نارام سرجون.
لايعرف محمد فارس كم تسبب لنا بالألم والحزن هو يعترف أمام همام حوت ويدلي باعترافاته الخطيرة .. وكلاهما غريق يشكو لغريق ويستجير به .. وأنا على يقين أن جميع من رآه أحس بالحزن والاسف عليه لأنه لايمكن لكل من يرى هذا اللواء المنشق البائس الفقير الهيبة بحديثه الا ويشفق عليه ويحس بالتعاطف معه لقلة حيلته وسذاجته وسطحية فهمه للأشياء .. وأنا أحسست بقدر اضافي من الشفقة لتدني مستوى ثقافته وتدني الذوق الرفيع لديه .. ومن الواضح أن الرجل لم يقرأ كتابا واحدا منذ أن كان في الثانوية العامة .. وأن رحلة الفضاء التي أخذه اليها الحظ والصدفة المحضة اعتمدت معايير القدرات الجسدية ولكنها لم تكن مناسبة لقدراته الذهنية المتواضعة واحاطته بالعلوم .. وبدا في جلسة الاعتراف شخصا "على البركة" وليس لماحا كما يظن أحدنا أن رائد الفضاء هو أفضل ماينتجه المجتمع فهو كامل جسديا وفكريا وذو ذهن متقد .. لأنه موفد الارض الى السماء .. ولكن موفدنا الى السماء لم يصل الى السماء ولم يغادر الأرض .. ولا حتى قريته .. وأخشى ماأخشاه أن نكتشف يوما أن حكاية رحلة الفضاء السورية كلها كانت مسرحية وتم تسجيلها في أحد استوديوهات موسكو .. كما فعل الأميريكون في كذبة الهبوط على القمر التي تبين أنها هبوط في أحد استوديوهات المخابرات الاميريكية لاظهار التفوق على الروس تلفزيونيا كما أظهرت الاعترافات الاخيرة ..
نصيحتي لمحمد أن يقلل من الكلام والظهور لأنه كلما ظهر أكثر وتحدث أكثر تآكل أكثر .. وتساقط مابقي فيه .. وتناثر لحم وجهه وظهر عظمه الهش .. وتجرد من ملامحه .. والنصيحة المليئة بالحكمة له هي أن من لايجيد عرض قضيته بذكاء يسيء لنفسه ولها .. وأن السكوت من ذهب لمن لايتمتع بثقافة عالية اضطرت مستضيفه لأن يصحح له بعض الأخطاء الكارثية مستدركا رغم أن من الواضح أن همام قد لقن محمد فارس مايقوله قبل المقابلة .. أما من جهتنا فان السوبرمان الثورجي أفادنا جدا بظهوره البائس ونتمنى أن يكثر من اطلالاته لأنه كلما ظهر كخصم لنا عذرنا الناس وتفهموا سبب عدم دفعه الى الواجهة كمتحدث وجه قيادي بارز سيجلب علينا اللوم وسيقول من سيراه ان سياسة النظام في انتقاء محمد فارس كشفت أن الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب كانت هي ثمرة تخبط التخطيط وعشوائيته الذي تجلى بانتقاء محمد فارس ليحمل عبء مسؤولية الارتقاء بالكرامة والثقة بالنفس .. لأن من يجب أن يكون أفضل رجل في سورية وأكملهم (أي السوبرمان) سيتضاءل حجمه لأن فارس لاشك سيحرجنا بثقافته المتواضعة وضحالة معرفته بالحياة وتدني ادراكه لتعقيدات السياسة .. لأن مايبدو للمشاهد أن سبب حنقه على الدولة أنها احتجاج على سوء تقدير وترهل مؤسساتي تسببت في أنها لم ترفع من سوية كرامته برفع نوعية سيارته البيجو التي كانت في منتهى الرفاهية في الثمانينات .. ولم تصل الى طموحاته أمام أهل حارته التي كانت سترضيه طالما أرضت غروره القروي .. وان تسمية الشوارع والمكتبات والمدارس في عدة محافظات سورية باسمه لم يرض غروره وتعطشه للاستعراضية .. رغم أن تمجيد الأبطال يتم غالبا بعد رحيلهم في لوحات شوارع ومدارس ..
