( ا : د . محمود السيَّد ) :
( علينا أن نتجنَّب تفكيك عرى الأمَّة ، وننظر إلى التراث نظرةً نقديَّةً موضوعيَّةً ، لتعزيز الإيجابيَّات وتلافي السلبِّيات )
أكَّد الدكتور محمود السيد وزير التربية الأسبق، ووزير الثقافة الأسبق، والأستاذ الجامعيِّ، ورئيس لجنة تمكين اللغة العربيَّة، ومدير الموسوعة العربيَّة حالياً، أنَّ التراث العربيِّ يحمل جانبين، أحدهما جانب مضيء وآخر سلبيٌّ فعلينا أن نظهر الجوانب المُضيئة في تراثنا ونُعرِّف الآخرين بها، مشيراً إلى ضرورة غربلة هذا التراث، ووجود نظرةٍ نقديَّةٍ موضوعيَّةٍ تساعد الأجيال على التوجُّه المستقبليِّ نحو الأفضل، ولا بدَّ من التعرّف على سلبيَّات الواقع وإيجابيَّاته، والعمل على تعزيز الإيجابيَّات وتلافي السلبيَّات.
وقال الدكتور السيَّد في حديث لموقع القيادة القومية للحزب على الشبكة : إنَّ كلَّ الاختراقات التي تحاول ، أن تنال من الهُويَّة العربيَّة تدفعنا للتمسُّك بهُويَّة أمَّتنا وعروبتنا، والتفكير العلميِّ العقلانيِّ، واستبعاد التفكير السلبيِّ، والأخذ من تراثنا ما يتلاءم ويتناغم مع أصالتنا وقيمنا؛ فنحن في مؤسساتنا التربويَّة نرمي إلى هندسة الإنسان أو بناء الإنسان،وأن يكون البناء متوازناً فكرياً ومتطوراً من كلِّ الوجوه حتَّى نصل إلى تنشئة جيلٍ وطنيٍّ متمسكٍ بقضايا وطنه وحقوق أمَّته، ومحصنٌ ثقافيَّاً وعلميَّاً من الاختراقات والغزوات الثقافيَّة الخارجيَّة، وشدَّد الرفيق السيَّد في حديثه عن العمل التربوي للجيل على ضرورة التركيز على التعلُّم الذاتيِّ للمتعلِّم والتوقُّف عند رغباته واهتماماته، ومواكبة روح العصر وتجاوز التخلُّف، ومحدوديَّة التفكير.
تعزيز القيم الوطنية حافز لبناء المستقبل
السؤال الأوَّل : لقد شهدت العقود الأخيرة من القرن الماضي أحداثاً متلاحقة، وتطورات سريعة جعلت عملية التغيير أمراً حتمياً في معظم دول العالم، مما جعل الاهتمام بتعزيز الوحدة الوطنية أمراً في غاية الأهمية في عصر اتسم بالتغيير، وقد استحوذ هذا الأمر على عناية المفكرين والعاملين في الحقل التربوي، ولاسيَّما في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذي اتسم بإحلال منظومة قيمية وقواعد سلوكية جديدة، تعكس تنامي العنف، وتفكك العلاقات، وتشابك المصالح. كيف تقرؤون هذا الواقع وما كيفية انعكاسه على المجتمع العربي ؟الدكتور السيد: في تقديري أنَّ المجتمع العربيِّ واحدٌ من المجتمعات التي تنعكس عليها التغييرات العالمية، والعصر الحالي الذي نعيشه اليوم هو عصر التدفق المعرفي والتفجر السكاني والعنف، والتفكير الذي لا يحترم القيم المعنوية، وقد غلبت عليه القيم المادية والمصالح، كما نلاحظ غياباً واضحاً للمنظومة المعنوية للقيم، وهذا ما أدى إلى ازدواجية المعايير، وهيمنة حقَّ القوَّة لا قوَّة الحق، وسادت شريعة الغاب، وغاب الحوار، وغابت المحبة والقيم الإنسانية والسمو نحو الخلق والخير والجمال، وانعكس ذلك على واقعنا العربي في إطار التأثير و التأثر، كما وجدنا ذلك على صعيد وطننا العربي أن ثمة دعوة دعا إليها المفكرون منذ مطلع القرن الماضي. وفي هذا العقد ندعو إلى الوحدة الوطنية وتعزيز القيم الوطنية والتغني والاعتزاز بتراث أمتنا ليكون حافزاً لنا نحو الأفضل وبناء المستقبل، لكن هذه الروابط التي دعا إليها المفكرون ورجال النهضة تم اختراقها في ظل العولمة وللأسف هذا ما عانينا منه.
التمسك بالهوية العربية بقاء واستمرار لأمتنا
السؤال الثاني : في السياق نفسه الذي تتحدث فيه عن العولمة نريد أن نسأل إذا كانت العولمة قد فرضت وجودها على مختلف الصعد كما تقول، ما ملامح العولمة التربوية وما سبل مواجهتها وكيف لنا أن نوظف المرتكزات الفاعلة في نظامنا التربوي لترقية المشروع التربوي العربي؟.الدكتور السيد: نحن أمة لها تاريخها ولها حاضرها بمشكلاته وتحدياته، ونمتلك نظرة مستقبلية، وفي كل خطة تربوية وفي كل إستراتيجية تربوية لا بد لنا من أن ننطلق من الواقع، ونتعرف على سلبياته وعلى إيجابياته، ونعمل على تعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات، وأن نتعرف على الصعيد العالمي على الاتجاهات السائدة، ونأخذ منها ما يناسب قيمنا وأصالتنا، ونتجنب كل ما يعمل على تفكيك عرى الأمة، ولدينا العديد من الركائز التي يجب أن نعتمد عليها.
التراث العربي الذي نحمله له جانبان: أحدهما جانب مضيء وآخر سلبي، ولا بد لنا من إظهار الجوانب المضيئة في تراثنا، وعلينا أن نعرّف الآخرين بها على الصعيد العالمي، ولا بد لنا من امتلاك نظرة نقدية موضوعية لغربلة هذا التراث، فليس كل شيء فيه يُعدُّ صالحاً للبقاء، وليس كل ما ورد فيه يجب الأخذ به، علينا التمسك بما يعيننا على مواجهة تحدياتنا الحاضرة وتوجهاتنا المستقبلية، وعلينا استبعاد السخافات والتفكير السلبي وغير العلمي وغير العقلاني.. ففي تراثنا أمور غير عقلية علينا استبعادها، علينا التمسك بالعقلانية بما يتوافق مع العقل ويساعد على مواجهة مشكلاتنا الحاضرة، ويساعدنا على التوجه المستقبلي نحو الأفضل ونحو البناء، ولا بد لنا من الأخذ بكل ما يتلاءم ويتناغم مع أصالتنا وقيمنا، ولدينا قيم لا بد من التمسك بها والدفاع عنها والمحافظة عليها وتعزيزها، وأكبر مثال على ما أقول قيمة العروبة فهي ليست رداء نلبسه ونخلعه متى نشاء وساعة نشاء، هي كياننا، هي هويتنا، ويجب علينا التمسُّك بها على الرغم من كل الاختراقات التي تحاول أن تنال من هذه الهوية العربية، لا بد لنا من أن نبقى متمسكين بها لأنها البقاء والاستمرارية لهذه الأمة، وعلى الرغم من النكبات كافة ظلت أمتنا صامدة في هذا العالم المتغير والمتبدل.
