…مــن تركــيا اتتــورك العلمــانية إلـى تركـــيا أردوغـان العثــمانية ………..
……..لمـن الغـلبة بـين تركـيا والسـعودية عـلى زعـامة العـالم الاسلامي…………
……..مستــقبل العــلاقات الســورية التــركية بيـن الخصــومة والتـعاون ……….
=ـ2 —
المحامي محمد محسن
يتصف أردوغان بخاصية يتفرد بها بين أمثاله من الرؤساء ، كما يراه الكثيرون من المحتارين به ، ألا وهي سرعته في الانتقال من موقع إلى موقع مضاد ، وسهولة نقله للبندقية من كتف إلى كتف ، البعض يعتبرها خاصية ايجابية ويصفه بالثعلب الماكر ، والبعض يقول النقيض ويصفه بالتردد وعدم الاستقرار ، وأنا أرى أن الصفتين تجتمعان في شخصه ، ثعلب ماكر أحياناً ومتقلب متردد أحاييناً في آن ، لكن الأهم ادراك أسباب هاتين الخصيصتين ، فهل هما صفتين ملازمتين لشخصيته ؟ ، أم هما استجابة منطقية وموضوعية تفرضها ظروف بلده المتقلقلة وغير المستقرة التي تعيشها تركيا في هذه الأيام ؟ ، والخسارات الكبيرة المتلاحقة لأحلامه التي أجهضت ؟؟ ، بعد سقوط مرسي الإخواني في مصر ، وبعد الضربة الزلزلة التي زلزلت كيانه من سورية ، فأصابته بإحباط أعتقد أنه أضاع بعضاً من صوابه ، من هنا ومما سيأتي نفهم أسباب تقلقله ، لذلك سينصرف اهتمامنا التفصيلي عن بالأسباب التي ألجأت أردوغان ليكون بهذه الصفات .
.
كان أردوغان يقود الاقتصاد التركي بخطوات متسارعة تحسب له ، وهي التي ساهمت بنجاحاته ، طبعاً من خلال مليارات الدولارات الغربية التي رفدت اقتصاده ، ولكن وبالرغم من الخدمات التاريخية الكبيرة التي قدمتها تركيا للغرب ، بقيت الثقة الغربية بتركيا مهزوزة ، وتعتريها الريبة ، أدرك أردوغان هذه الحقيقة متأخراً ، ولكنها شكلت لديه قناعة نهائية بذلك ، فوجدها مبرراً لتحوله من التغريب إلى التشريق ، معتمداً نظرية صاحبه وفيلسوفه أحمد داوود أوغلو ( التوجه شرقاً ـــ مع عداوات صفر ) ، فانفتح على سورية بسرعة ملفتة وبكثير من الثقة وبكثير من الود حد الاندلاق ، لأن سورية هي الممر الاجباري الذي سيفتح له الطريق إلى الأسواق العربية ، التي يحلم بالسيطرة عليها ، معتمداً على اقتصاده الأقوى في المنطقة والقادر على المنافسة ، ومن يسيطر على الاقتصاد تصبح السياسة لعبته ، ومعتبراً أن هذا الطريق سيحقق حلمه في استرداد العثمنة على مذهب الإخوان المسلمين ، الذين يناديون بإعادة الخلافة ، ( السلطنة ) عبر تاريخهم ، عندها يصبح أردوغان وصياً على المسلمين ، لكن هذه الوصاية تنازعه عليها تاريخياً الوهابية السعودية حد التناحر ، لأنها تعتقد أنها الأولى بحكم سيطرتها على الحجر الأسود المقدس ، الذي يحج إليه المسلمون في كل أصقاع الأرض كل عام , فضلاً عن أن المال النفطي قد ساهم بتعميم المذهب الوهابي على الكثير من التجمعات الاسلامية في الغرب وغيره . لذلك بات الصراع مكشوفاً بين من كانت الخلافة في أرضه تاريخياً ، وبين من يضع الحجر الأسود تحت سيطرته ، ولكن المشترك بين الحركتين الاسلاميتين ، اتفاقهما على تدمير سورية ، وتكفير جميع المذاهب الأخرى ، والكافر عند الحزبين يقتل شرعاً .
