حلب التاريخ .. حلب الحضارة .. كان فيها ما قبل عام 1950 أول مول تجاري .. وربما أول فكرة لمول على مستوى سورية ودول الجوار ..
نعم فقد كان ذلك ضمن محل كبير المساحة يدعى ببازار الشرق الواقع بسويقة الحجارين ويعود تاريخ المبنى لأكثر من 300 عاما" .. تدخل إليه فتحس بالعظمة والهيبة .. وكانت المعروضات صناعة غربية ومميزة عما هو في السوق .. والموظفات والموظفون يرتدون ملابس جميلة .. وتسريحات آخر موضة .. وفن ورقي بالتعامل .. وابتسامة مشرقة …
كان بازار الشرق يحتوي ألعاب أطفال بأشكال الحيوانات مصنوعة من البلاستيك الصلب ، ويدعى ( باغا ) وذات ألوان فاقعة ، كالأحمر والأصفر والأخضر وغيرها ، ومزينة ومزخرفة ، ذات حجم كبير قد يصل للحجم الطبيعي أو نصفه ..
كما يحتوي المحل على أثاث جميل صناعة أوربية كطاولات الطعام المميزة ، ومفروش عليها الأطباق والشوك والملاعق الفضية ، والمفارش المزركشة ، وكذلك كان بازار الشرق يعرض أفخم أنواع المناشف وبرانص الحمام القطنية والمخملية ، وأغطية الأسرة والمخدات ، والحرامات الفخمة ، والستائر ، ونحو ذلك ، بالإضافة لكل ما يحتاجه المنزل من أجود الصناعات ، وكانت في الغالب صناعة أوربية ..
كان أوج ازدهار بازار الشرق في خمسينات وستينات القرن الماضي ، وكنت تدخله فتحس بنفسك وكأنك في متجر أوربي ، ويعاملك الباعة باحترام وثقة ، وتتسوق ما يحلو لك ، وتخرج مقتنعا" ومسرورا" ..
بعد ذلك توقف هذا البازار عن نشاطه ، وظل مغلقا" ، وتحول في العام 2004 لمطعم تراثي يقدم الطبخ الحلبي الأصيل ، ثم جاءت الحرب ، لتطاله الحمم ، والسرقة والنهب ، حتى أصبح قاعا" صفصفا" بكل أسف ..
مررته في خريف 2018 ودخلت صالته ، لأرى الدمار والحزن لأجمل مول عرفته في صغري ، وتملكني الذهول ، ولم أصدق من حدث !!
هكذا كانت حلب قبل سبعين عاما" ، حضارة وازدهار ، عرفت فكرة المول ، وفخامة البضائع ، وفن الديكور وطريقة العرض ، ورقي الإدارة والموظفين والباعة ، وليس كما صورها مسلسل باب الحارة من خلال شخصية هزلية للمدعو ( أبو بدر ) الساذج المغفل ، وزوجته بدرية ..
التقطت هذه الصورة الحزينة لبازار الشرق ، وربما لم أستطع تغطية تاريخ وذكريات هذا المكان ، الأمر الذي أنتظره منكم أعزائي ، ممن عاصرتم تلك الفترة ، أو حكى لكم عنها الآباء والأمهات ، متمنيا" أن تعلقوا بما لديكم ، ونوثق تلك الحقبة الجميلة لبازار الشرق …
بقلمي ١١ شباط ٢٠١٩
عبدالرحمن الجاسر _ حلب