نسعى إلى بناء الإنسان بناء متكاملاً العلم بلا ضمير خراب للنفس
السؤال الثالث : في ضوء هذه الظروف نحن بحاجة إلى تفعيل عمل المؤسسات التربويَّة فما دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تنشئة جيل وطني مؤمن بقضايا وطنه وأمته وفي دعم المناهج التربوية القومية؟. وما أهم التحديات التي تواجه دور هذه المؤسسات في تنشئة الجيل الوطني؟الدكتور السيد: المؤسسات التربوية هدفها بناء الإنسان وتربية الجيل، وهي ليست موجودة في قارة منعزلة؛ فهي تتبادل التأثير والتأثر مع النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وكلّ الأنظمة التي تؤثِّر في النظام التربوي، ولا بد لنا من أن نعتمد على التناغم بينها ليكون بناء تلك المؤسسات بناء حضارياً، وإذا لم يكن هناك تناغمٌ سنجد أن ما نبنيه من طرف سيتعرض للهدم من الطرف الآخر أو من الأطراف الأخرى، ونحن في المؤسسات التربوية نرمي إلى هندسة الإنسان أو بناء الإنسان كما يطلق على هذه العملية في الأدبيات الروسية، فكما نبني البناء نبني الإنسان، وينبغي أن يكون البناء متوازناً ومتكاملاً ومتطوراً من كلِّ الوجوه، بمعنى أن يكون البناء اجتماعياً وعاطفياً وإنسانياً وفكرياً وقيمياً من الجوانب كلّها فيجب توافر التناغم والانسجام في شخصية الإنسان؛ لأن التركيز على جانب دون آخر لن يحقق الهدف المطلوب، ولن يكون البناء متكاملاً من الناحية التربوية، وقد تجد أحياناً على سبيل المثال إنساناً متميَّزاً في تحصيله العلمي لكنه مخفق من الناحية الاجتماعيَّة وقد يكون مبدعاً في الجانب الفكري لكنه مخفقٌ في الجانب الوجداني، فالعلم بلا ضمير خراب للنفس، ولا بد من التوازن والتكامل في بناء الإنسان ليكون جديراً بخدمة أمته ومواكبة روح العصر
التركيز على التعلُّم الذاتي
ولا بدَّ من التركيز على التعلُّم الذاتي، لأننا انتقلنا من التعليم إلى التعلم، وعلينا التركيز اليوم على المتعلم نفسه والتوقف عند رغباته واهتماماته وتلبية تلك الحاجات ليتجاوز المطبات التي تحيط به والتي ستؤدي إلى الهدم، فالتعلم الذاتي لا بد من التركيز عليه لأنهالركيزة الأساسية في عصر تدفق المعلومات والمعارف، وعلى الإنسان أن يواكب روح العصر ليتجاوز التخلف ومحدودية التفكير، وهنا لابد من التركيز على أساسيات المعرفة، والسؤال هنا كيف نتعرف على هذه الأساسيات ؟ نتعرف عليها عندما استخدمنا ما في واقع الحياة، فما استخدم في واقع الحياة بكثرة يعدّ أساسياً، أما ما لم يتم استخدامه بكثرة فيعدُّ غير أساسي وهامشي.
وينبغي أن نركز في واقع الحياة على مناهجنا التربوية سواءً في العلوم المختلفة أو في الرياضيات ونعدله بما ينسجم مع أساسيات الحياة . ولابد لنا من أن نتعرف على المتعلم نفسه ومعرفة رغباته، ولابد من معرفة المجتمع الذي يتفاعل معه ذلك المتعلم، المجتمع في ثقافته الماضية والحاضرة والمستقبليَّة والتحديات التي يتعرض لها كل ذلك لابد من معرفته وبناء المناهج وفق هذه الأعمدة التي أشرت إليها. هنا تكون تربيتنا على أسس علمية وعندها يمكننا تطويرها في ظل المستجدات والاتجاهات العالمية ونكون قد وقفنا على أرض صلبة، ولابد لنا من التركيز حينها على التربية المستقبلية، ففي الصعيد العربي وفي تربيتنا العربية نجد أن الماضي يسيطر على الحاضر وعلى المستقبل، فنحن نتغنى بالماضي دون الاهتمام بالمستقبل، وهنا أـقول: خير الناس ذو حسب قديم أقام لنفسه حسباً جديداً.
ونجد في حياتنا المعاصرة أناساً يتغنون بالماضي ولا يقدمون أي شيء لخدمة المجتمع، وعلينا التركيز على العقلنة فما يوافق العقل نتقبله وما يخالفه نستبعده، ولا يجوز تقديس التراث بل يجب امتلاك نظرة عقلية موضوعية وتربية أجيالنا على هذا الأساس. علينا نبذ كل السخافات واستئصال كل ما يخالف مستقبل أجيالنا وتطوير العمل وفق أسلوب التربية المعاصرة و الحضارية. وهنا لابد من التركيز على فكرة هامة وهي التربية على المواطنة لمواجهة التحديات، فمثلاً أنا قدمت للجامعة الافتراضية دراسة عن الثقافة العلمية، ونحن بأمس الحاجة إليها اليوم وفي عصرنا الحاضر حتى نستطيع مواجهة ذلك الفكر والتفكير الإرهابي الذي نتصدّى له، وأشرت إلى الإبداع والتعلم الذاتي والتفكير والانفتاح ومرونة التفكير واحترام الرأي الآخر ومقارعة العقل بالعقل، والمنطق، بالمنطق والحجة بالحجة، وهذا يؤدي إلى التقدم ومواجهة المشكلات بالأساليب العلمية، ويستوجب وجود سلوكيات مطلوبة كممارسة الأمانة واحترام العمل واحترام الآخرين والعمل معهم كعضو في الفريق، وخصوصاً أننا نشكو في مجتمعنا من تضخم الأنا والأنانية وغياب التناغم في العمل كما يجب الاعتزاز بالموهبة وتنمية المواهب والعمل التطوعي والإقبال على الحياة على الرغم من كل ما نعانيه لأن البقاء للأمة، والأمة سبق وإن مرت بالكثير من الأخطار والمحن وتجاوزتها.
