|
|||||||||||
عندما تصدق اللغة فإنها تكون مثل ماء الرحيق ترشفه شفاه نحلة لتحيله الى عسل يسري في الحلوق .. ولكنها عندما تكذب فان الكلمات تتحول الى أبقار ميتة نافقة في أشداق أفعى أناكوندا تبتلعها ببطء وينتفخ بطنها حتى يكاد ينفجر .. وعندما تصدق اللغة ترتدي الحكاية ثياب أسطورة خالدة لا تموت وتمر في جينات الزمن لينقلها في دم السنوات والقرون وخلايا العصور .. أما عندما تكذب اللغة فإنها تصبح لغة انغماسية تحمل حزاماً ناسفاً حول خصر أي حكاية تبحث واهمة عن خلود الجنة .. وأول ما تقتل فإنها تقتل الحكاية التي تزنرت بها التي يطير لحمها أشلاء .. وحال الحرب الإعلامية على سورية هو أنها خرجت من إطار المعقول ووصلت المبالغات فيها أنها صارت حكايات لا يمكن أن تمر في البلعوم لأنها كبيرة جداً ويجب أن يكون بلعوم أحدنا مثل بلعوم أفعى الأناكوندا التي تبتلع بقرة أو جاموساً أو تمساحاً يدخل حلقها ببطء وينتفخ بطنها حتى ينفجر .. كل كذبة أضخم من سابقاتها .. وبلعومنا لم يعد يقوى على التمدد وبطوننا تنفجر كل يوم من حجوم الأكاذيب التي تدفع دفعا الى حلوقنا .. ولعل أكثر ما يذهل في الحرب الإعلامية التي هاجمت سورية هو أنها كانت مليئة بالتقارير الانغماسية التي تتسلل لتكون بيننا وتتحول الى "قصص انتحارية" تريد أن تقتل نفسها وأن تقتلنا لكنها هي أول من يموت مثل الانتحاريين الاسلاميين الذين يربطون أحزمة ناسفة تنسفهم مع خصومهم .. و أكثر من يتمزق ويتناثر أشلاء هو أجساد الانتحاريين التي حملتها .. وما حدث أن منظمات دولية وحقوقية نسفت نفسها بنفسها في تقارير كانت مثل أحزمة ناسفة حول خصر هذه المنظمات التي حاولت نسفنا ولكنها انفجرت بكل مصداقيتها ودمرت نفسها لأن التقارير التي أفرطت في لاعقلانيتها تحولت الى مواد ناسفة شديدة الانفجار أول من تمزق بها هي سمعة تلك المنظمات وهيبتها .. وهي التي تعتبر نفسها مرموقة وذات هيبة .. فمن يقرأ تقرير منظمة العفو الدولية الأخير الذي يتحدث عن إعدام عشرات الآلاف شنقا في سجن صيدنايا في السنوات الخمس الأخيرة .. يحس أنه يحتاج الى أن يشرب مع الخبر مادة مزلقة كي يمكن بلعها وتمريرها في البلعوم .. لأنه يحتاج الى بلعوم أناكوندا كي يزدرد هذا الخبر .. بل إن بلعوم الأناكوندا لا يمكن أن يبتلع هذه التقارير المفبركة دون أن يتمزق .. لأن الأبقار الميتة النافقة صارت فيلة نافقة ..لأنه حتى تفاصيل السرد والقصص بدا أنها غير متماسكة وفيها الكثير من الصمغ واللصق والقطع والتطعيم والتضخيم والتصنيع .. بل ان الأرقام وتفاصيل السردية الجديدة تكاد تضحك وهي تنظر في عيوننا لأنها تعرف أنها تكذب علينا من شدة المبالغة .. فالتقرير الذي أطلقته منظمة العفو الدولية يشبه تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري وبذات الصياغة وبنفس آلية توفير شهود الزور .. شهود مقنعون