حاورها / أيمن دراوشة
كاتبة استطاعت أن تشد القارئ إلى نصوصها المتنوعة، وتشعر أثناء حديثك معها بأنّها امتلكت ناصية القلم وكبرياءه، كما تتلمس ثقافتها الواسعة المتعدّدة التي أضافت لشخصيتها المبدعة الكثير، مما يجعلك تطيل الحوار معها …
تجيبك عن الأسئلة بكلّ ذكاء واحتراف دون تحوير ولا مراوغة، تنقل الحقيقة كما هي، في هذا الحوار حاولنا الاقتراب من هذه الكاتبة لمعرفة خفايا الكتابة وأسرارها عندها، فكان لنا هذا اللّقاء الشيّق الممتع.
1/ : الكاتبة وداد الحبيب: هلا عرَّفتِ بنفسك للقارئ العربي.
وداد الحبيب مربّية أستاذة فرنسيّة للأقسام الابتدائيّة، تونسيّة… أكتب النّثر والشعر… صدرت لي مجموعة قصصيّة (ثرثرة أنثى) وصدر لي ديوانان شعريّان (أنا العاشقة) و(خيال المرايا) وقريبا تصدر لي روايتي الأولى …
2/ : نصاً قصصّياً، أو شعراً، كيف/ متى/ لمن تكتبين؟
الكتابة الأدبية حياة من نوع خاص، إنّها مكابدة لذيذة ووجع جميل. عندما أكتب أكون في مناخات مختلفة وكون خاص أعبر خلاله إلى دنيا الوجود السرمديّ … دنيا المشاعر الشّفيفة…أكتب من نفسي لكلّ الذين يقفون على ضفّة الانتظار… انتظار ميلاد جديد وفجر متجدّد… أكتب للإنسان الذي يكابد من أجل أن يعيش ..للمرأة التي تبحث عن كيانها المفقود ..العاشقة التي تُذبَحُ مشاعرها على خشبة النسيان والقهر .. للطفلة الحالمة فيّ… للمقهورين في زمن الجحود … للمنسيين من موعد الفرح… لكلّ الذين تُدينهم قوانين الظلم وشرائع الفساد… أكتب عندما يتملّكني التمرّد ويجتاحني الوجع ويرحل بي طائر الفينيق لأحترق معه…
– 3/أساس المعنى، "المدرسة" الفكرية، فإلى أيّ مدرسة فكريّة تنتمي الأديبة والشاعرة وداد رضا الحبيب؟
أعتقد أنّ الكاتب -أيّ كاتب- لابدّ أن يكون قد انطبع في مرحلة أولى بشتّى المدارس الفكريّة وتشبّع بعديد الثقافات ،ونهل من ينابيع فكريّة مختلفة ليكون جاهزا لمكابدة الكتابة …أنا أجزم أنّي نهلت من هذه الينابيع وقرأت الأدب العربي والغربي وعرفت الشعر من أصوله ومنذ بدايات فجره الأوّل فمع عشقي للّغة العربيّة أنا مختصّة في اللّغة والأدب الفرنسي ..و أعترف أنّني أميل إلى الواقعيّة المشوبة بالرّومنسية الحالمة. وطبعا دراستي الحاليّة في الماجستير فلسفة ستؤثّر ايجابا على كتاباتي النثريّة والشعريّة.
4/ـ منجزك القصصي غني بالسيرة المتوارية، ما الداعي لهذا؟
القصّة فنّ يحتكم إلى ابجديات الواقع وعتبات الحقيقة والسيرة الأدبية ليست طابعا يأسرني، إنّها نهج أسير فيه لأرسم موطني الأدبي وكوني الفكري.. لا أرتهن لفكرة الوقوف على عتبة البدايات لأنّي أعتقد كما يقول أديبنا التونسي الكبير الراحل محمود المسعدي (الوقوف لي موت) أنا أكره التكرار والسيرة المتوارية إنّما هي ظلّ ثابت لي . أنا اكره الوقوف ولا سيرورة تكبّل مساري… بل هي وقفة تأمّل تليها رحلة سير طويلة…هكذا يكون لما أكتب طعم الاختلاف.
5/ هل نستطيع أن نقول أنّك تجانبين الواقعية في بعض نصوصك؟
لم أجانب الواقعيّة بل أدرت ظهر النصّ للواقع حتى إذا ما التفت أجد الصورة التي انتظرها… يعني أنّ الواقع في كتاباتي يخبو بريقه ليشعّ في اللحظات المواربة للمعنى، الواقعيّة الرومنسية التي أنشدها لا تقف طويلا أمام عتوّ الرّياح اللاواقعيّة.
6/كيف استطعت أن تجمعي بين النثر والشعر على مستوى الكتابة؟
"ثرثرة أنثى " ولدت قبل “أنا العاشقة " و " خيال المرايا "، وبين المخاضيْن النثري والشعري وجع مختلف… والنمط السردي في " ثرثرة أنثى " ينبني على جدلية الكشف والتستّر ذلك أنّ الأنثى تستبطن مشاعرها وتعلنها في وقت مناسب… "أنا العاشقة " و "خيال المرايا " تحتكم الكتابة إلى توالد الصور الشعرية من رحم اللحظة الهاربة… القصّ والشعر توأمان لكنّهما من رحمَيـْن مختلفيـْن.