السؤال الرابع : يقوم التحصين الثقافي على التفكير الناقد والثقافة العلمية وتقوية الناشئة تجاه ما ذكرت فما هي سبل التحصين الثقافي لجيل الأمة، وكيف يمكن تمكين ذلك الجيل والانفتاح على قضايا الوطن والأمة؟الدكتور السيد: علينا تربية المواطن على ثقافة أداء الواجبات قبل أخذها وللأسف هذا ما نعانيه في مجتمعنا، إذ نركز على الحصول على الصلاحيات والامتيازات دون أداء الواجبات فلا يكفي أن نعلن حبنا للوطن، ولا يكفي أن نؤكد معرفتنا بتاريخ الوطن وجغرافيته ومعرفة كل شيء يتعلق به. المسألة تحتاج إلى جملة من المشاعر كالحرص على الوطن والمشاركة والغيرية ومساعدة الآخرين، والتطوع لخدمة الوطن لابد من الترابط ما بين السلوك والممارسة والأداء، لابد من الحرص على ممتلكات الوطن والحرص على كل ما من شأنه أن يظهر الوطن بصورة مشرقة وجميلة. وعلى المبادرات الإيجابية، وعلى العمل التطوعي والتربية على الأسلوب العلمي ومعالجة المشكلات بأسلوب علمي. وهذا مايُشير إليه الحديث النبوي الشريف الذي يقول: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". ولابد أن تستند التربية إلى تماسك المجتمع واستثمار الوقت، فنحن نقضي الكثير من أوقاتنا في أمور لا تبني الوطن ولا تحقق مصالحه ولا تقدمه. ولبناء التحصين الثقافي العلمي لابد من وجود التفكير الناقد والثقافة العلمية وتقوية الناشئة وتعويدهم على القراءة منذ نعومة أظفارهم، لأننا نشكو من العزوف عن القراءة على الصعيد العربي. ولابد من التركيز على القدوة والمثل العليا؛ لأنَّ التركيز عليهما يمكن أن يكون نموذجاً للآخرين. ولابدَّ من الترابط بين النظري والعملي لتحقيق الأهداف أي بين الممارسة والدعوة، وبين القول والفعل، فما أبشع الخلاف بين القول والفعل، فكيف لأحد على سبيل المثال أن يمنع التدخين وهو يدخن.السؤال الخامس: ما دور وسائل الاتصال والإعلام في خدمة الأهداف التربوية والتعليمية لتحصين جيل الأمة؟الدكتور السيد: إنَّ النظام التربوي يجب أن يتناغم مع النظام الإعلامي حتى تتحقق الأهداف والغايات التربوية المرجوة. وإن وجود هوة بينهما يمنع تحقيق الأهداف فنحن على سبيل المثال في العملية التربوية التعليمية نصرُّ على استخدام اللغة العربية السليمة لكننا في النظام الإعلامي نجد المسلسلات بالعامية، والحوارات واللقاءات بالعامية والأخطاء اللغوية تتردد على مسامعنا بشكل يومي، لابد هنا من تلافي الكثير من الأخطاء الشنيعة التي تتردد على ألسنة المذيعين والمذيعات على شاشات التلفاز، ولابد من التمكن من اللغة العربية ففي بريطانيا على سبيل المثال عندما يختلف الناس حول شيء ما ينتظرون المذيع حتى يصحح الكلام وما نعانيه أكثر هو استخدام كلمة عربية وكلمة عامية وكلمة أجنبية فأحياناً في الكثير من الحوارات التي نشاهدها وهذا يشكل مشكلة هامة تنعكس على أجيالنا، كذلك نجد الإعلانات واللافتات المنتشرة في الشوارع تحوي على الكثير من الأخطاء اللغوية الشنيعة وهذا يستوجب تلافيها فليس هناك أثمن من اللغة الفصيحة وهي تتعرض اليوم للظلم إذ تأتي المسلسلات لتغرقنا في العاميات، ونحن ندعي أننا نخدم لغتنا وأمتنا، ونحن بالحقيقة نخربها بأيدينا ونحن في سورية قدوة في هذا المجال ومهمتنا المحافظة على اللغة العربية والدليل وجود مجمع اللغة العربية منذ عام 1919 لكن العولمة اخترقت كل شيء ووصلت إلى ثوابتنا التي نعتز بها. وهنا لابد من استنهاض دور الإعلام في ترسيخ اللغة العربية السليمة والمحافظة عليها وتعزيز وجودها.السؤال السادس: باعتباركم تشغلون الآن مدير الموسوعة العربية التي تعد إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل فما الإنجازات التي جرت فيها، وما خطَّة الإدارة في رفع نشاطها وتعزيز دورها؟الدكتور السيد: الموسوعة العربية درة في ثقافتنا العربية المعاصرة والفضل في ذلك يعود إلى مؤسس سورية الحديثة القائد الخالد حافظ الأسد فقد أحاط المؤسسة بكل رعاية واهتمام، والأهداف التي وضعتها هذه الهيئة هيئة الموسوعة العربية هي تقديم موسوعة عربية بأقلام الباحثين العرب لا موسوعة مترجمة، وإنما تقدم بأسلوب سلس وميسَّر وسهل يمد الباحثين والطلاب وكل مهتم بالمعرفة على النطاق العربي والعالمي.
الهيئة أصدرت وانتهت من إنجاز الموسوعة العربية الشاملة، وتقع في 24 مجلداً ثم أنجزت موسوعات متخصصة ونوعية فهنالك الموسوعة القانونية في 7 مجلدات والموسوعة الطبية صدر منها 13 مجلداً حتى الآن وتعد للمجلد الـ 14. ونهيئ لإصدارات جديدة لهذه الموسوعة، وهنالك موسوعة الآثار في سورية وقد صدر المجلد الأول منها، أمَّا المجلد الثاني فهو قيد الإنجاز وهنالك موسوعة العلوم والتقانات وقد صدر المجلد الأول منها أيضا،ً ونُعدُّ للمجلد للثاني. وهذه الموسوعة قد تصل إلى 15 مجلداً في مختلف ميادين العلوم. والموسوعة الشاملة هي درةٌ من درر الثقافة العربيَّة على المدى المعاصر.
السؤال السابع : كونكم رئيس اللجنة المركزية الخاصة بتمكين اللغة العربية التي تشكت بتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد عام 2007 م ونظراً لأهمية اللغة العربية وحرصكم على إبراز دورها الحضاري والقومي فما الإجراءات المتخذة لذلك أخيراً؟الدكتور السيد: تتميز سورية بمحافظتها على اللغة العربية الفصحى، وعندما تتحدث عن اللغة العربية الفصحى لابد من ذكر سورية لأن مجمع اللغة العربية تأسس عام 19199، وقد شقت اللغة العربية طريقها منذ زمن. كما نلاحظ ذلك في العملية التدريسية فقد درّست العلوم المختلفة كالطب، والفيزياء، والكيمياء، والعلوم المختلفة باللغة العربية الفصيحة وجامعة دمشق مضرب المثل على هذا الصعيد العربي في إنجازها المتميز. وصدرت قوانين لحماية اللغة العربية في الخمسينيات من القرن الماضي على أن تكون جميع التسميات في جميع المحال والواجهات واللافتات باللغة العربية.
