…..أمريــــــــــــكا لــم تـــــــــعد سيــــــــــدة العــــــــــــــــــالم……………
………………القوة العسكرية لم تعــد معيـاراً لفرض السيـطرة والوصـاية ………….
………………الحــــــروب الاقتصـــــادية هــي الحــــــروب القــــــــادمة…………..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالاستاذ محمد محسن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجميع يدرك أن ما تملكه أمريكا من قدرات تدميرية ، من قنابل بشتى صنوفها ـــ الهدروجينية ، والذرية ـــ ، ما يدمر العالم لمرات ، وكذلك روسيا الاتحادية ، وغيرهما من الدول ، حتى " اسرائيل " تملك قدرات تدميرية كبيرة ، ولكن بات من المستحيل على أي منها أن تستخدم سلاحها التدميري الشامل ، لأن الدولة المبادرة ستلقى نفس المصير ، كما وليس هناك من شخص أو حزب أو هيئة يمكن أن تتحمل وزر تدمير شعب بالكامل بعد اليوم ، فعصر " هيروشيما ، ونكازاكي " قد ولى إلى غير رجعة ، بل باتت هذه القنابل المخزنة عبءً مادياً وبيئياً على مالكيها ، لأنها بحاجة إلى صيانة دائمة ــــ رغم أن تملكها شر لابد منه ، لأننا لانزال في مرحلة توازن الرعب ــــ .
هذه القدرات التدميرية هي التي جعلت أمريكا في النصف الأول من القرن العشرين ، الدولة الأقوى في العالم ، والتي حققت لها الانتصار في الحرب العالمية الثانية ومكنتها من السيطرة على ثلثي العالم ، من خلال تلك القوة التهديدية الرهيبة .
.
أما اليوم فلم يصبح استخدام هذه الأدوات التدميرية الهائلة مستحيلاً فقط ، بل بات استخدام الصواريخ البعيدة المدى ، حتى والمتوسطة أقرب للاستحالة ، لعدة اسباب منها وأهمها أن الخصم سيرد ، في حال استخدامها من قبل المعتدي ، كما أن التشكيلة الرأسمالية الصناعية اقتضت تجميع الناس في مدن مكتظة ، مما يجعل مجموعة صواريخ حتى في الحروب الصغيرة ، ستوقع دماراً هائلاً ، لا قبل لأحد به ، فكيف بالحروب بين الأقوياء .؟؟!! .
لذلك استخدم سلاح الارهاب الديني في حربنا الدائرة الآن ، وفي جميع الحروب التي خيضت تحت شعار " الربيع العربي " ، لأنها استخدمت الانسان الوحش ، آكل الأكباد ، والذي يستخدم المدية في ذبح الانسان ، كما يستخدم النار في حرق الانسان الحي ، أو شي الرؤوس على النار ، بدلاً من الصواريخ البعيدة المدى ، إلا في حالات ضيقة جداً .
……….لذلك قلنا ونعود فنقول هذه الحرب هي آخر الحروب الكبيرة بين الدول ، قد تحدث مناوشات محدودة هنا وهناك ، ولكن لم يعد من الممكن تحمل تبعات أي حرب قادمة ، من اي شعب من الشعوب ، مهما فاقت قدرته التدميرية قوة خصمه ، لأن خصمه سيلحق به دماراً موجعاً أيضاً .
.
………………………………وسنضرب لذلك أمثلة ………………………………
فتهديدات أمريكا لكوريا الشمالية ، بات كلاماً مسروقاً من قاموس أمريكا العتيق ، عندما كانت لاتزال تفرض هيبتها على الدنيا من خلال قدرتها التدميرية ، فلقد استمرت كوريا الشمالية في تجاربها الصاروخية ، وأطلقت صواريخها " البالستية " تحت سمع وبصر أمريكا .
