نعمه العبادي- العراق
– ملاحظتان:
١- تشمل افكار هذه الورقة كل المراحل الدراسية بما فيها الدراسات العليا، ولكنها معنية بشكل اكبر في المراحل الاولية من الدراسة.
٢- لا تعنى هذه الورقة بصراع القديم والجديد، فهي تنحاز إلى كل ايجابي ومنتج في اي زمن.
– واقعنا: يتلخص واقعنا في المفردات الاربعة التي هي عماد العملية التعليمية والتربوية في جملة مؤشرات نعرض اهمها في الآتي:
1/ على الرغم من كل ما يقال عن التحولات التي تمر بها الاجيال إلى ان نظرة المجتمع للتعليم واهميته (بغض النظر عن الدواعي) تطورت بشكل كبير، وتزايد اهتمام الاسرة والمحيط بضرورة التحصيل المدرسي.
2/ ان التزايد السكاني غير المخطط له، والظروف الطارئة، والادارة الفاشلة والفساد، خلفت نقصا حادا في مستلزمات العملية التعليمية خاصة على مستوى نقص الابنية والكتب الدراسية والمختبرات ووسائل الايضاح وغيرها من مستلزمات نجاح العملية التعليمية.
3/ يوما بعد يوم تترسخ صورة نمطية سلبية عن التعليم الحكومي على مستوى الدراسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، واصبحت المدارس الاهلية ومحلات التعليم الخصوصي البديل الانجح في منظور الجميع، كما، ان الكليات الاهلية (بما فيها وما عليها) مثلت فرصة ايسر واوسع واسهل للكثير ممن لم يتاح لهم التعليم الجامعي الحكومي (لأسباب مختلفة).
4/ يجري تحديث وتبديل المناهج بشكل مرتجل وسريع وغير مناسب، ويشكل هذا الامر احد اهم التحديات للعملية التعليمية.
5/ يوجد فارق واضح عن مستوى الوعي والنضوج للتلاميذ والطلبة وبين مراحلهم الدراسية، فطالب في السادس الاعدادي يعادل وعيه ونضوجه للحياة ومجمل فعالياتها طالبا في الابتدائية (بناء على القواعد)، والامر يسري إلى طلبة الدراسات العليا.
6/ تحوي المناهج كما هائلا من المعلومات، ولكنها لا تنتج معارف ووعي لدى الطلاب، وهناك خلل فاحش في العلاقة التراتبية والضرورية بين نوع المواد والدروس في كل كتاب منهجي، وبين ذاك الكتاب والكتب الاخرى في المرحلة نفسها، وبين المراحل الدراسية، ولا ينظر (من قبل واضعي المناهج) الى طبيعية المخرج الذي يفترض ان تنتجه المرحلة او الفرع الدراسي، فمثلا عندما نتحدث عن التوصيف العلمي لخريج كلية ما، لا يناقش محتوى هذا التوصيف من حيث مطلوبيته وجدواه وتمامية الغرض منه، ثم يعاد لوضع المناهج وتقسيم الدروس والمفردات على هذا الاساس.
7/ بصورة عامة هناك اهمال وغياب شبه تام ل (التفكير والتأمل والنظر والبحث والاستقصاء والنقاش المشترك) في معظم المراحل الدراسية، والسمة العامة هي (التلقين والحفظ والنقل والرد والإملاء).
8/ في امتداد النقطة (7) يغيب منهج البحث عن علل المسائل والمطالب، واثارة الاسئلة عن الماورائيات والاسباب، وفهم تراتبية المراحل والخطوات، فالاستاذ والطالب هاربان عن سؤال (لِمَ؟)، وعندما تسأل الطالب الذي اخذ درجة كاملة في الامتحان (لماذا اصبحت النتيجة هكذا ولماذا نحل بهذه الطريقة ومن اين جاءت هذه الفكرة وما هو اصل هذا المصطلح ولماذا تحول الى هذا المصطلح الجديد وما الفرق بينه وبين ذاك الاصطلاح)، تأتيك الاجابة الفورية (لا ادري، ولماذا اعرف هذه الامور، المهم الحل الصحيح)، والانكى ان معظم الاساتذة يجهلون الاسباب والعلل وفقه الامور.
9/ اوجد منهج التلقين والحفظ عدد هائل من الطلبة يشبهون (خزان الحاسبات) يحصلون على درجات عالية جدا في الامتحانات ولكنهم فقراء معرفيا ومستوى ادراكهم ادنى بكثير من تلك الدرجات التي حصلوا عليها.
10/ اوجدت جائحة كورونا ظرفا للاعتماد على التعليم الالكتروني، ورغم ان المدارس في العراق عادت الى الدوام الكامل الطبيعي إلا ان هناك اعتماد نسبي على الالكتروني واصبح مثل العرف الدارج ارسال الواجبات والتكاليف والشروحات والتبليغات من خلال الوسائل الالكترونية.
