..الحـــــــــرب علـــــى ســـــــورية ستــــــــغير العـــــــــالم…………….
…………….الواقـــع العالمــي المـــوار يشـــكل مقـدمـات لعـالم جـــديد…………….
…………….أرادت أمــريكا مســك العــالم بقبضتـها فتــفلت من يديــها…………….
المحامي محمد محسن
التاريخ لا يقف عن مساره، ولا يتكرر، كنهر دافق، ولا يرجع إلى الوراء، وليس مستقيماً، يسير على سكة طويلة متعرجة كقطار، يمر في محطات كثيرة يُنزل فيها بعضاً من حمولته، ويصعدُ إليه آخرون، هكذا هي حركة التاريخ، والتاريخ هو سجل الحضارة الانسانية .
سرقت أمريكا حركة التاريخ في غفلة، وحولته عن سكَتِهِ ومسارهِ الانساني الصاعد، وكادت تغتال نزوعه نحو رفاه الانسانية، بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي عام / 1989 /، واغتيال جميع الحركات التي كانت تتفيأ بظلاله، وعلى رأسها حركات التحرر في العالم الثالث، كما لاحقت وفككت الأحزاب اليسارية، والنقابات العمالية في أوروبا وخارجها، والتي كانت تشكل نسغ الحياة الأوروبية، وحيويتها المتفاعلة مع القضايا العادلة لشعوب العالم الثالث المنهوب، وعملت على إلغاء أدوارها النضالية ( الاجتماعية ، والمطلبية ، والثقافية )، فباتت المجتمعات الغربية راكدة بعد فقدانها لشرايينها التي كانت تمدها بالحيوية والفاعلية، وهذا يمكن سحبه على واقع شعوبنا ، من هذا المِفْصَلْ وغيره سنضع أيدينا على أهم أسباب التحرك الأوروبي .
.
منذ أن خطفت أمريكا التاريخ وهي تلعب به وبمصير الشعوب، وتأخذه حيث تشاء، كإقطاعي مطلق اليدين يملك الأرض ومن عليها، تُحرك السياسات الدولية بخيوط وهمية كما يحرك اللاعب الدُما، لا يحق لأحد أن يعترض، ومن يعترض ينال جزاءه .
ما دامت أمريكا مالكة للأرض والسماء والمحيطات، كان من حقها نشر قواعدها العسكرية البرية والجوية على القارات الخمس، كما نشرت أساطيلها البحرية في المحيطات الخمس، بدون منافس أو معترض، وفرضت سيطرتها على المؤسسات الدولية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وجميع الهيئات التابعة لهما .
.
وكان الأهم من كل ذلك إمساكها بكلتا يديها، بحركة النقد العالمية، التي تعتبر عصب الحياة الاقتصادية بين كل دول العالم، من خلال سيطرتها على أهم مصرفين في العالم، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومن خلال هاتين المؤسستين الهامتين، أمسكت بالدولار بصفته العملة الدولية الأهم في العالم، والذي يعتبر الرائز الأول، الذي تقيم على أساسه القيمة التبادلية لجميع السلع والمنتجات الاقتصادية بين جميع الدول، هذه العملة تطبع في المطابع الأمريكية، ويتحكم بها المصرف الاتحادي الأمريكي، ولا يكلفها إلا ثمن الورق والحبر الذي تطبع بهما .
.
