
تركت الأزمة السورية بأثقالها على كاهل المواطنين فباتت أحلام غالبيتهم لا تتعدى حلم الحصول على تامين طعامهم وحاجياتهم اليومية فقط , فالليرة السورية فقدت الكثير من قيمتها الشرائية وارتفعت أسعار كل السلع ما بين 10 – 25 ضعفا بينما الراتب أو المردود ثابت , أما عن وعود الحكومة بمستقبل أفضل تبقى وعودا , ولا يستطيع المواطن سوى الشكوى ولكن لمن يشكو فهذا أبو مازن الذي فضل عدم ذكر اسمه يشكو لنا همومه بلغة الأرقام ودمعة زوجته التي تخفيها في عيناها تعبر عن عمق المأساة ويشير لنا ابو مازن إلى أولاده الأربعة وما يعانوه من شح في المصروف ويتمنى لو تفرج الحال وتعود أيام زمان ليبدأ بسرد أحاديثه بعد أن استللت قلمي وتناولت ورقة بيضاء من دفتري ليكون كل شيئ بلغة الأرقام
فمنذ عدة سنوات تجري دراسة للأخوة والأخوات من السادة الوزراء , حول واقع المعيشة بالنسبة للعامل أو الموظف الذي يدعي أن جيبه من الفلوس منظف , وبعد طول عناء ودراسة صماء .. وبعد سهر الليالي للنظر في المسائل كانوا جميعهم في الغد بنظرة متفائل , فقد تبين للسادة الكرام أن العامل أو الموظف قد لا يستحق كلمة ( ياحرام )
والآن جاء دورنا لنستوعب الجواب فربما كنا نبذر أموالنا من دون حساب ؟ فاتخذت من أبو مازن الموظف نقطة دراسة لواقع الحياة المعيشية والذي راتبه لا يتجاوز 30000 ألف ليرة سورية ولديه أربعة أولاد أكبرهم جامعي واثنان في الإعدادية وصغيرتهم في الابتدائية ,
والآن سنبدأ ببحث القضية…………
يقطنون في قرية جبلية تبعد ( 60 كم ) عن حمص العدية ورب العائلة عمله في المدينة في احدى الدوائر الحكومية ويحتاج يوميا إلى(600 ) ليرة للأجور الطرقية أي ما يعادل ( 180000 ) ليرة في السنة العادية بعد حذف أيام العطل الأسبوعية والعطل الرسمية .
ولنأتي الآن إلى ذلك الفتى الجامعي وكم يحتاج من مصروف خاصة أن أسعار الكتب ليست رخيصة كما هو معروف , وحاجته للمحاضرات والكثير من الحاجيات إضافة إلى رسوم الدراسة وأجور الطرقات وليكن المصروف في العام الدراسي ( 220000 ) ليرة سورية
وبما أنه لا توجد مدرسة إعدادية في قريتنا لا بد أن يدرس الطلاب في قرية أخرى والتي بمثابة جارتنا وهنا يحتاج طالبينا الأعزاء إلى مبلغ ( 8000 ) ليرة في الشهر لأجرة الباص ويجب الدفع مقدما فلا مفر ولا خلاص , أي ما مجموعه في العام الدراسي ( 72000 ) ليرة , ويحتاج طلابنا الأعزاء إلى بدلات زرقاء سماوية وتحتها قمصان زرقاء أو زهرية ولا ننسى الحذاء ومصروف فتاتنا الابتدائية والكتب والدفاتر وما يطلب من أقلام بأنواعها ومحايات ومساطر ولنضع مبلغا بسيط لكل هذا ( 35000 ) ليرة سنويا .
