سلسلة مقالات ودراسات يقدمها الأديب الشاعر الدكتور أحمد عثمان
المستشار الإعلامي لموقع نفحات القلم
فاتحتها هذا المقال بعنوان :
إذا أردت أن تعرف للعدل جانب فيما أنت معاشرهم فأنت واهم.
|لأنك لن ولم تجد هذا فيهم. لأن العدل لن يكون إلا من مَلك الله قلبه، فيكون العدل قد أحاط به ولن تستطيع أن ترى منه شيئاً، لأن اللطف الذي نراه في هؤلاء هو غايةٌ مثلى لا توازيها غاية. بل هي أعلى درجة في قواميس العدل الذي اتصف به الله وحده, فأنت واجبك البحث في مضاميرٍ أخرى حتى يتسنى لك أن تقف بلحظة ما عند حدود المعقول، ولا تأخذك الهيمنة النفسية وغرورك بأنك باحث من الطراز الفريد، فتروح بآخر العمر نادماً على كل لحظة عشتها وهماً بوهم، وتفقد آخر معاقل العقل الراجح وفكر الصواب. ومن هنا عليك أن لا ُتتعب روحك التي قد تغور في كهوف الغرور وتندم أيضاً، فتنتهي بك الأمور إلى حيث أنت لا تشتهي ولا تتمنى, وكثيراً تتساءل متى تستوي الأمور في نصابها الصحيح ومتى تكون أنت في الموقع الصحيح من عمرك وكم يكلف عمرك من الزمن لكي يُصحح فيه كثيراً من الأهداف التي وضعتها أنت منذ نعومة أظافرك مبيحاً مساحات ذاتك بحساسية لا تملك أنت زمام أمرها, فتروح ولست قاصداً تُسهب في جعل الغايات لك في السدَّة الأخيرة من الحياة فتبدل خطوط الطول والعرض في كُرة حياتك, وتجعل خط استوائك فيها بارد جداً, وكما تشاء، لأن هذه الكرة من صناعة أفعالك وحدك وقد وضعتها بفراغ الفضاء، وحتى هذا الفراغ قد صنعته وبذلت الجهد الكبير حتى صار به ما صار وما يصير. وتذهب بأحلامك إلى أن تصل بقناعتك (أن حبة القمح تملأ الفراغ الذي في الفضاء) حيث كل الأيدي تحلم فَرِحةً بالحصاد وحبة القمح فرِحة جداً لأنها على موعد مع يد طاهرة، وكل الفضاء مكانه والنور الذي لم يكن لولا النظر، والنظر الذي كان بفعل النور والرغبة والجاذبية، وكل شيء لم يكن لولا وجود شيء آخر يكون أُسَّهُ، وإذا سألنا أين السلب والإيجاب ؟ فتجد أنَّ العملية عبارة عن تبادل أدوار بين الناس ونوم الناس، وربما كان النوم موتاً، وماذا لو كان الموت نوماً ؟ هو أيضا عبارة عن الحلم الذي كان يراودنا، فلماذا نغوي الأفعال، ألأن ذلك يجعلنا نقوم بفعل العزاء لأنفسنا أم أنها كلمات, كلمات وكلمات ؟ فيغدو هذا الشكل الطيب الخدَّاع الذي يبقى كالجسد يتقلب بين ظله وتظلله وبين البشاعة والمعجزة, تارة يُرعب من كُثرة سرعة الزوال وحيناً آخر يجعل اللب يُخلب من كثرة الظلال ويُخترع أجنحة تمنح مَن يشاهدها آفاقاً أو يُحلق بها مع طعم اللذة القصوى التي تلغي نكهة الرماد وتُنسي كل شيء إلا شيء واحد (رحمة النسيان) فننساب مع رحلة النسيان، ولا نعرف إن أصبحنا سراباً في فراغ ما أو ذاك الفراغ المضاء بنور العين. وقد نكون انعكاساً لكل ما يفوقنا ويُمَسِّكنا تلك المساحات المخيفة بين الكواكب التي تسمى فراغ الفراغ ؟. أليس هو أيضاً يشبه كل شيء ؟. هنا تجد الجواب، جواباً على ما نحتوي. ونتساءل ما الذي حَسَّسنا بالفراغ ؟ وكيف للحياة الجوالة بين الأوردة أن تُحس بالفراغ. ما هو الذي نملكه ويجود فينا إلى أكثر ما نحتوي عند العجز وعند البلاغة وكيف نشعر بأنه فقد التوازن وأخذ طريقه إلى السقوط. ونسأل ما هو الذي يسقط ؟. أهو ما في دمائنا، أم في خُلقنا، أم في فكرنا، أم ما في أنفسنا ؟. وعلى نحو بسيط تافه لا أكثر يمكن أن يكون هو العصب المتحسِّس بالوهم و أمراض الوهم، ونعيش ظلمة التظل حتى يحين وقتاً يأتي فيه أحداَ ما يأتينا بقبس من نور، أو إشراق من إيمان، أو جوهرة من حب، حتى نستطيع أن نتوارى عن الفراغ. وكثيراً يبدو الفراغ كأنه حضور ما لم يُفتقد. وقد يكون مَقعداً لحب ما في القلب، فيصبح الفراغ الرهيب البهيم السحيق الذي ينتظم به كل الكواكب ولم يبقى سوى الرغبة ونومها الأبدي عنَّا فنروح عنها وقد نقول غابت أو نامت الشمس التي كنا نحلم أن نعيش في ظلها أو ظل ظلها. وبعد كل هذا الفراغ وعدله والتحكم بظروف حياتنا التي تبدو وكأنها مساحات خالية من أهم قوانين الإنسانية، ونبدو نحن مثل أشياء تظلها العتمة، ولا تُبصِرنا أعين النور، ما دمنا نضع رؤوسنا تحت ذلك العتم الرهيب (الجهل)، ولا نعلم عنه شيئاً بجهلنا، وانعدام مقومات الحيوية في أفكارنا، وثقافتنا، والحقد المتبلور، والضغينة المحمولة في عقولنا، وقلوبنا، فنغدو نحن ذلك الفراغ العكس من الحياة، فدعوا قلوبكم وعقولكم تمتلك ثقافة الحب، وحب الحياة لنُلغي الفراغ، ونجعل ذلك المقعد في القلب لا ينتظر حبيباً يرفع الهم عن غاياتنا، لتبدو الغايات ناضجة مضاءة إلى مالا نهاية.