مهتدي مصطفى غالب
نصٌّ قصصي: للشاعر مهتدي مصطفى غالب
غريبة أنت يا عيوني …تبكين حين الفرح .. تضحكين حين الحزن …
غريبة أنت يا عيوني …. سفنك المبحرة في البعيد البعيد تجرُّ الموانئ إليها …
بينما الليل يعيِّد في عيون النساء العائدات من الحقل …
حزينة أنت يا عيوني …
الجفاف يخيم على خلجان وجهك …
و هذه الأرض لم تذق الماء منذ عمر طويل ، لعلها نسيته أو نسيت مذاقه ، إنها في حالة عطش قارس له، و في كلِّ خطوة فتحت فماً لاستقبال نهر من الماء ….
حزينة أنت يا عيوني ..
و هأنذا جلجامش العائد من رحلة البحث عن اللقمة ، أحمل بين أصابعي زجاجة خمر معتقة ، حصلت عليها بعد تخمير عرقي في جرار التعب و الغربة و القهر ،
و على بوابتك يا عيوني ،
كانت عيون الأطفال ترقبني كالفهود الهندية السوداء ، و هي تستعد للخروج من وجوهها لتشرب رشفة مما معي
-إنه خمرٌ … ألا تصدقونني ؟؟!!
+لا عليك … إنه سائل كالماء ..بلهو الماء بعينه
-إنه خمر و يُسكر !!
+ أتريدنا أن نسكر أم نموتَ عطشاً ؟؟!!
ركضت فاراً بكنزي العظيم ..
ركض خلفي الأطفال و الشيوخ و النساء و الرجال و الشباب …
هربت إلى الأمام ، و كلما سقطت قطرة من الزجاجة نتيجة هزات الركض و الخوف ..
كانت أظافرهم تتحول لمعاول تشقُّ الأرض و ألسنتهم تمتد كالجذور متعمقة في الأرض باحثة عنها بين الشقوق …
تمسكت بعمق بزجاجتي كأنني صرت هي و صارت أنا ..خائفا عليها العطش الكاسر و مخالبه الملتوية حتى الحلق ..
و فجأة ..آه .. سقطت على الأرض ..
أفلتت الزجاجة من كفي
و راحت تتدحرج إلى أن ارتطمت بصخرة لئيمة
… فاندلق ما فيها على التراب ليرسم خريطة من ضحك و بؤس ..
و صلت الأيدي التي كانت تلاحقني ..
اختفيت خلف شجرة هرمة ذابلة ، أرقب ضياع جني العمر وردة الأبدية و الخلود..
امتدت الأيدي نحو الخمر لاستقباله ،
اشتد الصراع فيما بين الأيدي… الأظافر… الأنياب… الأفواه … الشيوخ … الرجال… النساء … الأطفال …
و عندما هدهم الصراع بتعبه ..
نظروا جميعاً بما فيهم أنا إلى زجاجة الخمر الفارغة ..
و إذ بالأرض قد ابتلعت ما فيها من الخمر
لتبدأ ديدان الأرض تروي عطشها..
من نهر الدم الذي جرى فيما بينهم …
حينها بدأت يا عيوني…
تضحكين