وقد لاحظ القائد المؤسس حافظ الأسد أن ثمة تراجع على ألسنة بعض المتخرجين في الجامعة باللغة العربية عندما كان يسمع إلى بعض الكلمات التي تلقى في الندوات وغيرها فأصدر مرسوماً بتعليم اللغة العربية لغير المختصين في مختلف الجامعات والمعاهد وفي مختلف التخصصات في ثمانينيَّات القرن الماضي وعلى الرغم من ذلك لاحظ القائد المؤسس وجود تراجع أيضاً ووجود ضعف لدى الناشئة والكبار في ممارسة اللغة العربية. وقد أصدر السيد الرئيس بشار الأسد قراراً جمهورياً بتشكيل لجنة لتمكين اللغة العربية وهذه اللجنة تتألف من سبعة أشخاص، كنت أنا رئيساً لها، ووضعت خطة وناقشناها واتفقنا عليها، وعممت على جميع الجهات المعنية كوزارات التربية والإعلام والثقافة والأوقاف وغيرها من الجهات المعنية، ولم نكتف بذلك، إنما طالبنا بوجود لجنة للتمكين في كل محافظة، وفي كل وزارة معنية، وكل هذه اللجان روافد تصب لدى اللجنة العليا، وعقدنا الكثير من الاجتماعات لنتبادل الآراء والتجارب والصعوبات والمعوقات، ونعمل على تلافي السلبيَّات، ولكنَّنا وبسبب الظروف التي يواجهها الوطن اقتصرنا تكليف اللجان الفرعية بإرسال تقارير عن أعمالها للجنة العليا للتمكين.
واللجنة العليا للتمكين تناقش تقارير اللجان الفرعية وترفع تقريرها إلى السيدة نائبة الرئيس للشؤون الثقافية الدكتورة نجاح العطار، والتي تطلع بدورها، وتوجه أحياناً بعض الملاحظات لتلافي الأخطاء ومتابعة التنفيذ، وقد قطعت هذه اللجنة شوطاً لكنها لم تحقق الأهداف المرجوة ولم نمشِ سوى خطوة واحدة في طريقنا الطويل لماذا؟ لأننا نحتاج إلى حماسةٍ تناغم وانسجام بين جميع الجهات المعنية لتنفيذ أهدافنا.
وقد أشرت سابقاً إلى دور الإعلام ودور بعض المعلمين في المدارس، وأشرنا إلى أن بعض رسائل الماجستير والدكتوراة تكون بالعاميَّة أحياناً، ووجدنا للأسف! وجود تساهل في استخدام اللغة العربية واللجوء للعامية والكلمات الأجنبية. وأقول دائماً: إنَّ النهوض باللغة هو شأن مجتمعي لا يلقى على جهة معينة دون الأخرى؛ وهذا يعني أحياناً أنّنا نُحمِّل وزارة التربية المسؤولية لوحدها مثلاً وهذا خطأ، الجميع مسؤول عن الارتقاء باللغة العربية، ولابدَّ من التعاون للنهوض باللغة العربية والارتقاء بها.
نبذة مختصرة حول: د. محمود السيد مدير الموسوعة العربية
رئيس لجنة تمكين اللغة العربية نائب رئيس مجمع اللغة العربية
– يحمل دكتوراه في التربية «تخصص مناهج وطرائق تدريس لغة عربية» من جامعة عين شمس عام 1972
– يعمل حالياً رئيساً للجنة التمكين للغة العربية في الجمهورية العربية السورية ونائباً لرئيس مجمع اللغة العربية بدمشق ورئيساً لتحرير مجلة التعريب الصادرة عن المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر التابع لمنظمة الألكسو.
– عمل سابقاً:
. وزيراً للتربية في الجمهورية العربية السورية من عام 2000- 2003
. وزيراً للثقافة في الجمهورية العربية السورية من عام 2003- 2006
. مديراً لقطاع التربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «أليكسو» من عام 1992- 1996
. خبيراً في المركز العربي لبحوث التعليم العالي 1984- 1987، وخبيراً في عدة منظمات: مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، مكتب اليونسيف، المجلس العربي للطفولة والتنمية، وزارة التربية بالبحرين، وزارة التربية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مشروع الاتحاد الأوروبي لإعداد المعلمين في الأردن…الخ
. عميداً لكلية التربية بجامعة دمشق 1986- 1992
. أميناً عاماً مساعداً للشبكة العربية لتطوير أعضاء الهيئة التدريسية في جامعات الوطن العربي 1991-1994
. عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب من 1990- 1992
– له ثلاثة وثلاثون مؤلفاً منشوراً في مجالات التربية والثقافة واللغة، وما يزيد على مئة بحث منشور في المجلات المتخصصة، وله إسهامات في مجال الإعلام «برامج إذاعية وتلفزية وندوات ثقافية في سورية وأقطار أخرى».
– أشرف على خمس وثلاثين رسالة ماجستير ودكتوراه في التربية بجامعة دمشق، وناقش العديد من الرسائل في جامعة السلطان قابوس، وجامعة البحرين، وتونس، والجامعات السورية»، وقوّم عدداً من النتاجات الفكرية لأعضاء هيئات التدريس المرشحين للترقية في عدد من جامعات الوطن العربي، وهو عضو الهيئة الاستشارية لعدد من المجلات التربوية في الجامعات العربية.
– حائز الجائزة التقديرية للتربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 2002.
من النتاج الفكري:
دراسة مقارنة بين طرق تدريس قواعد اللغة العربية- رسالة ماجستير غير منشورة في كلية التربية بجامعة عين شمس عام 1969.أسس اختيار موضوعات القواعد النحوية في منهج تعليم اللغة العربية في المرحلة الإعدادية في الوطن العربي- رسالة دكتوراه غير منشورة في كلية التربية بجامعة عين شمس عام 1972.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
دليل المعلم في تعليم المحادثة للأجانب-
معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بدمشق 1974.في طرائق تدريس اللغة العربية- جامعة دمشق 1982.تطوير مناهج القواعد النحوية وأساليب التعبير في مراحل التعليم العام في الوطن العربي- مطبوعات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- تونس 1985.تدريس اللغة العربية بين الواقع والطموح- دار طلاس بدمشق 1990.اللسانيات وتعليم اللغة- دار المعرفة- تونس 1997.الأهداف التربوية في الجمهورية العربية السورية تحليلاً وتصنيفاً- مطبوعات وزارة الثقافة السورية 2004.النهوض باللغة العربية والتمكين لها – مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق عام 2013.الخطة العامة لتنسيق التعريب – مكتب تنسيق التعريب- الرباط 2013.دراسات في المعاصرة والتراث- مطبوعات اتحاد الكتاب العرب بدمشق لعام 2013.في سبيل العربية- الهيئة العامة السورية للكتاب بوزارة الثقافة- دمشق 2015.