وشهود غامضون وشهادات تحت الضغط والإكراه والابتزاز والتهديد والإغراء .. وهناك تشابه في هياكل هذه التقارير لأن من يصنعها هو مكتب واحد صارت له لغته كما كل كاتب له بصماته .. فهناك دوماً أرقام مهولة .. وهناك ظلام ورعب ووصف تقشعر له الأبدان في محاولة رخيصة لابتزاز مشاعر الناس .. وفيها لمسات أدبية في وصف الموت والاعدام ولحظات المعاناة والألم على فراق الموتى وشطحات من خيال علمي .. وطبعاً هناك حبكة وقطبة مخفية تترك للآخرين مجالاً لتسريب تفسيرات وقصص يتسلى بها العامة .. فالموتى تسمع الزنازين في الطوابق العلوية أصوات تأرجحهم على الحبال لمدة طويلة وتسمع الزنازين صوت تحطم حناجرهم وكأنها قطع حديد تتعرض للسحق وتسمع في كل مكان حتى من الزنازين في طوابق أخرى !! وهناك مشنوقون ذوو وزن خفيف لا يموتون فيضطر الجلادون لجذبهم والتعلق بأجسادهم لإكسابها ثقلاً كي يموتوا .. والأهم أن الذين تمت الإشارة اليهم في تقرير منظمة العفو الدولية على أنهم شهود عيان هم من نفس نوعية شهود الهجوم الكيماوي في الغوطة وشهود عيان اغتيال الحريري وبذات النزاهة ولا يمكن الطعن بمصداقيتهم لأنه تم اختيارهم بعناية وعلينا أن نبلع الحكاية ويكون لنا بلعوم أناكوندا !! .. وهناك اعتماد دائم على شهادات أشخاص اسلاميين يعرف القاصي والداني أنهم مستعدون لقول أي شيء في سبيل تبرير وحشية التيارات الدينية المتوحشة الوهابية التي تقتل بحجة الثأر من النظام الذي يقتل والتي تكذب بحجة أن الحرب خدعة .. وهناك نوع جديد من الشهادات التي صارت المنظمات الدولية تعتمدها وهي شهادات من أجل طلب اللجوء السياسي (على المضمون) .. فهناك أشخاص كثيرون يبيعون شهاداتهم مقابل الحصول على لجوء سياسي في الغرب وخاصة أولئك الذين في الغالب سيرفضون بسبب ثبات نشاطاتهم الاسلامية .. ومن أجل هذه الغاية لابد من الادلاء بشهادات شديدة الغرابة كي تعتبرها المؤسسات الدولية خطيرة لدرجة أن من يدلي بها يستحق الحماية القانونية ومنحه اللجوء لأنه يكشف أسراراً خطيرة للغاية ستهدد حياة من يكشفها لأنه سيتعرض للانتقام والموت غن لم يتم منحه اللجوء السياسي ولم الشمل .. وهذا ما يفسر غرابة القصص التي يرويها البعض من هؤلاء الشهود والتي في كثير من الأحيان تصل اليهم مكتوبة بعد معالجتها في مكاتب استشارية في استانبول والدوحة .. تنصحهم بقول ما كتب لهم لأنه سيسهل عملية منح اللجوء مهما كانت الاعتراضات سابقاً .. وهذه حالات تواصلنا معها وعرفنا من بعض من كان يدلي بشهادات في قضايا واتهامات سابقة أنه طلب منه أن يبالغ وأن يردد قصة مكتوبة وفق نصيحة (قانونية) كي تتحول الى وثيقة باسمه يحولها الى منصة تحمله الى لجوء آمن وناجح .. خاصة اذا كانت هناك شبهات أنه من الذين حملوا السلاح ومارس العنف سابقاً .. فهو بتقديمه لشهادة قوية – كسجين اسلامي تعرض للتعذيب ورأى ما