تروي الأساطير الإغريقية أن الميدوسا كانت إحدى الأخوات الثلاث الملقبات بالجورجونات، وهي الوحيدة التي كان للموت سلطان عليها، وكان لها رأس عليه أفاع بدلاً من الشعر، وأجنحة صفراء، وأيد نحاسية، ومجرد النظرة منها لها القدرة على قتل الناظر أو تحويله إلى حجر أصم.
وتقول الأسطورة إن بيرسيوس قد تمكن من قتلها وقطع رأسها حين نصحته الآلهة أثينا باستخدام الدرع مرآةً ليستطيع قتل الميدوسا من دون النظر إلى وجهها.
وما أشد الشبه أخي القارئ بين ما حدث بالأمس وما يحدث اليوم، فقد تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من كسر العمود الفقري للثورة الوهابية في سورية، بالأمس كان داعش يتمدد ويرفع شعار باقية وتتمدد، واليوم داعش ينكسر ويسمع شعار فانية وتتبدد، بالأمس كان رياض الشقفة يريد قصم ظهر الهلال الشيعي تزلفاً للغرب وإسرائيل، واليوم يحضر هذا الهلال بوصفه القوة الداعمة للجيش السوري، والحليفة أمام المد الإرهابي.
والحقيقة ان الدواعش ليسوا هم من يبكي إمارتهم ودولتهم المزعومة إن الأكثر حزناً مَنْ سار في ركب الثورة الثورية المزعومة، الميدوسا: الغرب وتركيا وإسرائيل، ذلك أن داعش حمل على عاتقه تدمير أعمدة الوطن السوري، تدمير عصر القومية والاستقلال والهوية والثقافة، وإحلال ثقافة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب بدلاً منها.
لقد أرادت القوى المعادية أن ينهك داعش الجيش السوري ويشتته لتنهار الدولة بسرعة، فتقوم الثورة بمسرحية طلب التدخل من تركيا والدول الصديقة لهزيمة داعش المتطرف، وربما كانوا يخططون لإعادة تدويره بطريقة أخرى، وتقسيم البلد، وتوزيع الحصص بين الدول.
اليوم انكسر العمود الفقري للثورة السورية، وبات رأسها تحت حد المقصلة، أما إدلب وأخواتها فقد أصبحن من غير رأس.
قديماً كان الناس يتكلمون على سفر برلك حين كان يتم سوق الشبان للحرب، وكانوا يذهبون من غير عودة، حين كان البؤس على أشده، ويمكن أن نتكلم اليوم على سفر إدلب، فهؤلاء المتمردون الإرهابيون سيذهبون من إدلب إلى غير عودة بعد أن تم سَوقهم إلى سفر إدلب، وتجميعهم فيها.
منظر الدواعش اليوم يثير السخرية، وهم يتخفون بألبسة النساء، ويغيرون من نبرة أصواتهم لتتشبه بأصوات النساء، وفي الوقت الذي تتعالى حركات الجيش السوري نسمع إعلام المعارضة الذي يصرخ خائفاً على المدنيين ونسأل لمَ لم نسمع صوته حين كان داعش يذبح المدنيين، لماذا أصيبت هذه المحطات بالصمم حينها؟
إننا نرى من بعيد الدشداشة الخليجية، والطربوش التركي، والقبعة الأمريكية، والقلنسوة الإسرائيلية يرمقون من بعيد نهاية الحلم الداعشي. وما بعد دير الزور سيكون قبلة الأنظار حينها لن ينقذ الجولاني قوة على الأرض، وسيخرج بإشراف الطربوش التركي بباصات خضراء لا سيما وأن تركيا على استعداد لفعل أي شيء مقابل تحطيم الحلم الكردي حتى لو تطلب الامر أن يخرج أدروغان متخفياً بثياب النسوة .
ما أشد غباء المعارضة والأنظمة الداعمة لها التي صدقت وعود الأمريكيين. وكم يحضرني أخي القارئ في هذا المقام قصة هولاكو حين دخل بغداد، كان قد قتل العلماء والتجار والقضاة، وقال لجنوده: أبقوا المستعصم حياً حتى يدلنا على أماكن كنوزه. ذهب المستعصم معهم ودلهم على مخابئ الذهب والفضة والمقتنيات الثمينة في داخل قصوره وخارجها ومنها ما كان يستحيل على المغول الوصول إليه من غير أن يرشدهم إليه، مثل ذلك النهر المطمور من الذهب المتجمد والذي لا يعلم أحد مكانه.
فقال له هولاكو: لو أعطيت هذا المال لجنودك لكانوا حموك مني.
لم يبك المستعصم على الكنوز والأموال ولكنه بكى حين أخذ هولاكو يستعرض الجواري الحسان وعددهن سبعمئة جارية وزوجة وسرية، وألف خادمة، أخذ الخليفة يتضرع إلى هولاكو قائلاً: من علي بأهل حرمي اللاتي لم تطلع عليهن شمس ولا قمر؟
ضحك هولاكو من قول المستعصم وأمر أن يضعوه في كيس خيش ويضربه الجنود بالأقدام حتى الموت.
يقول المؤرخون إن ما جمعه بنو العباس في خمسة قرون أخذه هولاكو في ليلة، وسيقول المؤرخون ما كان يكفي الأمة العربية لعدة قرون أخذه ترامب في ليلة واحدة، ولو أنفقت الأمة العربية هذه الأموال على التعليم والبحث العلمي وساندت بعضها لكانت أقوى الأمم ولاقتلعت عين الميدوسا. فما أشبه البارحة باليوم!