الشاعر الدكتور : شادي عمار
الصّغير والله والطلقة الحولاء
"أين أنت ياصغيري"
لم تُفهمِ العبارة جيّداً
ربّما حشرجة المدفع الصّدئ
أوهمت ذلك الشاب!
لم تجد الضباع جثثاً هذه الليلة
أصرّ الصّغير أن يلهو
بآخر شلوٍ من الدمية النازفة
افترش بالنخاع الحصى
وجعل من الأحشاء مساكن رخوةً للرجولة
أما الأطراف
فعرّاها من اللحم
كشط العظام جيّداً
دهنها باللكر
ثم غرز في طرف كلٍّ منها حلقةً لامعة
وعند المساء
توّجت صورة حسابه على الواتساب
رجلاً مكتنزاً
تلفّه الأمعاء الدامية
وفوق رأسه عبارة:
"أبو ماوي أشطر جزّاري"!
* * *
لم يتمكن الليل
رغم طوله المعتاد شتاءً
من المكوث مديداً
بطنه الفارغة من الأحشاء
أفزعته!!
فمذّ بُقِرت لم يشعر بالجوع.
أرهقته الفكرة
وهمّ بإيقاظ النهار
ليتذكّر فجأة
أن النهار مقتولٌ من زمان.
* * *
أصابع الطّفل الحمراء
لم تكفّ عن العبث
فقرّر اقتلاع عينه
بعد نفاد رصيده من الدّحَل…
لم تصرخ أمّه رغم أنّها
لم تبكم،
حبيبته الخائفة هربت
بعد محاولته إقناعها
أن تحذو حذوه
فيمتلكان كرتين بدل كرة
جميلتين وتحدّقان بهما عند اللعب
ووقت يملّان…
أصرّ الفتى على صديقته
أنه بالإمكان إعادتهما إلى محجريهما!!
* * *
"لم تعدِ الحرب مهمّة"
فكّر صاحب الدكّانة المفلس
فمنذ أن وفوه المدينون
اختفتِ القرية الصغيرة،
وأحسّ أنه فأل نحسٍ
وقت سدّدوا له
حتى العانس الثريّة البخيلة
أغلقت كلّ ديونها
بل واشترت بسخاء
ونقدته إكراميّة ضخمة…
"ياإلهي… ماتوا جميعاً بضربةٍ واحدةٍ غير محكمة"
إذ خلّفته وحيداً
بجروحٍ كثيرة
أغلبها في القلب.
مازال الصّبي ينقّب في الجثث
مثل ضبعٍ أشقر نحيل
يضحك يغنّي
وقد توافر اللون الأحمر بغزارة
مكّنته أن يحوّر ملامحه الفاتنة،
تقاسيمه الناعمة كملاكٍ صغير
ظلّت موضع سخرية أقرانه الأجلاف
حتّى غيّرها
ذلك اليوم
بحنّاء الدّماء
وعِقداً من الآذان المقطوعة…
"تهلّلي أماه…"
لقد اكتهل الصغير الحالم فجأةً
وأخذ مكانه المباغت
بين قطيع الذئاب الرائح إلى الحرب
عواؤه الذي كان مكاغاةً
أجفل حتى الذئب الأشهب الكبير
فقد تحسّس بطنه هو الآخر
خوفاً من مديةٍ غادرة!!
* * *
"خسرنا كلّ شيء"
رغم ثراء الحرب
الذي سقط على العائلة الفقيرة
كصاروخ الأعياد…
فالفتى ترك دراسته وعصب رأسه
ليتابع سرقة الموتى،
الفتاة هربت مع زعيم عصابةٍ للسّلب،
الأب يدير ماخوراّ من نساء النازحين،
وحدها الأمّ من ظلّت تمسك بعناد
بالله الفزعان
تذكّره بفروض الطاعة
وضرورة تلبيتها
في عودة كلّ شيءٍ
اعتباراً من بيتها
وصولاً لسوريّا
إلى نصابه وفوراً!
أوستتوقف عن تقديم الأضحيات
هكذا زعقت به
وقد أصرّ الإله المسكين
على السّفر للعلاج
بعد أن شقّت بطنه
طلقةٌ حولاء!!