كما أن " اسرائيل " التي كانت تقطع ظهور جيوش المنطقة كلها ، ـــ طبعاً بمساعدة أمريكا ـــ حزب الله بات لوحده يقطع نياط قلبها . فكيف إذا ما أضفنا جمعاً ، طاقات ايران ، والعراق وسورية التدميرية ، ؟؟؟!!! هذا الحلف الذي بات متماسكا بقوة الضرورة ، والتماثل من حيث وحدة الخصوم ، ووحدة المواجهة ، التي قادت حكماً إلى المصير المشترك ، والترابط والتحالف السياسي ، والعسكري ، والذي يعتبر أهم هدية قدمها التاريخ للمنطقة ، لأنه سيلعب دوراً تغييرياً هاماً في موازين القوى في المنطقة .
حتى التهديدات الأمريكية للصين ، والتركيز المقصود من قبل الاعلام الغربي عليها ، وبأن المعركة القادمة ستكون في بحر الصين ، هو قول فارغ وليس له أي منعكس حقيقي على الواقع ، قد يقول قائل اذن لماذا تستعد الصين وتزيد من قدراتها العسكرية ، الجواب لأننا لانزال في زمن سباق التسلح ، ولو لم يعد من الممكن لأي دولة أن تتحمل تبعات الحرب وحجم دمارها الهائل كما قلنا ، وهذا التهديد والوعيد ينطبق على الحالة المتفجرة اعلامياً ، واستخبارياً ، بين أمريكا وايران .
.
لن تتخلى أمريكا عن عربداتها ، وعن تهديداتها ، ولكنها لن تذهب بعد اليوم إلى حرب كبيرة ، بل ستعتمد أسلوب الحروب الصغيرة ، من خلال زرع التناقضات وتنشيط حالات الاقتتال بين مكونات المجتمع الواحد ، والدولة الواحدة ، أي أنها ستعتمد على أجهزتها الاستخبارية أكثر من اعتمادها على قدراتها العسكرية الجبارة ، التي ستبقى تلوح بها ، ولكنها لن تستخدمها ، في حرب كبيرة بعد اليوم ، قد تستخدم صاروخاً هنا وعشرة هناك كما حدث في مطار الشعيرات ولكن …!!.
الحروب القادمة هي حروب بين تكتلات اقتصادية كبيرة متنافسة ، سيكون السباق بينها على مدى اللحاق في ما يقدمه مسار العلم المتصاعد والمتسارع ، وتثمير الفيزياء " الكوانتية " الحديثة في جميع المجالات الاقتصادية ، والسياسية ، وسيكون الانتاج العلمي هو المحرض والمحرك ، لكل الحروب التنافسية القادمة ، ومن المعروف أن المنتجات الصناعية الصينية قد غزت الأسواق الأمريكية ، لذلك كان من أهم القضايا التي طرحها الرئيس الأمريكي الجديد ترامب ، في أول خطاب له ، كان حول ضرورة اعادة الشركات الأمريكية إلى داخل الحدود الأمريكية ، لتواجه غزو المنتجات الصناعية الصينية للأسواق الأمريكية .
.
الزمن الجديد اصبح زمن التكتلات الدولية ، السياسية والاقتصادية الكبيرة ، وليس زمن الدويلات الصغيرة غير القادرة على حل مشاكلها الداخلية ، وغير القادرة على المنافسة الاقتصادية ، مما يجعلها دولاً تابعة بل ومستعمرة اقتصادياً ، فالاقتصاد المنافس والقوي ، يحتاج بالضرورة إلى شركات كبيرة قادرة على المنافسة ، وإلى سوق واسع لتصريف المنتجات .
