفونا ومثقفينا أبداً، الوطن ليس مجرد بلد، سوريا التي نعرفها كانت نموذجا للبلد الجيد ، وربما كانت أفضل نموذج لبلد شرق أوسطي أو عربي وبالرغم من ذلك جرى لها ما جرى، طبعا أنا لا أقلل من حجم التدخل الخارجي ، ولكن ذلك لم يكن ليؤثر بهذا الشكل الكبير لو كان السوري يعرف نفسه أكثر لو كان يعي تميزه الثقافي "اختلافه" عن العربي والإسلامي،لو كان يتفق مع أبناء بلده على معان إنسانية سياسية خاصة. لا يمكن أن نكون بمنأى عن خطر التدخلات الخارجية دون أن نصنع وطننا الخاص برؤيتنا السورية المختلفة
لو عرض عليك تقديم الرواية كعمل تلفزيوني او سينمائي او مسرحي ما الدور الذي تود ان تجسده ..؟؟
=لن أجسد أي دور إلا الدور الذي قمت بتجسيده، دور الكاتب . لأسباب متعددة أهمها أنني ممثل فاشل جدا
بالعودة للرواية برأيك كيف تعود جبلة كما بقية المدن بنوافذ وابواب مفتوحة للحياة ..؟
=أعتقد أن العودة إلى نفس الطبيعة السابقة أمر مستحيل، فحب الحياة في جبلة والأبواب المفتوحة كان حالة من الحالات التلقائية الفطرية ، بمعنى أنها لا تستند إلى أساس واع مدرك ،وقد ذهبت بذهاب إمكانية حالة حضورها، الزمن اليوم هو زمن الحضور بالقوة ، بالفرض. العودة يجب أن تكون مدركة ، يجب أن نشكل مجتمعا متصالحا مع ذاته ، أن نسمي ونقبل اختلافنا ونضعه في مكانه. فالاختلاف في الدين مثلا لا يجوز أن يعتبر اختلافا جذريا. العودة تتطلب وعيا عاما
– عملك الروائي او المسرحي القادم متى يبصر النور ؟
عملي القادم هو سيناريو لدراما تلفزيونية ،وصلت إلى المرحلة الأخيرة منه.
– كلمتك لموقع نفحات القلم وللقراء ؟
=لا تكتمل دورة الحياة الأدبية دون الفعل النقدي ،وللأسف هذا الفعل غائب كليا في بلدنا، وهذا ما يفسر الفوضى العارمة التي تسودها. عدد ضخم من الكتاب وعدد قليل من القراء، مفاهيم معرفية وأدبية تعيش بمنأى عن التجربة،لا يوجد لدينا دار نشر تملك شخصية مميزة، لا يوجد من يتبنى تجربة معرفية أدبية. لا يوجد إعلام وطني يعني بالشأن الأدبي. أتمنى لموقع نفحات أن يعنى بطريقة ما بالشأن النقدي.
وأن يحاول إشراك القراء مثلا في تقييم الأعمال الأدبية
. وكل الشكر للصديقة منيرة أحمد وأتمنى لموقعكم دوام النجاح.