( علينا أن نتجنَّب تفكيك عرى الأمَّة ، وننظر إلى التراث نظرةً نقديَّةً موضوعيَّةً ، لتعزيز الإيجابيَّات وتلافي السلبِّيات )
أكَّد الدكتور محمود السيد وزير التربية الأسبق، ووزير الثقافة الأسبق، والأستاذ الجامعيِّ، ورئيس لجنة تمكين اللغة العربيَّة، ومدير الموسوعة العربيَّة حالياً، أنَّ التراث العربيِّ يحمل جانبين، أحدهما جانب مضيء وآخر سلبيٌّ فعلينا أن نظهر الجوانب المُضيئة في تراثنا ونُعرِّف الآخرين بها، مشيراً إلى ضرورة غربلة هذا التراث، ووجود نظرةٍ نقديَّةٍ موضوعيَّةٍ تساعد الأجيال على التوجُّه المستقبليِّ نحو الأفضل، ولا بدَّ من التعرّف على سلبيَّات الواقع وإيجابيَّاته، والعمل على تعزيز الإيجابيَّات وتلافي السلبيَّات.
وقال الدكتور السيَّد في حديث لموقع القيادة القومية للحزب على الشبكة : إنَّ كلَّ الاختراقات التي تحاول ، أن تنال من الهُويَّة العربيَّة تدفعنا للتمسُّك بهُويَّة أمَّتنا وعروبتنا، والتفكير العلميِّ العقلانيِّ، واستبعاد التفكير السلبيِّ، والأخذ من تراثنا ما يتلاءم ويتناغم مع أصالتنا وقيمنا؛ فنحن في مؤسساتنا التربويَّة نرمي إلى هندسة الإنسان أو بناء الإنسان،وأن يكون البناء متوازناً فكرياً ومتطوراً من كلِّ الوجوه حتَّى نصل إلى تنشئة جيلٍ وطنيٍّ متمسكٍ بقضايا وطنه وحقوق أمَّته، ومحصنٌ ثقافيَّاً وعلميَّاً من الاختراقات والغزوات الثقافيَّة الخارجيَّة، وشدَّد الرفيق السيَّد في حديثه عن العمل التربوي للجيل على ضرورة التركيز على التعلُّم الذاتيِّ للمتعلِّم والتوقُّف عند رغباته واهتماماته، ومواكبة روح العصر وتجاوز التخلُّف، ومحدوديَّة التفكير.
تعزيز القيم الوطنية حافز لبناء المستقبل
السؤال الأوَّل : لقد شهدت العقود الأخيرة من القرن الماضي أحداثاً متلاحقة، وتطورات سريعة جعلت عملية التغيير أمراً حتمياً في معظم دول العالم، مما جعل الاهتمام بتعزيز الوحدة الوطنية أمراً في غاية الأهمية في عصر اتسم بالتغيير، وقد استحوذ هذا الأمر على عناية المفكرين والعاملين في الحقل التربوي، ولاسيَّما في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذي اتسم بإحلال منظومة قيمية وقواعد سلوكية جديدة، تعكس تنامي العنف، وتفكك العلاقات، وتشابك المصالح. كيف تقرؤون هذا الواقع وما كيفية انعكاسه على المجتمع العربي ؟الدكتور السيد: في تقديري أنَّ المجتمع العربيِّ واحدٌ من المجتمعات التي تنعكس عليها التغييرات العالمية، والعصر الحالي الذي نعيشه اليوم هو عصر التدفق المعرفي والتفجر السكاني والعنف، والتفكير الذي لا يحترم القيم المعنوية، وقد غلبت عليه القيم المادية والمصالح، كما نلاحظ غياباً واضحاً للمنظومة المعنوية للقيم، وهذا ما أدى إلى ازدواجية المعايير، وهيمنة حقَّ القوَّة لا قوَّة الحق، وسادت شريعة الغاب، وغاب الحوار، وغابت المحبة والقيم الإنسانية والسمو نحو الخلق والخير والجمال، وانعكس ذلك على واقعنا العربي في إطار التأثير و التأثر، كما وجدنا ذلك على صعيد وطننا العربي أن ثمة دعوة دعا إليها المفكرون منذ مطلع القرن الماضي. وفي هذا العقد ندعو إلى الوحدة الوطنية وتعزيز القيم الوطنية والتغني والاعتزاز بتراث أمتنا ليكون حافزاً لنا نحو الأفضل وبناء المستقبل، لكن هذه الروابط التي دعا إليها المفكرون ورجال النهضة تم اختراقها في ظل العولمة وللأسف هذا ما عانينا منه.
التمسك بالهوية العربية بقاء واستمرار لأمتنا
السؤال الثاني : في السياق نفسه الذي تتحدث فيه عن العولمة نريد أن نسأل إذا كانت العولمة قد فرضت وجودها على مختلف الصعد كما تقول، ما ملامح العولمة التربوية وما سبل مواجهتها وكيف لنا أن نوظف المرتكزات الفاعلة في نظامنا التربوي لترقية المشروع التربوي العربي؟.الدكتور السيد: نحن أمة لها تاريخها ولها حاضرها بمشكلاته وتحدياته، ونمتلك نظرة مستقبلية، وفي كل خطة تربوية وفي كل إستراتيجية تربوية لا بد لنا من أن ننطلق من الواقع، ونتعرف على سلبياته وعلى إيجابياته، ونعمل على تعزيز الإيجابيات وتلافي السلبيات، وأن نتعرف على الصعيد العالمي على الاتجاهات السائدة، ونأخذ منها ما يناسب قيمنا وأصالتنا، ونتجنب كل ما يعمل على تفكيك عرى الأمة، ولدينا العديد من الركائز التي يجب أن نعتمد عليها.
التراث العربي الذي نحمله له جانبان: أحدهما جانب مضيء وآخر سلبي، ولا بد لنا من إظهار الجوانب المضيئة في تراثنا، وعلينا أن نعرّف الآخرين بها على الصعيد العالمي، ولا بد لنا من امتلاك نظرة نقدية موضوعية لغربلة هذا التراث، فليس كل شيء فيه يُعدُّ صالحاً للبقاء، وليس كل ما ورد فيه يجب الأخذ به، علينا التمسك بما يعيننا على مواجهة تحدياتنا الحاضرة وتوجهاتنا المستقبلية، وعلينا استبعاد السخافات والتفكير السلبي وغير العلمي وغير العقلاني.. ففي تراثنا أمور غير عقلية علينا استبعادها، علينا التمسك بالعقلانية بما يتوافق مع العقل ويساعد على مواجهة مشكلاتنا الحاضرة، ويساعدنا على التوجه المستقبلي نحو الأفضل ونحو البناء، ولا بد لنا من الأخذ بكل ما يتلاءم ويتناغم مع أصالتنا وقيمنا، ولدينا قيم لا بد من التمسك بها والدفاع عنها والمحافظة عليها وتعزيزها، وأكبر مثال على ما أقول قيمة العروبة فهي ليست رداء نلبسه ونخلعه متى نشاء وساعة نشاء، هي كياننا، هي هويتنا، ويجب علينا التمسُّك بها على الرغم من كل الاختراقات التي تحاول أن تنال من هذه الهوية العربية، لا بد لنا من أن نبقى متمسكين بها لأنها البقاء والاستمرارية لهذه الأمة، وعلى الرغم من النكبات كافة ظلت أمتنا صامدة في هذا العالم المتغير والمتبدل.