لا يجب أن يراه – يخترق الاعتراضات على قبوله لاجئاً .. شهرزاد غادرت قصر شهريار وهي تقبع اليوم في زنزانة معزولة في سجن صيدنايا وتسمع أصوات المشانق التي تعصر أعناق الحكايات .. وتهز مشاعرها أصوات طقطقة الحناجر التي تسحقها الحبال مع طقطقة عظام الرقبة في الليل أو مع طلوع الفجر .. ويؤسفني أنني لا أملك الا ضحكتي أقدمها لشهرزاد وهي تغادر قصر شهريار بعد ألف ليلة وليلة نضبت فيها قصصها وحكاياتها وأصاب الملل شهريار وجاء بمنظمة العفو الدولية لتقص عليه قصصاً أغرب من قصص شهرزاد وتفوق في جموح خيالها كل ما تخيلته شهرزاد .. فأين هي قصص العفاريت والجن الأزرق والعمالقة والملوك المسحورين من قصص قيصر التي يرويها شخص يقول انه مجهول يلتقط الصور لعشرات آلاف الجثث المجهولة بدقة وحرفية مع لمسات ضوئية فنية؟؟ .. وأين هي قصص شهرزاد من قصص أظافر أطفال درعا ومن قصة حمزة الخطيب الذي شوهد من قبل المئات وهو تحت التعذيب .. وشوهد قضيبه يتداوله الشبيحة بين الزنازين .. في كل يوم قصة سخيفة ورواية خيالية عن الأهوال في سورية .. فيها تقارير انتحارية تقتلها قبل أن تقتل خصومها .. ونحن بانتظار اصدارات جديدة من تأليف منظمات حقوق الانسان ومنظمات الطفولة والمرأة و و و و .. لأن لكل منظمة دلوا مليئا بالزرنيخ يجب أن ترميه في بئرنا لتسممه بحكاياتها .. حكايات سلخ الأحياء وصنع المعاطف من جلودهم لنساء الشبيحة .. وقصص الحناجر المخلوعة والعيون المقلوعة بشوكات الطعام التي يجمعها ضباط الأمن لأولادهم .. وطبعا سنعرف لاحقاً أن أزمة الوقود والغاز في سورية ليست بسبب ضرب حقول وأنابيب الغاز من قبل الثورجيين بل لأن الغاز والنفط السوري يتحولان الى أفران الغاز التي يبنيها النظام السوري لشعبه حيث ينتظر ستة ملايين معتقل الإعدام في غرف الغاز في هولوكوست النظام النازي السوري .. وسيظهر قيصر آخر يصور لنا صور أكوام الأحذية والنظارات التي تكدست على ابواب غرف الاعدام قبل ولوج أصحابها الى أقدارهم .. معذرة شهرزاد إن ضحكت وأنت تغادرين قصر شهريار الى سجن صيدنايا .. ومعذرة إن لم أكن قادراً على انقاذك .. لأن هناك من الثورجيين وموظفي منظمات الأمم المتحدة من سيأخذك قريباً الى غرف الإعدام في ذلك السجن الرهيب .. وسنسمع صوت طقطقة حنجرتك من نيويورك .. حنجرتك التي طالما حكت الحكايات .. سنسمعها تنكسر كقطعة الفولاذ في تسريبات صوتية للجزيرة والسي إن إن .. وسيلحق بك شهريار نفسه .. وسيتم بعد ذلك إعدام الليالي الألف .. ليلة إثر ليلة .. وإعدام كل الحكايات .. لأن من يدير الحرب على سورية قرر أن يقتل كل شيء يصادفه .. وأن يحول الرحيق الى بقرة .. والنحلة الى أفعى .. وأن يكون هو وحده من يروي الرواية .. وأن يقتلك حتى أنت وشهريار .. ويرمي جثتيكما في سجن صيدنايا الرهيب .. ثم يبكي مثل تمساح فوق جثة وردة مسحوقة .. نارام سرجون
|