ولكي نستطيع المشي والدردشة لا بد أن نأكل ولو زيتونة مع قطعة خبز مقرمشة فهذه العائلة تحتاج إلى أكثر من ربطتي خبز يوميا أي ( 44000 ) ليرة سنويا ولا ننسى المؤونة التي يحتاجها كل بيت من السمنة والبرغل والزيت ومن أرز وشاي وسكر لنحلي به يومنا المعكر والمبلغ هنا لا يقل عن ( 100000 ) ليرة في السنة …. آآآآآآه نسينا أن نحسب الزيتون والمكدوس والزعتر وحاجة البيت إلى اللبن واللبنة والبيض والحليب والجبنة وكل الاحتياجات الأساسية من الطعام ولنضع مبلغا والرقم ليس بالتمام وليكن ( 100000 ) ليرة سورية
وماذا سنطبخ على الغداء…. بطاطا أم ملفوف , فكما هو معروف فإن أسعار الخضار أصبحت تطير وتحتاج الأم بعد التفكير إلى دفع الألوف فأقل أكلة في المصروف هل هي
( المجدرة ) ؟ بعد حساب تكلفتها تبين أنه لا يقل عن ( 400 ) ليرة ولهذا سميت أكلة مقدرة أي ما معدله سنويا ( 145000 ) ليرة سورية .
ولكن ألا تحتاج الأسرة إلى كيلو غرام واحد في الشهر من اللحمة أو يجب الإستغناء عنها حتى لا تصيبنا التخمة فالكيلو يساوي 3000 × 12 = (36000 ) ليرة سنويا
ووصلنا بعد كل هذا إلى دفع الفواتير الدورية من كهرباء وماء وهاتف ونظافة وفوق كل هذا ضريبة سقفية , لنحسبهم مجتمعين ( 30000 ) ليرة وللمازوت والغاز ( 100000 ) ليرة في السنة.
وكيف في الشوارع سوف نمشي أخبرني يانور عيني وسهاد رمشي هل نضع من سعف النخيل ملابسا لنغطي به ما كان للعار يفشي , وهنا سنضع مبلغا متواضعا ( 75000 ) في السنة ثمن للملابس بكل أنواعها , للألبسة الداخلية من….؟ و…..؟ ومن البنطلونات والبيجامات والجوارب والكنزات والكنادر والشحاطات .
لنحسب حاجة المنزل إلى المنظفات من مسحوق الغسيل وسائل الجلي والصابون وبعض المعقمات ومحارم اليدين والحمامات والمبلغ لا يقل عن ( 40000 ) ليرة في السنة . وأجور الحلاقة ( 10000 ) ليرة في السنة.
حتى الآن لم نتذوق أي نوع من الفواكه أو الخضراوات التي نسمع عن فائدتها أو أنها ليست من الضروريات , حتى الآن لم نستطعم بأي نوع من الحلويات أو المعجنات أم أنها ليست من الإحتياجات وإذا حسبنا هذه الأمور سنضع مبلغ متواضع زغرور وليكن (25000 ) ليرة سنويا .
لنضع الموازنة الآن بين الداخل والمصروف وسأبقى مجهول الهوية كي لا توضع على رقبتي السيوف , فدخل هذا الشخص في السنة ( 360000 ) ليرة والمصروف ( 1087600 ) ليرة أي أنه يبقى بحاجة كل عام إلى ( 727600 ) ليرة .
ولكن لم ينتهي هنا الحساب فزيارة لعيادة طبيب تزيدنا فوق العذاب عذاب , ولم ينتهي هنا الحساب فأي منزل مهما كان صغير يكلف ثمانية ملايين وجمع هكذا مبلغ بالطبع أمر عسير.
أيضا ألا يحق لنا أن نتمتع بالحياة كبشر ولو برحلة إلى طرطوس التي تبعد عنا ضربة حجر
ألا يحق لنا أن نحيا في جو ملائم أم علينا أن نعمل ونأكل وننام كالبهائم .
هل علينا أن نعمل بقول شاعرنا القروي :
ونشرب مما تشرب الخيل تارة وطورا تعاف الخيل ما نحن نشرب
فكيف حسبت ……….. هل من جواب ؟
– يبقى لنا أن نتمنى لأبو مازن وعائلته الفرج الموعود والصبر على حر الصيف وبرد الشتاء .
أندريه ديب