نسعى إلى بناء الإنسان بناء متكاملاً العلم بلا ضمير خراب للنفس
السؤال الثالث : في ضوء هذه الظروف نحن بحاجة إلى تفعيل عمل المؤسسات التربويَّة فما دور المؤسسات التربوية والتعليمية في تنشئة جيل وطني مؤمن بقضايا وطنه وأمته وفي دعم المناهج التربوية القومية؟. وما أهم التحديات التي تواجه دور هذه المؤسسات في تنشئة الجيل الوطني؟الدكتور السيد: المؤسسات التربوية هدفها بناء الإنسان وتربية الجيل، وهي ليست موجودة في قارة منعزلة؛ فهي تتبادل التأثير والتأثر مع النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وكلّ الأنظمة التي تؤثِّر في النظام التربوي، ولا بد لنا من أن نعتمد على التناغم بينها ليكون بناء تلك المؤسسات بناء حضارياً، وإذا لم يكن هناك تناغمٌ سنجد أن ما نبنيه من طرف سيتعرض للهدم من الطرف الآخر أو من الأطراف الأخرى، ونحن في المؤسسات التربوية نرمي إلى هندسة الإنسان أو بناء الإنسان كما يطلق على هذه العملية في الأدبيات الروسية، فكما نبني البناء نبني الإنسان، وينبغي أن يكون البناء متوازناً ومتكاملاً ومتطوراً من كلِّ الوجوه، بمعنى أن يكون البناء اجتماعياً وعاطفياً وإنسانياً وفكرياً وقيمياً من الجوانب كلّها فيجب توافر التناغم والانسجام في شخصية الإنسان؛ لأن التركيز على جانب دون آخر لن يحقق الهدف المطلوب، ولن يكون البناء متكاملاً من الناحية التربوية، وقد تجد أحياناً على سبيل المثال إنساناً متميَّزاً في تحصيله العلمي لكنه مخفق من الناحية الاجتماعيَّة وقد يكون مبدعاً في الجانب الفكري لكنه مخفقٌ في الجانب الوجداني، فالعلم بلا ضمير خراب للنفس، ولا بد من التوازن والتكامل في بناء الإنسان ليكون جديراً بخدمة أمته ومواكبة روح العصر
التركيز على التعلُّم الذاتي
ولا بدَّ من التركيز على التعلُّم الذاتي، لأننا انتقلنا من التعليم إلى التعلم، وعلينا التركيز اليوم على المتعلم نفسه والتوقف عند رغباته واهتماماته وتلبية تلك الحاجات ليتجاوز المطبات التي تحيط به والتي ستؤدي إلى الهدم، فالتعلم الذاتي لا بد من التركيز عليه لأنهالركيزة الأساسية في عصر تدفق المعلومات والمعارف، وعلى الإنسان أن يواكب روح العصر ليتجاوز التخلف ومحدودية التفكير، وهنا لابد من التركيز على أساسيات المعرفة، والسؤال هنا كيف نتعرف على هذه الأساسيات ؟ نتعرف عليها عندما استخدمنا ما في واقع الحياة، فما استخدم في واقع الحياة بكثرة يعدّ أساسياً، أما ما لم يتم استخدامه بكثرة فيعدُّ غير أساسي وهامشي.
وينبغي أن نركز في واقع الحياة على مناهجنا التربوية سواءً في العلوم المختلفة أو في الرياضيات ونعدله بما ينسجم مع أساسيات الحياة . ولابد لنا من أن نتعرف على المتعلم نفسه ومعرفة رغباته، ولابد من معرفة المجتمع الذي يتفاعل معه ذلك المتعلم، المجتمع في ثقافته الماضية والحاضرة والمستقبليَّة والتحديات التي يتعرض لها كل ذلك لابد من معرفته وبناء المناهج وفق هذه الأعمدة التي أشرت إليها. هنا تكون تربيتنا على أسس علمية وعندها يمكننا تطويرها في ظل المستجدات والاتجاهات العالمية ونكون قد وقفنا على أرض صلبة، ولابد لنا من التركيز حينها على التربية المستقبلية، ففي الصعيد العربي وفي تربيتنا العربية نجد أن الماضي يسيطر على الحاضر وعلى المستقبل، فنحن نتغنى بالماضي دون الاهتمام بالمستقبل، وهنا أـقول: خير الناس ذو حسب قديم أقام لنفسه حسباً جديداً.
ونجد في حياتنا المعاصرة أناساً يتغنون بالماضي ولا يقدمون أي شيء لخدمة المجتمع، وعلينا التركيز على العقلنة فما يوافق العقل نتقبله وما يخالفه نستبعده، ولا يجوز تقديس التراث بل يجب امتلاك نظرة عقلية موضوعية وتربية أجيالنا على هذا الأساس. علينا نبذ كل السخافات واستئصال كل ما يخالف مستقبل أجيالنا وتطوير العمل وفق أسلوب التربية المعاصرة و الحضارية. وهنا لابد من التركيز على فكرة هامة وهي التربية على المواطنة لمواجهة التحديات، فمثلاً أنا قدمت للجامعة الافتراضية دراسة عن الثقافة العلمية، ونحن بأمس الحاجة إليها اليوم وفي عصرنا الحاضر حتى نستطيع مواجهة ذلك الفكر والتفكير الإرهابي الذي نتصدّى له، وأشرت إلى الإبداع والتعلم الذاتي والتفكير والانفتاح ومرونة التفكير واحترام الرأي الآخر ومقارعة العقل بالعقل، والمنطق، بالمنطق والحجة بالحجة، وهذا يؤدي إلى التقدم ومواجهة المشكلات بالأساليب العلمية، ويستوجب وجود سلوكيات مطلوبة كممارسة الأمانة واحترام العمل واحترام الآخرين والعمل معهم كعضو في الفريق، وخصوصاً أننا نشكو في مجتمعنا من تضخم الأنا والأنانية وغياب التناغم في العمل كما يجب الاعتزاز بالموهبة وتنمية المواهب والعمل التطوعي والإقبال على الحياة على الرغم من كل ما نعانيه لأن البقاء للأمة، والأمة سبق وإن مرت بالكثير من الأخطار والمحن وتجاوزتها.