.
جاءت أردوغان دفقة معنوية كبيرة رفدت معنوياته ، وأمالت الكفة لصالحه ، عندما استولت حركة النهضة الإخوانية على تونس بعد فرار بن علي ، أما الجائزة الكبرى التي جعلته يعتقد وثوقاً أن حلمه اقترب من التحقق ، وصول مرسي إلى قصر الرئاسة في مصر ، والتي وضعته في موقع يؤهله ليكون المرشد العام الأول للإخوان المسلمين ، وهذا يجعله تلقائياً أمام المطالبة بحقه المغدور بإعادة السلطنة ( الخلافة الاسلامية ) ، إلى مستقرها التاريخي ، من هذا الاحساس الفائض بالقوة ، تغيرت مواقفه من جميع قضايا المنطقة ، وانعكست عليه نفسياً وعلى تعامله مع الآخرين أفراداً ودولاً ، وبدأ يتعامل مع الجميع كسلطان متوج وبمنتهى الخفة ، وأكبر تعبير عن ذلك السلوك السلطاني العثماني المتعالي لديه ، نَقْلَتَهُ السريعة من مواقع الود حد التآخي مع سورية ، إلى سياسة التعالي والاملاء والفرض ، وعبر عن ذلك برسالته إلى الرئيس السوري عندما طلب منه اشراك الاخوان المسلمين القتلة في الحكم ,,، وإلا ،،، .
.
وعندما رُفض طلبه ، انتقل من موقع الصداقة والمودة ، إلى موقع الذئب الذي كشر عن أنيابه ، وأشهر العداء لسورية قولاً وفعلاً ، وبأبشع الصور وبدأ يرعد ويزبد وانخرط بكل طاقاته مع معسكر العدوان في استقبال الارهابيين ، وإعدادهم وتدريبهم ، وتسليحهم ، وتمويلهم ، بعضاً منها من أمواله والكثيرالآخر من دول العدوان المشتبكة في الحرب ، حتى سعد الحريري أرسل ( عقاب صقر ، ليرسل الحليب والبطانيات للمقاتلين ، تخيلوا هذه الهمروجة ) .
.
كان أردوغان مستبشراً بالنصر وأن سورية ستركع ، وتنبأ بسقوطها خلال شهر أو أكثر ، وأنه سيصلي في الجامع الأموي في العيد القادم ، ومن هناك سَيُعْلِنُ تنصيبه ( سلطان البحر والبر ) ، وشاركه في تفاؤله هذا جميع قطعان المعارضين المتدرجين ، من العملاء ، والحاقدين ، والانتهازيين ، والتكفيريين ، كما جارته السعودية الحليفة والشريكة والخصم في آن واحد ، شاركته في تفاؤله بتهديم سورية وقدمت حصة الأسد من مال ، وسلاح ، ورجال للإرهاب القاتل ، لكنها بقيت في موقع المنافس له على الخلافة الاسلامية .
.
لم توفر دولة من دول معسكر العدوان كلها بما فيها اسرائيل وتركيا ، جهداً عسكرياً ، أو مالياً ، أو تجسسياً إلا وقدمته ، لقتل السوريين وتدمير بلادهم ، طبعاً كل ذلك تم بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ( المايسترو ) . لكن الجيش العربي السوري البطل ، وشعبه الصامد الصابر تحمل ما لا يتحمله شعب في العالم ، رد الهجمة البربرية المتوحشة بكل تشكيلاتها أو يكاد ، وحرر غالبية الأراض السورية ، من / 390 / ألف انسان متوحش طبعاً بمساعدة الأصدقاء والحلفاء الأوفياء .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبسط منطق في الدنيا يقول : إن الجيش الذي حرر كل هذه المدن ، والقرى ، والدساكر ، والصحارى ، والجبال ، والكهوف ، والوديان ، وأمريكا موجودة في كل ميدان ، لن يعجز عن تحرير ادلب ؟؟؟!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مــا هــو سبــب تـأخـر الجيــش فــي الحــسم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
امام الجيش العربي السوري لتحرير ادلب و جوارها مسألتان : الأولى أنه لا يرغب اصابة مواطنيه المدنيين المنكوبين ، كما لا يريد تهديم المدينة لأنها مدينته ، هذه واحدة ، أما الثانية : فإن أي جيش وطني في العالم حِكْمتهُ تقتضي تجنب أي حرب اذا لم تُلجئُه الضرورة ، بل من واجبه تغليب الحل السلمي الذي يحمي العباد والبلاد ، ولكن ان سُكِّرت الأبواب أمام الحل المنشود ، فسيقاتل كل شياطين الأرض من ارهابيين ، وهل سيسمح الجيش العربي السوري ، ببقاء ادلب خارج سيطرته وهو الجيش المنتصر ؟؟ ، هذا احتمال غير وارد بالمطلق ، ولا يقبله منطق .