أما المفجع فهو اكتشاف أن الرجل السوبرمان محمد فارس ظهر في برنامج مذهبي مهووس بالآخر المغاير طائفيا ومارس تحقيره والتحريض عليه راكبا على ظهر رائد الفضاء .. وتبين ان الرجل له ثقافة دينية وهابية تعزو كل شيء حوله الى الفسطاط السني والفسطاط غير السني .. وصار يفهم أن انتقاء الدولة له ليكون رجل سورية الى الفضاء كان لأنه لم يكن أحد غيره بين مئات الطيارين السوريين قادرا على القيام بذلك .. رغم أن زميله منير حبيب كان يمكن ان يحل محله ببساطة وبأية ذريعة .. وكان يمكن استبعاد محمد فارس بالطلب من الروس تفضيل زميله دون حرج ولم يكن ذلك الطلب سيرده الروس طالما أنهما متكافئان ومجهزان ومدربان جيدا .. لكن محمد تجاوز المؤامرة الطائفية ضد غريمه بتعويذة من أحد المشايخ ودعاء شيخ الحارة له وتحول من مجرد طيار قد ينتهي متقاعدا بشكل عادي الى أهم طيار ورمز جميل !!! ..
والأكثر فجائعية أن تسجيلات تلك الأيام التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لاتزال متاحة ويمكن العودة اليها ونشرها .. وفيها التقى التلفزيون السوري مع كبير الخبراء الروس الذي سئل عن سبب تجهيز رائدي فضاء طالما أن واحدا منهما فقط سيتم اختياره وسئل أيضا عن سبب اختيار محمد فارس .. فقال الخبير الروسي بأن تجهيز رائدي فضاء مقصود لأن هناك احتمالا أن يتوعك المرشح للتحليق في يوم الرحلة أو يتعرض لمرض ما وبالتالي سيتم اهدار كل الوقت والجهد بسبب عدم الاحتياط لذلك .. ولكن وجود طيار احتياطي جاهز هو الحل لاي مفاجأة .. وأما عن سبب اختيار محمد فارس وتفضيله على زميله فقال بأن ذلك كان اصعب قرار لان الرجلين متكافئان في القدرات والتدريب والامكانات الجسدية ولكن تقرر اختيار محمد بسبب انه أكثر اجتماعية من زميله الهادئ والأميل للجدية ولقلة الاختلاط .. ربما بسبب ميل منير حبيب للقراءة .. فمال تصويت الخبراء الروس لصالح المتدرب الاكثر اجتماعية فقط وليس هناك سبب آخر ولم تتدخل القيادة السورية بذلك القرار ..
للاسف الشديد تلفظ محمد فارس بألفاظ لاتليق وقللت من وقار شيبته – وهذا غير مستغرب لرجل قليل الثقافة – ومال الى بث كراهية فجة وغير مبررة أحيانا فضحت ضحالته مثل أننا نكتشف أن كراهيته للرئيس الراحل حافظ الأسد كانت بسبب أن الرئيس لم يستقبله سوى مرتين .. ويبدو أن محمد فارس كان يظن أن الأسد سيشرب معه القهوة صباحا كل يوم ليتشرف برفقته والدردشة معه والتخطيط لغزو الفضاء من مئذنة الجامع .. كراهية وقلة اصل جعلت محمد فارس يخسر كل مابقي له ..
الحمدلله من كل قلبي أن محمد فارس لم يبق معنا وخرج من معسكرنا .. لأن ماقاله أظهر لنا أننا كنا على صواب في عدم اظهاره كثيرا للاعلام الذي سيضحك علينا لتقديمنا من يفترض أن يكون أكمل رجل في سورية .. الذي سيجسد مقولة الفساد الشهيرة: الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب ..
في رحلة الفضاء السورية القادمة .. يجب أن يخضع المتنافسون لاختبارات الذكاء والثقافة والمعرفة وسعة الاطلاع قبل أن يتم اختبار عضلاتهم ونبضات قلوبهم ورئاتهم .. الأجساد تسافر الى الفضاء ولكن يجب ملء العقل وسقايته بالثقافة والحكمة والمعرفة قبل أن يحلق الجسد .. والا حدث تناذر محمد فارس حيث يصبح العقل فضاء خاويا بلا جاذبية .. وياخذ الجسد الى تركيا ..
سامحك الله يامحمد فارس .. كيف تطوعت بنفسك وخلعت ثيابك ومشيت عاريا من غير بزة الفضاء التي كانت تستر عيبك .. وشكرا لك أنك ساعدتنا على التخلص منك نهائيا ومن بزتك الفضائية وسنرسلها لك بحقيبة تليق بك عبر بريد جبهة النصرة (أو في بقجة كما تفهم لغتك الراقية) .. وسنرسل معها بندقية لك مع ذخيرة وسكين للذبح لتحمل السلاح الذي ندمت على حمله .. وصدقني لم يفتك قطار الجهاد بعد .. لازال أمامك معركة ادلب مع رائد الفضاء ابو محمد الجولاني ومراكب فضاء المحيسني التي سيملؤها لك بالحوريات ان أحببت .. وستجد أنك محاط بالملائكة التي ستهبط و سيرسلها لك مفتي الحرم المكي .. حيث تهبط اليك السماء والأقمار ولاتضطر لهذه الرحلة من محطة بايكانور ومركبة سيوز ..