السؤال الرابع : يقوم التحصين الثقافي على التفكير الناقد والثقافة العلمية وتقوية الناشئة تجاه ما ذكرت فما هي سبل التحصين الثقافي لجيل الأمة، وكيف يمكن تمكين ذلك الجيل والانفتاح على قضايا الوطن والأمة؟الدكتور السيد: علينا تربية المواطن على ثقافة أداء الواجبات قبل أخذها وللأسف هذا ما نعانيه في مجتمعنا، إذ نركز على الحصول على الصلاحيات والامتيازات دون أداء الواجبات فلا يكفي أن نعلن حبنا للوطن، ولا يكفي أن نؤكد معرفتنا بتاريخ الوطن وجغرافيته ومعرفة كل شيء يتعلق به. المسألة تحتاج إلى جملة من المشاعر كالحرص على الوطن والمشاركة والغيرية ومساعدة الآخرين، والتطوع لخدمة الوطن لابد من الترابط ما بين السلوك والممارسة والأداء، لابد من الحرص على ممتلكات الوطن والحرص على كل ما من شأنه أن يظهر الوطن بصورة مشرقة وجميلة. وعلى المبادرات الإيجابية، وعلى العمل التطوعي والتربية على الأسلوب العلمي ومعالجة المشكلات بأسلوب علمي. وهذا مايُشير إليه الحديث النبوي الشريف الذي يقول: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". ولابد أن تستند التربية إلى تماسك المجتمع واستثمار الوقت، فنحن نقضي الكثير من أوقاتنا في أمور لا تبني الوطن ولا تحقق مصالحه ولا تقدمه. ولبناء التحصين الثقافي العلمي لابد من وجود التفكير الناقد والثقافة العلمية وتقوية الناشئة وتعويدهم على القراءة منذ نعومة أظفارهم، لأننا نشكو من العزوف عن القراءة على الصعيد العربي. ولابد من التركيز على القدوة والمثل العليا؛ لأنَّ التركيز عليهما يمكن أن يكون نموذجاً للآخرين. ولابدَّ من الترابط بين النظري والعملي لتحقيق الأهداف أي بين الممارسة والدعوة، وبين القول والفعل، فما أبشع الخلاف بين القول والفعل، فكيف لأحد على سبيل المثال أن يمنع التدخين وهو يدخن.السؤال الخامس: ما دور وسائل الاتصال والإعلام في خدمة الأهداف التربوية والتعليمية لتحصين جيل الأمة؟الدكتور السيد: إنَّ النظام التربوي يجب أن يتناغم مع النظام الإعلامي حتى تتحقق الأهداف والغايات التربوية المرجوة. وإن وجود هوة بينهما يمنع تحقيق الأهداف فنحن على سبيل المثال في العملية التربوية التعليمية نصرُّ على استخدام اللغة العربية السليمة لكننا في النظام الإعلامي نجد المسلسلات بالعامية، والحوارات واللقاءات بالعامية والأخطاء اللغوية تتردد على مسامعنا بشكل يومي، لابد هنا من تلافي الكثير من الأخطاء الشنيعة التي تتردد على ألسنة المذيعين والمذيعات على شاشات التلفاز، ولابد من التمكن من اللغة العربية ففي بريطانيا على سبيل المثال عندما يختلف الناس حول شيء ما ينتظرون المذيع حتى يصحح الكلام وما نعانيه أكثر هو استخدام كلمة عربية وكلمة عامية وكلمة أجنبية فأحياناً في الكثير من الحوارات التي نشاهدها وهذا يشكل مشكلة هامة تنعكس على أجيالنا، كذلك نجد الإعلانات واللافتات المنتشرة في الشوارع تحوي على الكثير من الأخطاء اللغوية الشنيعة وهذا يستوجب تلافيها فليس هناك أثمن من اللغة الفصيحة وهي تتعرض اليوم للظلم إذ تأتي المسلسلات لتغرقنا في العاميات، ونحن ندعي أننا نخدم لغتنا وأمتنا، ونحن بالحقيقة نخربها بأيدينا ونحن في سورية قدوة في هذا المجال ومهمتنا المحافظة على اللغة العربية والدليل وجود مجمع اللغة العربية منذ عام 1919 لكن العولمة اخترقت كل شيء ووصلت إلى ثوابتنا التي نعتز بها. وهنا لابد من استنهاض دور الإعلام في ترسيخ اللغة العربية السليمة والمحافظة عليها وتعزيز وجودها.السؤال السادس: باعتباركم تشغلون الآن مدير الموسوعة العربية التي تعد إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل فما الإنجازات التي جرت فيها، وما خطَّة الإدارة في رفع نشاطها وتعزيز دورها؟الدكتور السيد: الموسوعة العربية درة في ثقافتنا العربية المعاصرة والفضل في ذلك يعود إلى مؤسس سورية الحديثة القائد الخالد حافظ الأسد فقد أحاط المؤسسة بكل رعاية واهتمام، والأهداف التي وضعتها هذه الهيئة هيئة الموسوعة العربية هي تقديم موسوعة عربية بأقلام الباحثين العرب لا موسوعة مترجمة، وإنما تقدم بأسلوب سلس وميسَّر وسهل يمد الباحثين والطلاب وكل مهتم بالمعرفة على النطاق العربي والعالمي.
الهيئة أصدرت وانتهت من إنجاز الموسوعة العربية الشاملة، وتقع في 24 مجلداً ثم أنجزت موسوعات متخصصة ونوعية فهنالك الموسوعة القانونية في 7 مجلدات والموسوعة الطبية صدر منها 13 مجلداً حتى الآن وتعد للمجلد الـ 14. ونهيئ لإصدارات جديدة لهذه الموسوعة، وهنالك موسوعة الآثار في سورية وقد صدر المجلد الأول منها، أمَّا المجلد الثاني فهو قيد الإنجاز وهنالك موسوعة العلوم والتقانات وقد صدر المجلد الأول منها أيضا،ً ونُعدُّ للمجلد للثاني. وهذه الموسوعة قد تصل إلى 15 مجلداً في مختلف ميادين العلوم. والموسوعة الشاملة هي درةٌ من درر الثقافة العربيَّة على المدى المعاصر.
السؤال السابع : كونكم رئيس اللجنة المركزية الخاصة بتمكين اللغة العربية التي تشكت بتوجيه من السيد الرئيس بشار الأسد عام 2007 م ونظراً لأهمية اللغة العربية وحرصكم على إبراز دورها الحضاري والقومي فما الإجراءات المتخذة لذلك أخيراً؟الدكتور السيد: تتميز سورية بمحافظتها على اللغة العربية الفصحى، وعندما تتحدث عن اللغة العربية الفصحى لابد من ذكر سورية لأن مجمع اللغة العربية تأسس عام 19199، وقد شقت اللغة العربية طريقها منذ زمن. كما نلاحظ ذلك في العملية التدريسية فقد درّست العلوم المختلفة كالطب، والفيزياء، والكيمياء، والعلوم المختلفة باللغة العربية الفصيحة وجامعة دمشق مضرب المثل على هذا الصعيد العربي في إنجازها المتميز. وصدرت قوانين لحماية اللغة العربية في الخمسينيات من القرن الماضي على أن تكون جميع التسميات في جميع المحال والواجهات واللافتات باللغة العربية.
