ولد فلاديميير مايكوفسكي في السابع من تموز عام 1893 في «بغدادي» وهي قرية في جيورجيا، ونزحت أسرته إلى موسكو حيث عاشت في أجواء الفقر والحرمان والقهر. أول شيء تعاطاه مع الإبداع كان الرسم، وفي عام 1911م انتسب إلى معهد الفنون الجميلة.
في عام 19088م في الخامسة عشرة من عمره انتسب إلى الحزب الاشتراكي الروسي واُتهم بكتابة البيانات، أطلق سراحه..أُوقف مرّة أخرى.. وقد أدين هذه المرة.
وأثناء الأحد عشر شهراً التي قضاها في السجن شرع يلتهم الأدب التهاماً فقرأ المعاصرين والكلاسيكيين. وعندما خرج من السجن عام 1910م وجد نفسه أمام معضلة. قال: كيف السبيل إلى أن أناهض هذا الاستيتك البالي؟).
بعد ذلك ساهم في أعمال جماعة سُميت (رواد المستقبل) التي أخذت تثير ضجة حول ماياكوفسكي مشيرة إلى أنه شاعر عبقري حتى قبل أن يكتب الشعر.
أكبر أفراد هذه الجماعة كان الشاعر الأوكراني بورليوك، قال له: (الآن أعدّ نفسك لتكون شاعراً)، وشرع ماياكوفسكي في الكتابة.
حيث عمد إلى تكسير البيت الشعري التقليدي معتمداً إيقاعاً جديداً للشعر الروسي، وتميّز بتوجهه في قصائده على عامة الشعب، مبتعداً عن النخبوية، ومقدِّماً نصاً بسيطاً غير معقّد.
وحصل على مكافأة عن أول قصيدة نظمها، وأطلق عليها «ثورة الأشياء». فحسن ملبسه المزري وأخذت له صورة كتب عليها بقلمه: «مايكوفسكي المستقبلي».
وكان شعره جديداً يسبح ضد التيار، ومليئاً بالتهجم على النمطية الاجتماعية والأدبية والفكرية. وطالما طاف أرجاء الاتحاد السوفييتي بعد قيام ثورة 1917، ليلقي شعره على الجموع المبهورة بشعره وجمال صوته. ومع ذلك فقد كان لمايكوفسكي أعداء يصعب حصرهم بعد أن شكلوا جبهة متحدة ضده، فلا هو أرضى اليمين ولا هو أرضى اليسار. أما المحافظون فقد حنقوا عليه لأنه كتب الأدب الروسي على غير طريقة بوشكين وتولستوي. وفي الوقت نفسه فإن المتطرفين اليساريين هاجموه لأنه لايزال ينظم الغنائيات في الشوق والغرام والوجدانيات، وهي موضوعات لا نفع فيها للطبقة العاملة التي كان مايكوفسكي مفتوناً بها، وهو القائل:
كلها لكم، كل أشعاري الجبارة المدوية لكم أيها العمال، أيتها الطبقة الزاحفة.
ومع هذا لم يمتنع عن الإشارة إلى أخطاء الثورة عندما دعت الحاجة، إذ كتب مسرحيتي (البقة، الحمّام) اللتين مُنع عرضهما في عهد ستالين لأنه يعرض للثورة بطريقة ساخرة.
ماياكوفسكي عرف كيف يشعل النار بكلمة، شاباً يافعاً حمل القلم فأدهش، وأول من أدهشهم فأعجبوا به، صديقته ايلزا زوجة الشاعر أراغون التي قالت..(كنت أتحدّث عن شعر ماياكوفسكي كلما سنحت لي مناسبة، وأجادل وأدافع عنه حتى بُحَّ صوتي، وأود أن أبرهن وأوضح – بكل مافي فتاة في السابعة عشرة من حماسة، تؤمن بأن الشعر هو مهمة الحياة الكبرى – عبقريته التي كانت مشرقة في نفسي.
وأنا التي لم أكن أستطيع أن أحفظ بيتاً واحداً من الشعر، استطعت أن أردد عن ظهر قلب صفحات كاملة لماياكوفسكي..كان المثقفون وعلماء الجمال يقولون بحقد صريح: إنهم لايفهمون من شعره شيئاً، مع أنهم يفهمون من شعره مافيه الكفاية ويفهمون أنه موجّه ضدّهم، وأنه واضح كقميصه الأصفر وأنه جدع لأنف البرجوازية).
ونتيجة شعوره بالظلم وسوء المعاملة، وحرمانه من السفر إلى باريس من قبل القيادة السياسية القديمة، في زمن ستالين،فإن مايكوفسكي يسكب في جوفه عدة كؤوس من شراب «الفودكا» ، ويوجه فوهة مسدسه إلى مكان الخافق المعذب: قلبه.
ويطلق رصاصة واحدة.. وكان ذلك في الساعة الثامنة من صباح 14 نيسان عام 1930، عن 37 سنة، تاركاً بجوار جثته رسالة كتبها في ليلة الانتحار جاء فيها: « إلى الجميع هأنذا أموت الآن.. لا تتهموا أحداً، ولا تثرثروا فأنا أكره الثرثرة. يا أمي ، يا إخوتي ، يا رفاقي، يا حكومتي ، أطلب عفوكم. إنها ليست طريقة للخلاص تناسب أحداً إلا أنا، فلست أوصي غيري أن يسلكها.. الحادث أصبح منتهياً وزورق الحب.. تحطم على صخور الحياة.. عيشوا سعداء».
إعداد : محمد عزوز