بعد أن أمسكت أمريكا بجميع الخيوط التي تتحكم بمقدرات العالم، وأصبحت السيدة المطلقة، كان من حقها تأديب اي دولة مشاغبة، أو تفكر بأن تكون مشاغبة، كان من الطبيعي أن تستكمل محاصرة روسيا، وذلك من خلال تمزيق جميع الدول التي كانت تسير في ركبه، أو التي كانت تعيش تحت حمايته، فبدأت حروبها الملونة ( المخملية ومن ثم البرتقالية ) متنقلة وبالتتابع من أوروبا الشرقية ، ومن ثم البلقان، ثم جورجيا، واوكرانيا، فالربيع العربي ( الأخضر)، والتي كان يقتصر الدور الأمريكي في هذه الحروب، على وضع الخطط، وحشد الطاقات، وتوزيع الأدوار بين الحلفاء وعملاء الداخل، ومن ثم اعطاء أمر العمليات، معتمدة اسلوب الحروب التشاركية وغير المباشرة، مع بعض المساهمات العسكرية الأمريكية المباشرة، ولكن بشكل جزئي، ومن خلف الستار .
.
علينا أن نعترف أن أمريكا قد حققت انتصارات سريعة ومذهلة، في جميع حروبها التي خاضتها مع حلفائها، كما أنها تمكنت من تدمير تلك الدول وتمزيق لحمتها الاجتماعية، وتفتيتها وفق انتماءاتها الدينية والمذهبية والاثنية، محققين بتلك الحروب جميع الأهداف التي جاؤوا من أجلها، كل هذا صحيح .
ولكن الموضوعية تقتضي ملاحقة ردود الفعل التي تأتت عن هذه الحروب، فلكل فعل ردة فعل توازيه وتخالفه في الاتجاه، ولما لم يكن من الجائز اعطاء العصمة لأمريكا قائدة القطب العالمي الأوحد من الوقوع في الخطأ،ـــ كما يقول أتباعها وعملاءها، أو يرغبون أن تكون ـــ وبخاصة وأن هذه الدولة لا تناصر إلا القضايا الظالمة، لذلك يكون خطأ أمريكا بصفتها الدولة المتغطرسة والمعتدية يتناسب وحجمها، ويوازي الغايات التي كانت تبغيها من وراء الحروب التي فجرتها، بل تفوقها وفق كل المعايير .
لذلك كان اقترابها كثيراً من حضن الدب الروسي من خلال تفجيرها ( للثورة البرتقالية ) في أوكرانيا، يعتبر خطأً استراتيجياً قاتلاً، ويمكن اعتباره القشة التي قسمت ظهر البعير، والتي يمكن اعتبارها بداية خسراناتها، فكان أن اهتبل الرئيس الروسي بوتن الفرصة، وأعاد جزيرة القرم إلى أمها روسيا، والتي تعتبر أهم قاعدة حربية على البحر الأسود، فكانت الضربة الاستراتيجية الأهم التي لم توقظ الدب الروسي من ثباته فحسب، بل أيقظت حلمه بإعادة دوره السوفييتي المغدور، والدافع الذي أعطاه جرعة هامة من الأمل .
.
أما السقطة الثانية والتي يمكن ربطها بالسقطة الأولى، ألا وهي استسهال أمريكا لحربها الأخيرة على سورية، معتمدة ذات المقاييس الذي استخدمته في ما سبق من حروبها، والتي حققت فيها انتصارات سريعة، معتمدة نفس الأسلحة والخطط، وبدون أن تأخذ بعين الاعتبار هي وحلفائها وتابعيها، أهمية الموقع الجغرافي والجيوبولتيكي السوري الاستراتيجي، والبنية المجتمعية، وكثير من العناصر والتمايزات الأخرى، بالرغم من أن هذه الحرب، هي أكثر أهمية بالنسبة لهم من جميع الحروب التي خاضوها، لأنهم كانوا يبنون عليها آمالهم العراض، وكانوا يهدفون تفتيت سورية وتمزيقها، خدمة لإسرائيل وتهيئة جميع الظروف لتكون وكيلة الغرب في ادارة مصالحهم في الشرق الأوسط، وتخليص السعودية وجاراتها من الدولة المشاغبة في المنطقة، والأهم من كل هذا وذاك اعتبارها توطئة لقفزاتهم القادمة تجاه الصين وروسيا .
.