وقد لاحظ القائد المؤسس حافظ الأسد أن ثمة تراجع على ألسنة بعض المتخرجين في الجامعة باللغة العربية عندما كان يسمع إلى بعض الكلمات التي تلقى في الندوات وغيرها فأصدر مرسوماً بتعليم اللغة العربية لغير المختصين في مختلف الجامعات والمعاهد وفي مختلف التخصصات في ثمانينيَّات القرن الماضي وعلى الرغم من ذلك لاحظ القائد المؤسس وجود تراجع أيضاً ووجود ضعف لدى الناشئة والكبار في ممارسة اللغة العربية. وقد أصدر السيد الرئيس بشار الأسد قراراً جمهورياً بتشكيل لجنة لتمكين اللغة العربية وهذه اللجنة تتألف من سبعة أشخاص، كنت أنا رئيساً لها، ووضعت خطة وناقشناها واتفقنا عليها، وعممت على جميع الجهات المعنية كوزارات التربية والإعلام والثقافة والأوقاف وغيرها من الجهات المعنية، ولم نكتف بذلك، إنما طالبنا بوجود لجنة للتمكين في كل محافظة، وفي كل وزارة معنية، وكل هذه اللجان روافد تصب لدى اللجنة العليا، وعقدنا الكثير من الاجتماعات لنتبادل الآراء والتجارب والصعوبات والمعوقات، ونعمل على تلافي السلبيَّات، ولكنَّنا وبسبب الظروف التي يواجهها الوطن اقتصرنا تكليف اللجان الفرعية بإرسال تقارير عن أعمالها للجنة العليا للتمكين.
واللجنة العليا للتمكين تناقش تقارير اللجان الفرعية وترفع تقريرها إلى السيدة نائبة الرئيس للشؤون الثقافية الدكتورة نجاح العطار، والتي تطلع بدورها، وتوجه أحياناً بعض الملاحظات لتلافي الأخطاء ومتابعة التنفيذ، وقد قطعت هذه اللجنة شوطاً لكنها لم تحقق الأهداف المرجوة ولم نمشِ سوى خطوة واحدة في طريقنا الطويل لماذا؟ لأننا نحتاج إلى حماسةٍ تناغم وانسجام بين جميع الجهات المعنية لتنفيذ أهدافنا.
وقد أشرت سابقاً إلى دور الإعلام ودور بعض المعلمين في المدارس، وأشرنا إلى أن بعض رسائل الماجستير والدكتوراة تكون بالعاميَّة أحياناً، ووجدنا للأسف! وجود تساهل في استخدام اللغة العربية واللجوء للعامية والكلمات الأجنبية. وأقول دائماً: إنَّ النهوض باللغة هو شأن مجتمعي لا يلقى على جهة معينة دون الأخرى؛ وهذا يعني أحياناً أنّنا نُحمِّل وزارة التربية المسؤولية لوحدها مثلاً وهذا خطأ، الجميع مسؤول عن الارتقاء باللغة العربية، ولابدَّ من التعاون للنهوض باللغة العربية والارتقاء بها.
نبذة مختصرة حول: د. محمود السيد مدير الموسوعة العربية
رئيس لجنة تمكين اللغة العربية نائب رئيس مجمع اللغة العربية
– يحمل دكتوراه في التربية «تخصص مناهج وطرائق تدريس لغة عربية» من جامعة عين شمس عام 1972
– يعمل حالياً رئيساً للجنة التمكين للغة العربية في الجمهورية العربية السورية ونائباً لرئيس مجمع اللغة العربية بدمشق ورئيساً لتحرير مجلة التعريب الصادرة عن المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر التابع لمنظمة الألكسو.
– عمل سابقاً:
. وزيراً للتربية في الجمهورية العربية السورية من عام 2000- 2003
. وزيراً للثقافة في الجمهورية العربية السورية من عام 2003- 2006
. مديراً لقطاع التربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «أليكسو» من عام 1992- 1996
. خبيراً في المركز العربي لبحوث التعليم العالي 1984- 1987، وخبيراً في عدة منظمات: مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية، مكتب اليونسيف، المجلس العربي للطفولة والتنمية، وزارة التربية بالبحرين، وزارة التربية في دولة الإمارات العربية المتحدة، مشروع الاتحاد الأوروبي لإعداد المعلمين في الأردن…الخ
. عميداً لكلية التربية بجامعة دمشق 1986- 1992
. أميناً عاماً مساعداً للشبكة العربية لتطوير أعضاء الهيئة التدريسية في جامعات الوطن العربي 1991-1994
. عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب من 1990- 1992
– له ثلاثة وثلاثون مؤلفاً منشوراً في مجالات التربية والثقافة واللغة، وما يزيد على مئة بحث منشور في المجلات المتخصصة، وله إسهامات في مجال الإعلام «برامج إذاعية وتلفزية وندوات ثقافية في سورية وأقطار أخرى».
– أشرف على خمس وثلاثين رسالة ماجستير ودكتوراه في التربية بجامعة دمشق، وناقش العديد من الرسائل في جامعة السلطان قابوس، وجامعة البحرين، وتونس، والجامعات السورية»، وقوّم عدداً من النتاجات الفكرية لأعضاء هيئات التدريس المرشحين للترقية في عدد من جامعات الوطن العربي، وهو عضو الهيئة الاستشارية لعدد من المجلات التربوية في الجامعات العربية.
– حائز الجائزة التقديرية للتربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 2002.
من النتاج الفكري:
دراسة مقارنة بين طرق تدريس قواعد اللغة العربية- رسالة ماجستير غير منشورة في كلية التربية بجامعة عين شمس عام 1969.أسس اختيار موضوعات القواعد النحوية في منهج تعليم اللغة العربية في المرحلة الإعدادية في الوطن العربي- رسالة دكتوراه غير منشورة في كلية التربية بجامعة عين شمس عام 1972.
من أهم كتبه ومؤلفاته:
دليل المعلم في تعليم المحادثة للأجانب-
معهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بدمشق 1974.في طرائق تدريس اللغة العربية- جامعة دمشق 1982.تطوير مناهج القواعد النحوية وأساليب التعبير في مراحل التعليم العام في الوطن العربي- مطبوعات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم- تونس 1985.تدريس اللغة العربية بين الواقع والطموح- دار طلاس بدمشق 1990.اللسانيات وتعليم اللغة- دار المعرفة- تونس 1997.الأهداف التربوية في الجمهورية العربية السورية تحليلاً وتصنيفاً- مطبوعات وزارة الثقافة السورية 2004.النهوض باللغة العربية والتمكين لها – مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق عام 2013.الخطة العامة لتنسيق التعريب – مكتب تنسيق التعريب- الرباط 2013.دراسات في المعاصرة والتراث- مطبوعات اتحاد الكتاب العرب بدمشق لعام 2013.في سبيل العربية- الهيئة العامة السورية للكتاب بوزارة الثقافة- دمشق 2015.