والحلم الأبيض شحب لونه …
/
![](/userfiles/987.jpg)
انتهى زمن البساطة والكلام الجميل وما كانت تردده الأغاني العاطفية (عشيني زيتون وغديني بطاطا) لم تعد سارية المفعول فالزيتون والبطاطا باتو مطلب يعجز الكثير عن اقتنائه وأصبح تأمين لقمة عيش كريمة في الحدود المتوسطة الهم الأول فيما تراجع كل ما عدا ذلك عن قائمة الاهتمامات وتم ترتيبه في ليستة الكماليات أو الامنيات المستقبلية .
فلم يتوقف الامر عند الاكل والشرب حيث حرقت أجارات الأسعار الكاوية ميزانية المواطنين ممن تهجروا في ظل الازمة الحاصلة بل وتجاوزت عند البعض حدود الراتب ولمت شمل الأقارب حين التجأ العشرات لحل المشكلة بالسكن مع اكثر من عائلة في بيت واحد وتقاسم الأجرة الشهرية .
بينما تصدرت مقولة (يلي ماعندو قديم ماعندو جديد) كمبدأ في كل بيت أمام أسعار الثياب الخيالية والتي لم يعد في المستطاع اقتنائها حتى في الأعياد أو المناسبات وبات العيد الحقيقي هو شراء كسوة كاملة وبسعر معقول . واصبح المواطن أكثر تشبثا بما يملكه من ثياب قديمة واستخدامها حتى أخر رمق قبل التفكير بزيارة الى السوق .. دونا عن المصاريف الأخرى من كهرباء وماء وهاتف ان وجد .وأجارات الطريق التي حاصصت المواطن النصف بالنصف والأدوات المدرسية لمن لديه أطفال والحليب والعديد العديد من الأشياء التي لاتنتهي .
وجميعها اجتمعت لتشعل إشارة ضوئية حمراء امام كل من يفكر بالمسير اتجاه الزواج الذي تحول من مفهوم استقرار الى دمار فعلي لحلم كل شاب وفتاة , حيث أكدت الاحصائيات أن نسبة الزواج انخفضت حوالي النصف بعد عامين من اندلاع الازمة وبعدما كان الزواج يمثل السقف الأعلى للشباب السوري تغيرت الأولويات .اسرار تابعت الموضوع عن كثب وسمعت اراء الشبان والشابات وكان لنا مايلي
![](/userfiles/2178.jpg)
اختفاء عنصر الذهب في عقد الزواج واستبداله بالمقلد
شكل ارتفاع أسعار الذهب عائق حقيقي بوجه المقبلين على الزواج باعتباره كان احد العناصر المهمة في مشروع الزواج فهو حق تنازلت عنه الكثيرات واستبدلنه بالمجوهرات التقليدية .
تقول فاطمة في السابق حين تزوجت اقتنيت 3 اساور من الذهب وخاتمين وعقد لكن الان اصبح شراء كل ذلك أمر شبه مستحيل أمام دخل الشباب المحدود ومتطلبات الحياة مما دفع الفتيات يتنازلن عن عنصر الذهب باقتناء خاتم فقط وحتى أن اخريات يستبدلنه بالذهب الروسي او البرازيلي .لقد تغيرت الظروف ولم تعد التقاليد المتبعة قديما تصلح لهذا الزمن ولمن يريد أن تبقى ابنته بلا زواج فعليه أن يتطلب . حيث لم تتوقف القصة عند الذهب وحسب فهناك فرق ملحوظ جدا في انخفاض المهر لدى الشابات . ريم فتاة مقبلة على الزواج تشير ان زوجي موظف وجميعنا نعلم ان ما خسرناه خلال تلك الازمة قد أعاد عائلات كثيرة لتبدأ من الصفر وامام هذا فمن المستحيل وليس بمقدروه شراء الذهب لي لا وبل تخطى ذلك تخفيض المهر وتسجيله غير مقبوض لحين اخر .
سامر صاحب محل ذهب اخبرنا عن التراجع الواضح في شراء الذهب لدى المقبلين على الزواج ويقول على العكس اصبح عدد المترددين لبيع مالديهم من قطع اكثر من الراغبين في الشراء . لقد غدا الذهب حاضرا فقط في محلات الصاغة وبال الشباب .وحقا بات الزواج في ظل ذلك كالحج لمن استطاع اليه سبيلا .فقلة قليلة من الناس بقيت قادرة على تحمل عبئ شراء الذهب وشكل هذا جمود في حركة السوق فقد تجاوز سعر غرام الذهب 18800ليرة سورية لعيار 21 قيراط فمن هذا الذي سيفكر بشرائه .