لذلك شكلت خسارتهم للحرب على سورية ردود فعل على جميع دول المعسكر المعادي، كل بحسب دوره والغايات التي كان يهدفها من وراء الحرب، نعم قلبت خسارتهم في سورية المعادلة رأساً على عقب، وايقظت ممالك الخليج أو ستوقظهم ولكن بعد فوات الأوان، لإدراك حجم التضليل، والتوظيف، والاستغلال لغباء الملوك وسفههم ، الذي مارسته عليهم أمريكا من خلال توريطهم في حرب ليست لمصلحتهم، بل كانت سترتد عليهم بالوبال المقيم، لأن تدمير سورية وتفتيت هذه الدولة المشاكسة في المنطقة، ، سيكون مقدمة مؤكدة لانهيار جميع الممالك وغيرها في المنطقة، وسيؤكلون بعد أن يؤكل الثور الأبيض .
.
وعلى سبيل الاستطراد، تعالوا لنستقرئ ونطل على واقع مملكة الأردن وممالك الخليج لو تحققت هزيمة سورية (التي كانت منتظرة )؟؟، كيف سيكون حال الأردن مع اسرائيل ومع الإرهاب ؟؟ وكذلك باقي الممالك، هل ستكتفي اسرائيل باستعبادهم، ؟؟ أم ستحولهم إلى قبائل، وعشائر، وبطون، ومذاهب، متقاتلة حتى ( يوم الدين )،؟؟ .
.
قلنا أن الحرب التي قادتها أمريكا على سورية، كانت تعتبرها رغم اهميتها، حرباً تمهيدية للتضييق على روسيا والصين، ومنعهما من الاقتراب من المياه الدافئة، وأخذ حجمهما في السياسات الدولية الذي يتناسب وحجم نمائهما الاقتصادي، والذي قد يدفعها للتفكير بتشكيل تكتل سياسي اقتصادي منافس للوحدانية الأمريكية .
.
ووجه الغرابة في ما حدث، أن أمريكا التي فجرت هذه الحروب، لتقتلع بقايا الأشواك التي كان قد زرعها السوفييت في طريقها، والتي كانت تنغصها، وتؤرق حلفاءها وتابعيها، وإذا بها وهي تنتقل من حرب إلى أخرى، ومن انتصار سهل إلى انتصار يماثله، مما أفقدها ذلك الاستسهال قدرة التنبه والتحوط، عندما أشعلت ( الثورة البرتقالية ) في أوكرانيا، التي أعادت لروسيا جزيرة القرم، والتي منحتها القاعدة العسكرية الأهم على البحر الأسود، والتي لولاها لما استيقظ الحلم الروسي في امكانية استعادة حجمها في السياسة الدولية، ومن خلال هذا الحق جاءت لتنازل أمريكا في الميدان السوري .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استناداً على ما تقدم نؤكد على :
الحرب على سورية أخمدت شهية أمريكا في اشعال حروب عسكرية أخرى، وهذا سيدفعها لتقليص قواعدها في المنطقة، وستبقى تهديداتها لإيران وغيرها في حدود التهديد الكلامي، ولكن هذا لا يلغي حروبها غير المباشرة عن طريق استخباراتها وعملائها.
وعلى الميدان السوري وبسببه بدأ الحلف الأمريكي الأوروبي يتضعضع، وبخاصة مع دول الخليج وتركيا، لفقدانهم الثقة بالحماية الأمريكية، وهذا سيؤدي بدوره إلى خلخلة بنى محميات الخليج، أما اسرائيل فلقد باتت في أسوأ مرحلة تاريخية مرت بها .
كل هذا سيمهد لتغييرات واسعة على مستوى العالم، وعلى الأحلاف والتحالفات، فستولد أحلاف وستتفكك أخرى، ويمكن أن نقول وبكل ثقة أن العالم مُقدم على تحولات تاريخية كبرى، وهذا بدوره سيعيد حركة التاريخ إلى مسارها، بعد تخليصه من الاخطبوط الأمريكي .