ا. ناصر كمال بخيت
اديب و كاتب مقالة راي بجريدة منبر التحرير الأسبوعية / مصر
لا يمكن تجاهل ما حدث في بدايات القرن العشرين مع ما يحدث الآن في بدايات القرن الواحد والعشرين، فقد بدأ القرن الماضي بحرب عالمية ووباء الأنفلونزا الإسبانية وتفجير أول قنبلة نووية وتلك الأحداث جميعها تسببت في حصاد أرواح ملايين من البشر ولكن خرجت منها بعض الدول كقوي عظمي وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والذي أنهار بعدها لتبقي روسيا الوريثة الحائرة التي تحاول إعادة أمجادها القديمة.
وها هو القرن الواحد والعشرون يبدأ بوباء أصاب الملايين من البشر وعلي حسب التوقعات الغربية لابد أن نستعد للوباء القادم وقد تسبب هذا الوباء في توقف النشاط الاقتصادي لمعظم الدول ثم تبعه الحرب الروسية الأوكرانية التي زادت الطين بلة فساد التضخم والركود الاقتصادي والغلاء معظم الدول والذي يدرس جيدا ما حدث في الحرب العالمية الأولي يعلم أن المنتصر هي الدول الأغني فقد أنفقت دول الحلفاء ما يوازي 147 مليار دولار علي الحرب بينما أنفقت دول المحور 61 مليار دولار فقط ولذلك انتصرت دول الحلفاء في الحرب فهل ما يحدث في العالم الآن شبيه لما حدث في الماضي وهل يتم إحراق العالم لتظل قوي معينة وهي التي تمتلك اقتصاد العالم مهيمنة وتمسك بزمام الأمور رغم كونها تحترق بنفس النيران ولكن لديها القدرة علي الولادة من جديد من وسط الرماد مثل طائر الفينيكس في الحضارة الإغريقية الذي يحرق نفسه ثم تظهر بيضة من وسط الرماد تفتح ليظهر منها هذا الطائر شابا وقويا من جديد.
ومع بدايات العام الجديد هل سيستمر إغراق العالم بالأزمات وإشعال الحرائق أم سيعود أصحاب السلطة والنفوذ في العالم لرشدهم ويتم نشر السلام العالمي والتعاون بين الشعوب لرخاء الإنسانية.
في الحقيقة كنت أود أن أبدو متفائلا ولكن كل المعطيات تثبت ما أوردته في مقال سابق لي باسم صناعة الأزمات في السنة المنصرمة وسوف أعيد نشره لكم في هذا المقال السنوي لما له من أهمية في فهم مجريات السياسة العالمية:
«إن ما يدور في الطرف الآخر من العالم حيث الحرب الروسية الأوكرانية علي أشدها، وما تبع ذلك من انتشار التضخم والغلاء في معظم دول العالم قد يبدو للوهلة الأولي أمر لحظي طارئ تسبب فيه خلاف سياسي تاريخي بين القطبين الشرقي والغربي، وسوف يزول بنهاية الحرب، ولكن في ظني أن تلك الحالة التي يمر بها العالم هي عبارة عن سلسلة من صناعة الأزمات ونوع آخر من الحروب التي من خلالها يتم تحقيق المصالح الاقتصادية والسياسية لقوي تمسك بزمام الأمور في العالم، وهي قوي تمتلك مخطط لهيكلة وإعادة بناء الدول وفقا لمصالحها، ولذلك سعت منذ البداية لإشعال هذا الصراع ورأت فيه مصلحة للسيطرة علي مقدرات شعوب كثيرة من خلال نشر الغلاء وتصدير الثورات إليها، وسيقول قائل إن تلك الأزمة طالت الدول الغربية والأوروبية نفسها وهو محق فيما يقول، ولكنها في رأيي هي لعبة عض الأصابع وسياسة حافة الهاوية حيث تمتلك تلك الدول من الإمكانيات ما يجعلها تتخطي تلك المرحلة بأقل الخسائر (وخاصة اذا كانت تخطط وتستعد لذلك منذ زمن بعيد) في حين يتم استنزاف الدولة المعادية وهي روسيا الاتحادية بتوريطها في المستنقع الأوكراني هذا من ناحية، أما من الناحية الأخري وهذا ما يعنينا نحن الدولة المصرية المحورية في المنطقة، و التي استطاعت أن تتغلب علي المخطط السابق لإثارة الفوضي غير الخلاقة، وراحت تبني جمهوريتها الجديدة، فهروب المال الساخن والاستثمارات بفعل رفع الفائدة في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وزيادة السعر العالمي لمعظم السلع أثار موجة من الغلاء يراهن أعداء الوطن علي أن تتسبب في حالة من الفوضي التي لم تتم من قبل، ولكن السعي إليها بالطبع لم يتوقف ولن يتوقف في رأيي، ولكن هذا السيناريو لن يحدث وأنا أراهن في ذلك علي شيئين: أولهما وعي الشعب بما آلت إليه شعوب مماثلة لنا من تقسيم وحروب أهلية بسبب تصدير الثورات إليها، وما اختبره المواطن من أثر الفوضي علي حياته اليومية ومستقبل وطنه وابناءه بعد أحداث يناير، والثاني هو قوة الجيش المصري الحامي والمدافع عن استقرار الوطن ووحدة أراضيه، ولذلك أتمني أن تلعب الدول الخليجية والتي استفادت من ارتفاع سعر الدولار والنفط دورا في ضخ استثمارات بديلة في مصر لأن قوة مصر هي العامل الأساسي في الحفاظ علي استقرار المنطقة وأمن الدول الشقيقة، فعاشت مصر للعرب وعاش العرب مصر، والخزي والعار لأعداء الوطن.»
ولكن رغم كل ذلك إلا أن الشعوب ليست دائما ما تمضي تبعا لمخططات معدة سلفا لتحقيق مصالح قوي عالمية فهي قادرة علي الحفاظ علي مقدراتها ولذلك يظل الأمل والتفاؤل موجودا وخاصة في مصرنا الحبيبة التي في ظني أنها قادرة علي تخطي تلك المرحلة الراهنة من تاريخ العالم بحكمة بالغة وسوف تخرج منها قوية وربما من القوي الكبري المؤثرة في العالم ولنا من التاريخ قدوة ومثال فقد كانت كلا من اليابان وألمانيا من الدول المدمرة تماما بعد الحرب العالمية الثانية ولكنهما الأن من القوي الاقتصادية الكبري ومفتاح ذلك هو التوسع في الصناعة الوطنية وزراعة المحاصيل الاقتصادية والاستراتيجية وإصلاح التعليم ليلبي تلك الاحتياجات الملحة للوطن في تلك المرحلة وأعتقد أن دولتنا الحبيبة قد بدأت في ذلك وسوف تستمر بأكثر قوة حتي تعبر بنا من عنق الزجاجة ونري مصرنا الحبيبة من أقوي وأعظم الدول في العالم أجمع.