11/ يغيب الاهتمام بدروس حيوية ومهمة مثل الانشاء وتعلم الخط والاملاء وموضوعات حيوية اخرى.
12/ يعاني قطاع التعليم بمجمله من الاهمال والتقصير وعدم إيلاء المعلمين والمدرسين والاساتذة ما يستحقون من الرعاية والاهتمام، والذي يدفع بالكثيرين للتعويض عبر الدروس الخصوصية والمشاريع الاخرى التي تضر بالمخرجات التعليمية.
– النتائج والتداعيات: لقد خلف الواقع المشار إليه جملة من التداعيات والنتائج تمثل في الآتي:
1/ واقع تعليمي متخلف من حيث المخرجات والكفاءة والقدرة على مسايرة التطور وتلبية حاجات الحياة المتجددة.
– اعداد كبيرة من التلاميذ والطلبة الذين يتدرجون في مراحلهم الدراسية دون ان يتدرج وعهم ونضوجهم واكتمال معارفهم بذات التدرج المرحلي.
3/ مدارس مزدحمة بالطلاب ونظام دوام يحرم الطلبة من الوقت الضروري للدراسة، فضلا عن الظروف البيئية والصحية السيئة في المدرسة.
4/ اعتماد شبه كلي على التعليم الاهلي والدروس الخصوصية.
5/ تلاميذ وطلبة يحفظون آلاف المعلومات دون ان يدركوا علل الترابط بينها وما ورائياتها وفقهها ومعرفة الاسباب التي جعلت النتائج تكون بهذه الصورة دون غيرها.
6/ ارتفاع كبير في معدلات الطلبة يقابله محدودية الفرص في التعليم الجامعي، فهل من المعقول ان يذهب طالب حصل على معدل 97 في امتحان البكالوريا الى معهد طبي او ان الطالب الذي بلغ معدله 100 لا يحصل على فرصة الالتحاق بكلية الطب!!.
7/ ان بقاء الاعتماد على التعليم الالكتروني خصوصا للاطفال واليافعين يضعهم امام خطر البيئة الالكترونية، ويعمق العادات التعليمية السيئة التي خلقها هذا العالم.
8/ يعاني معظم الناس وهم الطبقة دون المتوسطة من تكاليف تعليم اولادهم في المدارس والتعليم الاهلي وكلف الدروس الخصوصية، بحيث غرق الكثير منهم في ديون وتبعات مالية جراء الحاجة لتوفير فرص مناسبة لتعليم اولادهم.
9/ اعتماد على نظام الملازم والملخصات واهمال المناهج الدراسية الاساسية.
– مقترحات وتوصيات: ندرج ادناه مجموعة توصيات ومقترحات واقعية تتمثل في الآتي:
1/ تنويع فرص التعليم واعادة المدارس المهنية واعدادية التجارة والزراعة والصناعة والمعاهد وغيرها من الفرص التي تركز على الجوانب المهنية، وزيادة فرص خريجي هذه المجالات الدراسية بسوق العمل والوظائف الحكومية.
2/ تشكيل لجان عالية المستوى معرفيا من المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنجاح في مجال التعليم لاعادة النظر في كل المناهج والمفردات الدراسية لكل المراحل، وتثبت مناهج شبه مستقرة يتم تحديثها بفترات متباعدة وبما هو ضروري فقط، واصدار الكميات المناسبة لعدد الطلبة، وإلزام الكوادر التعليمية بالاعتماد على المناهج دون غيرها من المصادر، ومنع الاعتماد على الملازم والملخصات والمصادر الثانونية إلا بما هو ضروري.
3/ العمل على استكمال اعداد المدارس المطلوبة من خلال نظام عمل مكثف للانجاز يستثمر النهار والليل لغرض تعجيل الانجاز مع اعادة تاهيل المدارس.
4/ اقرار نظام التعليم القائم على اكتساب المعارف واشاعة البحث والتفكير واعتماد النشاطات التي تحفز المشاركة الجماعة، واعادة الاهتمام بدرس الانشاء وغيرها من الدروس التي تنمي الوعي.
5/ اعادة تاهيل كل الكوادر التعليمية بدورات منظمة وبمستويات متعددة تركز على بناء القدرات المعرفية والتربوية للكوادر التدريسية.
6/ ايجاد منظومة حقوق عادلة ومنصفة للكوادر التعليمية، ودعمهم بكل ما يشجع ويحفز انتاجهم التعليمي والتربوي.
7/ اعادة توزيع الكوادر بين المدارس والجامعات بشكل يضمن وجود فرص متكافئة للطلبة للحصول على مستوى متقارب من التعليم.
8/ بلورة نظام ثواب وعقاب واضح وصارم ومحمي يسري على كل اطراف العملية التعليمية بعدالة ومساواة.
9/ إلغاء اي امتيازات طبقية او خاصة غير قائمة على الاستحقاق العادل تضر بعدالة المنافسة والحصول على الفرص في التعليم والتوظيف.
10/ تطوير منظومة الاشراف والرقابة على مجمل العملية التعليمية.