مزاحم الكبع ..يرسم صوراً بسيطة وواقعية في قصيدة مناجاة أمه
قراءة *خلف عامر:
في 21آذار من كل عام يحتفي الناس بعيد الأم، كيف لا والأديان السماوية أولتها أهمية خاصة لمنزلتها ومكانتها ورفعت من شأنها وقدرها ورفضت المساس بكرامتها،
استحضرتني في هذه الدراسة مقولة "نابليون بونابرت"الشهيرة:
( الأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها).
وكثير من الشعراء تغنى بوصف الأم لدورها الهام والريادي في تكوين شخصية الأجيال وهاهو الشاعر حافظ إبراهيم يؤكد ذلك:
(الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق).
*حنين روح
حين تمنع الغربة وظروفها الشاعر من رؤية أمه، ويضغط عليه الحنين لرؤيتها، يُلْبِسُ قوافيه أجنحة كي تطوف في مدارات التخيّل ناثراً بذور حلمه في قصيده، ليوضّح مدى ارتباطه وحاجته لحنان أمه، واستخدم الشاعر "مزاحم الكبع " حالات واقعية في رسم صورته الشعرية في قصيدته الموسومة بــ"أمي" والتي صَوّر فيها علاقة الأم بولدها، وتعمّدَ أن يكون تأثيرها قوياً في نفس القارئ، تَمَثّلَ باستخدامه مفردات مؤثرة في حياة الأبناء دللت على الاحتياج الكبير للأم ،كـ:( صدرك ياحنونة – حضنك ضمَّني- دفءُ حضنكِ – أنسى الضنى) حيث قال:
(منْ لي بصدرِكِ يا حنونةُ ساعةً
أُلقِـي برأسِـي فوقَـهُ وأنـامُ
عَلِّـي إذا ما دفءُ حضنكِ ضمَّني
أنسـى الـذي قـد أضنَـتِ اﻷيَّـامُ
سُبُـلُ الحياةِ جميعُهَـا ضاقتْ عَلَيَّ
وأتعبتنـي في الشقـا اﻷعـوامُ).
*صورٌ واقعية:
ويفصح الكبع أن ما يلهم قصائده هو وجه أمه، واعتمد في تدوين مابه من حنين في غنائية بوحه لها على بساطة الكلمة ووضوحها المباشر في رسم صورة واقعية للأم في مخيال قارئه، ففي صوره التي رسمتها أبياته توصيف حقيقي عاشه الكثير من الناس، ليس في طفولتهم وحسب بل وحتى في كبرهم: ( نقاء وجهك – تمسحين برقة رأسي – أنفاسك عطر – عيناك محراب ):
(أمِّي .. حنانُـكِ خافقي يحتاجُهُ
فنقـاءُ وجهِـكِ دائمـاً إلهـامُ
هيَّـا … أريدُكِ تمسحيـنَ برِقَّـةٍ
رأسـي .. يـداكِ الحانياتُ حَمَـامُ.
أنفاسُـكِ العطرُ الشَـذِيُّ .. أحبُّـهُ
عينـاكِ محـرابُ الصَّـلا وإمـامُ.
شفتـاكِ مُختَصَـرُ الوجـودِ وسحـرُهُ
ذاتَ ابتسـامٍ .. بوحُـهُ أنغـامُ).
تداعيات البعد
وكأني بالشاعر يشير إلى الظروف القاهرة التي عصفت بوطنه وباعدت بينه وبين رؤية أمه، وماخلفه هذا البعد من تداعيات نفسية عليه أظهرتها القصيدة بشكل جلي تمثلت باستخدامه كلمات دالّة على الوجع الذي خَلَفهُ التباعد القسري:( أهول جسام – أنواع الهموم – فتت خافقي – يعيثُ بأضلعي):
(أُمِّـي .. أهـلْ تدرينَ بَعْـدَكِ ما جـرى ؟
أهـوالُ مَـرَّتْ في الفـؤادِ جِسَـامُ
وحملـتُ أنواعَ الهمومِ مُكابِـراً
اللَّـه يعلـمُ حجمَهَـا .. العـلَّامُ
لكـنَّ بُعْـدَكِ يا حبيبةُ وحـدَهُ
جبـلٌ عظيـمٌ .. والجبـالُ عِظَـامُ
الشَّـوقُ فتَّـتَ خافقي ومضى يعيـثُ
بأضلعـي .. شوقـي إليـكِ سهـامُ)
متلازمة الوجع
رغم ملازمة ثيمة الوجع- صبر- مواجعي – مرهق – الأسقام- للشاعر في أغلب القصيدة إلا أنه لجأ إلى الحلم لإبعاد مرارة واقع البعد الذي أرّقه، بمحاولته نبشه ذكريات أحلامه، والاستعانة بالحلم فهو الناقل الوحيد الذي يوصله إلى بحر حنانه أمه، لأن لا سلطة لأحد على الحلم:
(يـا بحـرَ إيمـانٍ ويـا ينبـوعَ صبرٍ
أنـتِ رغـمَ مواجعـي اﻷحـلامُ
حُلمـي الوحيـدُ بـأنْ أراكِ ونلتقـي
كـي تحتفـي بلقائِنَـا اﻷنسـامُ
أشْـفِي غليـلاً في فؤادي مُرْهَقَـاً
ماجَـتْ بـهِ في عصفِهَـا اﻷسقـامُ)
*أمنية:
ولأن الوسيلة الأكثر تأثيراً في الإنسان هي حاسة البصر، تضرع الشاعر إلى الله أن تسعد رؤيته بأمه:
(كـي تُمْطرينـي يا حبيبةَ خافقـي
قُبَـلاً .. فَخَـدِّي عاشـقٌ هَيَّـامُ.
يـا ربُّ .. أَسْعِـدْ ناظـري بلقائِهَـا
مـا عنـدَ قلبـي غيـر ذاكَ مَـرَامُ).