.
مـــــــأزق معـــــــسكر العـــــــــدوان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما المأزق العام الذي يحاصر جميع دول معسكر العدوان وتشاركهم فيه تركيا ، كل بحجم تورطه في هذه الحرب الظالمة ، [ ألا وهو : تحرير ادلب يعني خسارة نهائية للجميع ، بل هزيمة مجلجلة لهم ، وهذا أمر خطير تواجهه مائة دولة وأكثر تقودها أقوى دولة في العالم ، هذا الرهط من المعتدين ليس هيناً عليه الاعتراف بالهزيمة ، والخزلان ، والخسران ، لذلك الجميع يرغب أن تبقى ادلب علكة يعلك بها اعلامهم أمام شعوبهم التي ضللوها ، وستمنحهم هامشاً ولو كاذباً بأن النصر كله لم يتسرب بعد من بين أيديهم ، ويتوهمون أن هناك بعض بصيص من أمل .
.
أما الرعب الذي يلاحقهم جميعاً هو : عودة الارهابيين الذين استخدموهم لتدمير سورية إلى البلدان التي جاؤوا منها ، عندها تكون الطامة الكبرى ، لذلك : المنطق يقودنا إلى الاعتقاد أن الرؤساء الغربيين ، يتمنون سحق الارهابيين في سورية حتى لا يعودون إلى أوروبا فيقضون مضاجعها ، وهم لا قبل لهم بمواجهتهم [ عندها قد يطلبون عوناً من الجيش العربي السوري ] ولكن وفي نفس الوقت كيف سينتقلون من مواقع الدعم المطلق للإرهابيين إلى التخلي المطلق عنهم ، والاعتراف بأنهم ارتكبوا أكبر حماقة في التاريخ ، عندما استنسخوا طاعون الارهاب من فقه ابن تيمية ، وطعموه بالوهابية مع نكهة اخوانية وقد يقتلهم ؟؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمـــــــا مـــــــأزق تــــــــركــيا :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو مثلث الأضلاع ، كيف ستنتهي علاقتها مع عشرات الحركات الارهابية ، التي أنشأتها وسلحتها ومولتها وكانت تسير بأمرها ، والتي تدين لها بالولاء والمتكومة في ادلب ؟ ، هل ستستقبلها على أرضها ؟ ، أم سيرحل أعضاؤها إلى بلدانهم وكيف ؟ أليست معضلة ؟ ، ثم كيف سيتعامل مع بقية الحركات الارهابية الخارجة عن ارادته ؟ ، والتي تساكنه حدوده ؟ ، عندما تفر كالفئران من وجه الجيش العربي السوري ؟؟ ، أليست معضلة ثانية ؟؟، والناتج من الاحتمالين مرعب لأردوغان ، فماذا سيحدث لتركيا عندما يتغلغل الآلاف أو عشرات الآلاف من الارهابيين المدربين على القتل في نسيجها الاجتماعي المخلخل بنيوياً ؟؟ ، والتي يتربص بها الكثير من الأعداء الأكراد وغيرهم ؟ ، من هنا يمكن أن نفهم سياسة أردوغان مع مآزقه ، والتي تربك الشيطان ، فكيف لا تربك هذا الرجل المحاصر؟؟