7/ : هل تؤمنين بالتخصص في الكتابة من جنس واحد؟ أم يجوز لنا التنويع بين أصناف الأدب؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، ألا ترين أنَّ ذلك يخلق نوعًا من التشتت والفوضى.
الجواب: إذا كنت قد أصدرت شعرا ونثرا، فالأكيد أنّني لا أرتهن لجنس واحد في الكتابة الإبداعيّة.. وأنا في كلّ حال لا أعتبر التخصّص في جنس واحد استثناء ، بل أراه تحنيطا للمبدع وتكبيلا له وقيودا تحدّ من انطلاقه نحو فضاءات أرحب ..التنويع ليس مبدأ بل حقيقة تفرضها روح الإبداع وقريحة المبدع ..ولا أرى أنّ ذلك يخلق تشتّتا وفوضى ، بال على العكس ..التنويع يخلق امتدادا وتواصلا وانتشارا .
8/ : ألا ترين أنَّه في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي قد أصبح تركيز المبدع على الانتشار على حساب قضيته الإنسانية التي انتهجها في مؤلفاته؟
الجواب: مواقع التواصل الاجتماعي مكّنت المبدع من نشر قضيّته والوصول بكتاباته إلى المتلقّي بأكثر سهولة خاصّة في ظلّ معضلة الطباعة والنشر. كيف للمبدع أن ينتشر وهو لا ترتدي ثوب قضيّته؟ ما من مبدع يقدر على أن يصل إلى قلوب الناس وأذهانهم إلا هو يحمل وجعه بين كفّيه…
9/ : يبدو واضحًا اشتغالك على الشعر بشكل كبير في الفترة الأخيرة. ما الذي تضيفه الشاعرة وداد الحبيب إلى وداد الأديبة.
الشِّعر عندي ليس ترفًا أو سياحة أدبيّة، إنّه قضيّة واقع وحياة.. مسألة مصير وبقاء… أنا لا أكتب الشعر من أجل الشعر، بل يرتهن نصّي لقضايا الانسان والواقع والأمّة.. أعتقد أنّني أحاول أن أجد لي موطئ قدم في دنيا المكابدة الشعريّة.. المسألة ليست بما يضيف الشاعر، بل بما تبنيه ويتركه من صحائف ترشد الناس إلى مواجعهم وتمسح دموعهم وتجعلهم يحيوْن بسلام..
10/ : لا بد أن إبداعاتك قد نشرت بالعديد من المواقع الإلكترونية والصحف والمجلات الورقية، برأيك من يساعد على الانتشار، مواقع التواصل والمواقع الإلكترونية أم المجلات الورقية؟
كلّ هذه الوسائل تعمل لنشر الإبداع.. لكن أعتقد أنّ أهمها المجلات الورقيّة لأنّها تظلّ الشكل الحيّ النّابض، المواقع الالكترونية لا يصل إليها الجميع وأحيانا لا يهتمّ بما يُكتَب بها في ظلّ أشياء واهتمامات أخرى .
11/ : لماذا الكاتب المبدع مُكرَّم خارج بلده أكثر من بلده نفسها؟
هذه مسألة وعي من قبل المشرفين خاصّة في وزارة الثقافة.. ولكن ليست قاعدة، فكثيرون هم الأدباء الذين كرّمتهم بلدانهم وعُرفوا فيها أكثر من غيرهم ممّن استقطبتهم دول أخرى… الفيصل في المسألة وعي المشرفين بدرجة أولى.
12/ : بماذا تقيِّمين المبدعين والأدباء التونسيين ومستوى النشاطات الثقافية في تونس مقارنة بالدول العربية الأخرى؟ وهل بإمكان المبدع التونسي أن يكون في مقدمة المبدعين العرب على الرغم من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أصابت وطننا العربي الكبير؟
المبدعون والمبدعات التونسيون كثرٌ ولهم حضور مشرّف في الساحة الأدبية والثقافيّة داخل تونس وخارجها .. لا أزعم أنّي على درجة من الكفاءة لأقيّم تقييما نقديا لأدباء وأديبات بلادي ولكنّي أؤكّد بكثير من الثقة ما لهم من قيمة جليلة… المبدع التونسي ليس أقل أو أكثر من أيّ مبدع عربي والظروف التي حفّت ببلادنا ألقت بظلالها على بلدان أخرى… تلك الظروف لم تحدّ من تميّز المبدع التونسي… بل زادته تميّزا وحضورا لافتا .
13/ ما جديدك الآن؟
أنا بصدد إنها روايتي الأولى ولي مجموعة قصصيّة في خطواتها الأخيرة أيضا.
14/: كلمة أخيرة توجهينها للقارئ العربي بشكل عام.
سعيدة جدّا بهذا اللقاء المميّز أستاذ أيمن… شكرا لكم على هذه الدعوة الكريمة التي مكّنتني من مصافحة محبّي الأدب والشأن الثقافي العربي بصفة عامة.. أرجو لكم مزيد التألّق والانتشار…