_(مجنون يتزوج وعاقل يشجعه
)
كان هذا راي الشريحة الأكبر من الشباب الذين عارضو فكرة الزواج من جذورها في الوقت الحالي يقول د.محمد نسبة المقبلين على الزواج في ظل هذا الوضع الراهن من غلاء معيشي باتت ضئيلة وحقا لايقدم على هذه الخطوة الا كل مجنون وعاشق اذا ما أراد أن يحفظ ماء وجهه بالحدود المتوسطة على الأقل لتامين حياة كريمة لزوجته ولكن ما نشاهده لا يشجع على ذلك ولا يدفع احد للمبادرة والتقدم للخطبة رغم انخفاض نسبة المهور ولجوء العائلات لاستبدال الذهب بالمجوهرات التقليدية لكن رغم كل تلك المحاولات مازال هناك عجز حقيقي امام هذه الخطوة فليست المشكلة بالذهب فقط بل تعدت الى ملبوس العروس فمشكلة التجهيز والملبوس تساوت مع الذهب بحجم ثقلها فكل شيء في ارتفاع و100 الف كانت في السابق تشتري جهاز لعروس كامل بينما الان لا تغطي سوى قسم فقط من المشتريات . ومن يتجرا ويدخل القفص الذهبي لابد ان يعتم على قفصه بالاستغناء عن المظاهر المبهجة التي كانت تمارس سابقا بالاستغناء مثلا عن استئجار صالة اعراس واستبدالها بحفلة صغيرة في المنزل مع المقربين جدا من الأقارب والاصحاب باعتبار أن الضيافة وارتفاع ثمن الحلويات أيضا كان عائق فرعي اخر ولن تستطع العروس الاحتفاظ بثوب زفافها بعدما لجأت معظم الفتيات أيضا لاستئجار الثوب وتوفير القليل من المال رغم أهمية الفستان الأبيض بالنسبة لهن .
_(ازمة عقارات وأجور سكن فوق الخيال
ولعل العنصر الأبرز والأخطر في ما ذكرناه ويستدعي التوقف مليا ( السكن ) وهو المطلب الرىيسي والأول للمقدم على الزواج ولكن كيف ذلك يقول يزن ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل كبير وهي في تزايد مستمر يفوق طاقة المواطن وراتبه الوظيفي وحتى ان حال الموظف احسن من حال العمال في القطاعات الخاصة حيث لاتوجد زيادات إضافة الى انخفاض في الأجور ولا توجد مصادر دخل أخرى للدخل سوى بعض تحويلات المغتربين لاهلهم في الداخل . وامام من يقدم على فكرة الزواج حاليا ان يعمل هو وزوجته ولن يكفي ولن يستطيعو سداد سوى اجرة البيت فقط . والنتيجة من اين سنعيش هذا ولم نفكر بانجاب الأطفال بعد .
في جانب اخر برر أصحاب المكاتب العقارية سبب ارتفاع الإيجارات للطلب المتزايد ونتيجة ارتفاع الأسعار الكبير فقد بلغت اجرة المنزل الصغير غرفة وصالون في المناطق العشواىية والمخالفات وفي الريف بين ال30 ال 40 الف اما في المناطق المنظمة في العاصمة دمشق فعليك التحدث من ال50 ومافوق ووصلت في بعض المناطق الى 100 و150 الف .. بحسب المنطقة والبيت وعدد الغرف وقد تأوي هذه البيوت اكثر من عاىلة فمنزل من غرفتين قد ينقسم غرفة منامة للذكور و أخرى للاناث . فكيف لعازب ان يتزوج في مثل هذا الوضع ..
ومن هذا الباب استغل أصحاب النفوس الضعيفة والجشعة حاجة الناس والطلب على الايجار
فكثير ما نجد منازل مؤجرة على ( العظم ) أي من دون اكساء ومن دون نوافذ وابواب ومؤجرة بمبالغ مابين العشرين الف والثلاثين لا وبل أصبحت مشهدا مالوفا ان نرى تلك الشقق مسكونة وقد اغلق سكانها النوافذ والابواب المفتوحة بالنايلون وستائر القماش . وهناك أيضا الكثير من المنازل المؤجرة غير صالحة للسكن من جهة الفتحات التي تحتويها ومن جهة أخرى كونها غير مجهزة بمطبخ وتمديدات صحية .. وحتى وصل الحال بإحدى المؤجرين لتأجير (قن دجاج) على اسطوح منزله لرجل وزوجته .. يقول أبو محمد هذا ما ترونه غرفة غير مخدمة بشيء صالحة للنوم صيفا فقط . لا تتجاوز المتر ونصف في الطول والعرض ولكن الحال والحاجة أحالنا الى ذلك مع العلم انني متزوج منذ ثلاث سنوات ولا انصح بالزواج أبدا في ظل تلك الازمة .. فما أوصلني الى هنا هو تحكم اصحاب العقارات بنا فالمؤجر قادر على التحكم والتسلط ومتى يشاء يرفع الاجار ونبقى في الشارع .
