أصبحت السياسة في بلدنا وفي الشرق عامة ، مهنة بل موضة ..واصبح الكل ينظر ويحلل لمجرد اعتقاده أنه يفهم ويعي ويتقن كل فنون السياسة وعلوم الاجتماع والتاريخ ويدرك معنى "روح الشعوب" …وينبري في تحليل خنفشاري من خلال لعبة الكلمات في حفلات التهريج التلفزيونية….
فما هي السياسة ، وماذا يعني التحليل السياسي ؟
ﻻﻳﻜﻔﻲ أن ﻳﺴﻴﻄﺮاﻹﻧﺴﺎن على اﻟﻄﺒﻴﻌﺔ؛ﻓﻠﻜﻲﻳﻌﻴﺶ في المجتمع ﻳﺠﺐ أنﻳﻌﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﺮدع ﻧﻔﺴﻪ وﻳﺨﻀﻊ ﻟﻠﻘﻮاﻧين اﻟﻌﺎﻣﺔ. وﻣﻦ واﺟﺒﺎت ﻗﺎدة اﻟﺸﻌﻮب أن ﻳﻤﻠﻮا على اﻟﻨﺎسﻫﺬه اﻟﻘﻮاﻧين وﻳﻠﺰﻣﻮﻫﻢ ﻃﺎﻋﺘﻬﺎ..
ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺳﺔ :ﻫﻲ اﻟﺘﻮﻓﻴﻖ ﺑين اﻟﺴير واﻟﺤﺮﻛﺔ وﺑين ﻣﻘﺘﻀﻴﺎت ﻛﺎﻧﺖ معقولة أم ﻏيرﻣﻌﻘﻮﻟﺔ، وﻗﺪ ﻳﻘﻮل اﻟﻌﻘﻞ إن ﺗﻘﺎﻟﻴﺪ اﻟﺸﻌﺐ اﻹرﺛﻴﺔ وﻣﻌﺘﻘﺪاﺗﻪ ﺑﺎﻃﻠﺔ،وﻟﻜﻦالسياسي اﻟﺤﻘﻴﻘﻲﻻﻳﻨﺎﻫﻀﻬﺎ ﻟﻌﻠﻤﻪ أﻧﻪ ﻻ ﻃﺎﺋﻞ من ذﻟﻚ، وﻫﻮ في ﺳيره على ﻋﻜﺲ أرﺑﺎب اﻟﻌﻠﻮم اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪون — ﻟﺠﻬﻠﻬﻢ ﺣﻘﺎﺋﻖاﻷﻣﻮر—أن اﻟﻌﻘﻞ ﺳﻴﺤﻜﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻳﺤﻮل اﻟﺮﺟﺎل، ﻧﻌﻢ إن اﻟﻌﻘﻞ ﻳﻬﻴﺊ اﻷﻣﻮرٍّ ﺑﺎﻟﺘﺪرﻳﺞ ، إي اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻮل ﺑﻬﺎ ﻧﻔﻮﺳﻨﺎ،ﻏيرأن ﺗﺄﺛيرها المباشر ﺿﻌﻴﻒﺟﺪا ،والتحول ﺑﻐﺘﺔ ﻗﻠﻴل للغاية ،واﻟﻘﻮل ﺑﺄن الوعي الجمعي للشعوب يتبدل ﺑﺘﺒﺪﻳﻞ ﻧﻈﻤﻪ وﻗﻮاﻧﻴﻨﻪ هو اعتقاد خاطئ .
وللوقوف على جوهر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻳﻌﻠﱢﻢ الساسة ﻛﻴﻒ ﻳﺤﻠﻮن ﻣﺎ يعترﺿﻬﻢ ﻛﻞ ﻳﻮم ﻣﻦالمشاكل ،ﻓﻴﻤﻴﺰون ﺑين اﻷوﻗﺎت اﻟﺘﻲﻳﻠﺒﻮن ﻓﻴﻬﺎ رﻏﺒﺎت اﻟﺸﻌﺐ أوﻳﻘﺎوﻣﻮﻧﻬﺎ. وليس " ﺣﺴﺐ ﻣﺰاﺟﻬﻢ" ﻣﻊ أن اﻟﻮاﺟﺐ يقتضي ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺄن ﻳﻘﺎوﻣﻮﻫﺎ أوﻳﺬﻋﻨﻮا ﻟﻬﺎ ﺣﺴﺐ اﻷﺣﻮال "وهنا يكون دور الاقناع "،وﻻشيء أﺻﻌﺐ ﻣﻦ ﻣﻌﺮﻓﺔ ذﻟﻚ في ﻋﺎﻟﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ.
ومن أهم ﻋﻮاﻣﻞ اﻹﻗﻨﺎع هي التكرار ، لما ﻟﻠﺘﻜﺮار ﻣﻦ ﺸﺄن عظيم ، اي ﺗﻜﺮار الشيء اﻟﻮاﺣﺪ بتعابير ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ،وﻟﻢ ﻳﺒﺎﻟﻎ ﻧﺎﺑﻠﻴﻮن ﺑﻘﻮﻟﻪ إن اﻟﺘﻜﺮار "ﻣﻈﻬﺮ االبلاغة الاساسي"
التحليل السياسي :
التحليل السياسي هو أحد السبل لتطوير مقاربة استراتيجية للقوى المؤثرة ،وهو عملية تفصيل اللاعبين الرئيسيين (من الداخل والخارج )في المجتمع أو في بيئة سياسة ، وتحديد كيفية تأثيرها على التقدم نحو أهدافك ، ووضع استراتيجيات للتفاعل معهم لتحقيق أهدافك. ومن أجل ذلك لا بد من فهم الاهتمامات والمصالح والمتغيرات التي تحكم الدول الفاعلة ،من خلال الربط مع العقائد الجيوسياسية (تأثير الدول الفاعلة في قضية أو أزمة ) ومسار المواقف والتصريحات ،إضافة الى ضرورة فهم كم كبير من المعطيات التي لا تقتصر على طبيعة العلاقات الدولية ، ولا تنتهي بالاساليب و التكتيكات ،والحروب النفسية والاعلامية ، الى حسابات الأسباب والنتائج العملية.
إذا التحليل السياسي يهدف الى فهم واستخلاص تأثير السياسات على اهدافنا ، ووضع استراتيجيات للتفاعل من أجل تحقيق اهدافنا ومصالحنا …وبالتالي ليس عملا للهواة وليس تهريجا او استعراضا وانما مسؤولية …