لذلك بات على كافة الدول الصغيرة ، البحث واقامة تكتلات اقتصادية وسياسية كبيرة مع جيرانها ، للوقوف أمام الغزو الاقتصادي القادم ، من هنا جاءت أهمية التقارب بين سورية والعراق ، وغيرهما من الدول العربية ـــ مصر مثلاً ـــ وليس هذا الاحتمال ببعيد عن الأردن ، بعد التحولات المنتظرة في ذلك البلد وغيره ، من دول العدوان ، والذي أصبح هذا التقارب من ضرورات مواجهة التطرف الديني ، وجميع الحركات الانفصالية ، كما ويتطلبه الواقع الاقتصادي المتشابك ، والمنافسة الاقتصادية ، فسورية ستكون المنفذ الأقرب على البحر الأبيض المتوسط لنفط العراق وتجارتها ، كما وستكون العراق العمق الاقتصادي ، والجغرافي ، والسياسي ، لسورية ، حتى بات طرح الكونفدرالية بين دول المنطقة غير العربية أيضاً مطروحاً .
.
وبالمناسبة يمكن أن نعرج على مطالب بعض الأكراد الشوفينيين ، المتعصبين ، الحاقدين ، الأغبياء ، المطالبين بالانفصال عن العراق وسورية ، والذين انجرفوا في لجة " الربيع العربي الأسود " والذين ظنوا أن أمريكا ستحضنهم إلى يوم يبعثون ، بموقفهم الأرعن هذا يكونوا قد وقعوا في سوء تقديرهم ، فمن جهة ستتخلى عنهم أمريكا عند أول مفترق ، كما وأن واقعهم الديموغرافي والجغرافي الضيق ـــ بحجم كانتون صغير ـــ والمعزول جغرافياً في العراق ، والمتقطع ، والأقلوي في سورية ، لا يسمح لهم ابداً بالعيش في منعزلاتهم ، فكيفي أن تغلق الدول الأربعة ، المحيطة " بالكانتون " مجالاتها الجوية حتى يختنقون .
.
الحروب القادمة ستكون بين تكتلين اقتصاديين كبيرين ، بين تكتل دول " البركس " ، ومنظمة " شنغهاي " بقيادة روسيا والصين ، وبين دول الحلف الأطلسي بقيادة أمريكا ، وليس مستغرباً أن تنضم بعض الدول المحسوبة على الغرب إلى المعسكر الاقتصادي الشرقي ، الفارق الجوهري بين المعسكرين الاقتصاديين أن الأول تكتل شاب ونامٍ ، وغير استعماري ، بينما التكتل الآخر بنى حضارته من دماء وعرق الشعوب التي استعمرها ، ثم بدأ يشيخ ، وبخاصة بعد أن استولت أمريكا على الأسواق الأوروبية ، على مساحة الشرق الأوسط كله .
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا فضلاً عن أن الكثير من دول الشرق الأوسط ، التي تنام في الخندق الأمريكي ، وبعد سكوت المدافع في المنطقة ، ستخرج من تحت العباءة الأمريكية ، وستغير مواقعها وأدوارها بحكم الضرورة ، وبحكم خسارتها للحرب التي ستتحمل أوزارها ، أمام شعوبها أولاً ، وأمام الشعوب التي ساهمت بتدميرها ، وأمام شعوب العالم التي دمغتها بدمغة الارهاب الديني ، بما فيها تركيا العثمانية الجديدة ، وستحدث تبدلات دراماتيكية منتظرة ، وستعقد تحالفات جديدة ، لأن الظل الأمريكي الثقيل سينقشع تدريجياً عن المنطقة ، وستتمكن شعوب المنطقة لأول مرة منذ قرون ، من تنفس نسائم الحرية ، ومن مسك طريقها التطوري المستقل .
…….نعم ستغير هذه الحرب العالم ، لأنها ستنقله من مرحلة تاريخية ، كان شعارها السيطرة على العالم بفعل القوة العسكرية ، إلى مرحلة التنافس الاقتصادي ، الذي سيكسر مبدأ الاحتكار العلمي ، والاقتصادي ، الذي كانت تستغله دول الاستعمار الغربي بتوحش .
ــــــــــــــــــــــــــــ دراسات من التحالف الشعبي للتنمية الديموقراطية ـــــــــــ