لعل تلك الفوضى خلقت معاناة لذوي الدخل المحدود وخلقت فوضى عامة بين فئات الناس جميعها وتحديدا المقبلين على الزواج.مما زاد الهوة الاجتماعية والطبقية وجعلت القدرة على الاستمرار في الحياة أو بدء حياة جديدة وتكوين عائلة جديدة تزداد صعوبة يوم عن يوم خصوصا لدى الطبقة الفقيرة والذين بلغت نسبتهم اكثر من 75 بالمئة .
_الرأي القانوني : ا(نخفاض في المهور وارتفاع نسب الطلاق )
في ذلك كان لنا وقفة مع الأستاذة المحامية رؤى خليل حيث تقول :ان الغلاء المعيشي كان له تأثيره على كافة الأصعدة وأخطر وأهم تاثير سلبي وخطير هو المواطن والذي يعتبر النواة الحقيقية للمجتمع والمحور الرئيسي لتكوين الاسرة والاسرة هي المحور الأساسي الذي يقوم عليه المجتمع والاسرة السليمة تؤدي لمجتمع سليم والعكس, و هذا الغلاء المعيشي وارتفاع سعر الذهب في هذه الحرب الضروس التي تعاني منها بلدنا اليوم انعكس بشكل سلبي على المواطن على كافة الأصعدة نبدأ بها من الزواج فحالات الزواج كثيرة اليوم وتشمل جميع الفئات والاعمار من عمر ال14ر سنة وحتى ال40 للانثى لكن الذي يلفت الانتباه أن حالات الزواج التي نصادفها بشكل يومي بقاعات المحكمة بسبب عملنا كمحامين موضوع المهر . فالمهر الذي يكتب في عقود الزواج قليل جدا بالنسبة للأسعار التي نعاني منها اليوم وهذا برأيي ليس دليل على قناعة , انما هذا ما جرته الأزمة من ويلات علينا أدى الى تفكك المجتمع . تتزوج الفتاة القاصر باقل المهرين من باب تخفيف الحمل على الشاب وبعد شهرين من انتهاء شهر العسل ووقوع الفأس بالرأس تكتشف الزوجة ويكتشف الزوج أن هذا الزواج فاشل أو غير متكافئ وتبدأ رحلة المعاناة والمخلافات حتى يصلان الى الطلاق ولا تكون الزوجة قد تزاوجت سن المراهقة وسببت بقدوم ضحايا على المجتمع بطفل أو أكثر . فما يجري فعليا ان حلالت الزواج مستمرة حقا لكن بمهر قليل جدا وتنازلات كبيرة تؤدي غالبا فيما بعد لعدم استمرارية الزواج .. ونوهت أيضا أنه في ظل تلك الازمة استغنى اغلب الناس عن انسانيتهم وآدميتهم وتجاوزو حدود الله والتي لاتتطلب من الانسان اكثر من طاقته ليرضي الله وضميره ليس أكثر من أن لاتزني ولا تكذب ولا تسرق الخ. فمن التزم بحدود الله عاش حياة كريمة .. وفي ظل هذه الظروف الغير طبيعية ازدادت نسب الطلاق كأحد مفرزات الواقع الجديد . فمن عام 2015 تجاوزت حلالت الزواج 33082 .. والطلاق 7028 هذا لايعني ان نسبة الطلاق قليلة بالنسبة للزواج ولكن حالات الزواج كثيرة . انتقلت من نسبة 21 % ل25
_(هجرة وهروب من المسؤولية)
فئة من الشباب لم تجد حلا بالنسبة لها سوى الهجرة فيقوم الشاب بخطبة فتاة ثم يتركها ويسافر الى مالم يعلم احد به وتبقى العروس المنتظرة تنتظر (فرج الله) فيما تزوجت أخريات وسافرن دون النظر لوجه العريس سوى عبر شاشة الكمبيوتر وكان المقابل صفقة زواج وحدها وقعت ضحيتها ..
في ختام القول تعددت الأسباب ويبقى السبب الاقتصادي متصدر رغم ما ذكرناه من انخفاض في متطلبات الزواج من مهروتكاليف وغيره لكن مقارنة بما كان قبل الازمة ومع الارتفاع الذي نشهده الان ومع معادلة قيمة المردود المادي ماقبل ومابعد نجد أن الزواج خرج فقط من دلف التقاليد الى مزراب الأسعار.
نور عباس …