في مقابلة قديمة مع الرئيس الخالد حافظ الأسد تسأله المذيعة الأجنبية :
لماذا لا تفعل كما فعل السادات وتزور اسرائيل للتوقيع على معاهدة سلام بينكما ؟
وبابتسامة ساحرة … ساحرة … ساحرة يجيبها : أنا لست من النوع الذي يفعل ذلك … فالسلام حق لا يُستجدى للحصول عليه بل نقاتل لأجل سلام شامل وعادل يعترف به كل المجتمع الدولي .
السياسة السورية لأنها ثابتة يراها المتحولون متغيرة ة ويتهمونها بالتناقض مع العلم أن المواقف السورية بقيت ثابتة وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، فعندما عجزت عن تحقيق الوحدة مع ليبيا والعراق أرتأت أن التضامن العربي هو الحد الأدنى لتأطير العلاقات العربية العربية ، وقفت مع ليبيا عندما اتهم العرب القذافي بالجنون وهو يواجه أمريكا بينما تركه بقية العرب يواجه مصيره .
ووقفت مع الكويت عندما هاجمها صدام وعربدت قواته فيها ، والأهم من ذلك كله أنها قبلت بمهمة الردع العربية والدخول إلى لبنان لمنع الحرب الأهلية ، ووقفت مع الأكراد ( أوجلان ) في الوقت الذي كانت حمايته مكلفة جداً وهو المطلوب تركياً وعالمياً و معاقبة من يحميه أو يؤمن له الملاذ الآمن ، ووقفت مع حماس وفتحت لها مكتباً في دمشق في حين رفضت ذلك معظم العواصم العربية والاسلامية .
اليوم سوريا تدفع ثمن ثباتها وتمسكها بالقضية الفلسطينية ، فالبعض يعتبرها ملكاً أكثر من الملك ويسخرون من ذكر كلمة مقاومة أو ممانعة ، و أن النظام السوري باع الجولان وهو لم يطلق طلقة باتجاهه في سبيل تحريره ، وفي لبنان أغلب الأحزاب والتيارات السياسية مازالت في حالة عداء مع النظام السوري لأنه في المستنقع اللبناني غرق الجميع ، و الجيش السوري دفع الفاتورة … ومازال بعض الفلسطينيين يتحدثون عن تل الزعتر وكأنه وصمة عار بحق الجيش السوري ، وكذلك القوات والكتائب الذين يحاولون لصق جريمة صبرا وشاتيلا بالسوريين .
ومن السخرية أن نلوم السياسة السورية الثابتة والملتزمة وننكر أولئك المتحولين ، فسوريا كانت صادقة مع الجميع ، في لبنان ومع تركيا ومع العراق حماس وكل الأنظمة العربية رغم اختلافها مع البعض ، ولم تتورط مع أحد ضد أحد كما يفعل الآخرين .
والكل يعلم لماذا اختارت سوريا التحالف مع ايران في عز محنتها وحتى اليوم . وقد صدق اختيارها لأن ايران أثبتت أنها لاعب اقليمي ودولي في المنطقة والعالم وقد رأينا ثمار هذا التحالف اليوم في الحرب الدائرة في وعلى سوريا وكذلك في دعم القوى المقاومة والممانعة ومنها حزب الله وحماس والمقاومة العراقية التي ناضلت بشراسة لتحرير العراق من براثن الاحتلال الأمريكي .
اليوم تبرز قضية الأكراد التي يتاجر فيها الجميع ألا النطام السوري ، ولأن الأمريكان شعروا بالتحول التركي الأخير بدأوا بتحريك الأكراد " الأشايس " للعب دور قذر في الجغرافيا السورية كما فعلوا بداعش والمعارضة " المعتدلة " وهنا يحاول صيادو الماء العكر أن يصصادوا فيه باعتبار أن النظام لم يكن صائباً في تحالفاته السابقة وهو الذي يورط نفسه والعالم بذلك .
النظام السوري كما يحلو للبعض تسميته قالها علناً : أن السيادة السورية خط أحمر و أنه لن يقبل بالتقسيم أو الفدرلة مهما كلف الأمر ، فهل يفهم الأكراد أنهم سيكونون كبش محرقة للأمريكان ! و أن سوريا لن تسمح لهم بالتصعيد ومحاولة جر الحسكة إلى حرب طائفية أو عرقية بأي شكل من الأشكال ؟ مازال هناك متسع من الوقت للإنصات إلى صوت العقل والعقلاء قبل فوات الأوان ومازال أمام الأكراد فرصة لرفض الوصاية الأمريكية وإلا الندم ساعة لن ينفعهم ندم .