كمال سحيم
وَ كَمْ لاَقيتُ في عَتَبيْ
حَديثاً حُلُوهُ مُرُ
وَكَمْ آنستُ سماري
و ليلي جاوز الأعذار
مرمرني
كمثلوب الهوى المسكونِ
في حِنَّاء ليلتهِ
فأيقظَ جمرةَ النسيانْ
أجبرها على الذكرى
وَحّوّلَ خاتمي مَرَساً ليخنقها
ففرت من دمي أنثايْ
تطلبُ حصةً للصومِ
قبلَ بلوغِ مثواها ..
* * *
جميلٌ أيها الحُلُمُ الذي
ألقوكَ في اليَمِّ
أما آنستَ مرضعةً
تشُّمُ حليبها عَكَرَاً
فَتَزْرُقُ بينَ أثداءٍ تُناديكَ ..
تقدم ها هو الصدرُ
يَنِزُّ رطوبةً للطيفِ
كي لا تُكْسَرَ الأرواحُ
من جوعٍ و من عطشٍ ..
فأنتَ الآنَ في جُبِّ الهوى
المسكونِ بالغفرانِ يا قمري
و لستُ اليومَ معترِفَاً
إذا ما جئتَ من طَوْعٍ
تُصارحُني
لماذا خانتِ الأرضُ مساراتي
وَيَتَّمَني حليبُ الناقةِ الحمراءْ
في صحراءِ ذاكرتي
أكانَ الجمرُ مَكنوناً عن اللهبِ ؟
أم أنَّ قوافلَ الحَجَّاجِ
بعثَرَها صدى عَطَشي ؟
* * *
دخلتُ الجُبَّ كي أشربْ
و ريقي يابسٌ بالشمعِ
شهوةُ أحرفي الأولى
تُباغِتُني
و عَشتارُ التي دُفِنَتْ
تهزُّ ثمارَ فرحَتِها
لتسري روحُها في الليلِ
سابحةً على وَهَجٍ
يمرُّ أمامنا سُبُحاً
كَأَنَّا فيهِ أسرجةٌ
لِخيلٍ غَاصَ قائِمُها
بأرضٍ ما لها ضَرْعُ ..
* * *
تجاهلَنا هواءُ الأرضِ
و المطرُ
و حَبُّ بيادرِ الأصحابْ
تجاهلنا حميم الدفء للكفن
و ربَّت فوق سحنتنا
زؤام الموت في المحن
* * *
أريد اليوم أن تصطكَّ
أحزاني بعارضها
فكم شجرٍ
أثار غريزة الأمطار
فارتطمت
شآبيب الفضا بالأرض
و انتعلت
رياح جنوبه غربه
فصار الطين مبخرة
لقدَّاس و جنّاز
* * *
أريد اليوم
أن تهتزّ أحزاني
بغضبتها
فكم سَوْطٍ سيجلد
سيديّ السّلطان قامته
و كم ألِف
سيعلن أنه غضب
على أفعال جارته
و أنّه لن يحاكيها
إلى أنْ تأتي تعتذر
و أنّ هناك شائعةً
تليق بحسن عينيه
إذا ما هدّها تعب
تميع بصحن خدّيه
* * *
فيا أنت التي في الأفق
تقرأ وجهَك النظراتُ
تمشي خلفك الدّنيا
أما آنست لي وطناً
على أطراف ممكلة
الورود البيضِ
بين الفجر و النحر
أما آنست لي فَلَكاً
يعاتب ظلَّه الحُسْنٌ
على الناي الذي
كسروه في صوتي
أما آنست لي جمعاً من الأحباش
يهدر مثل طابورٍ
على نعشي الذي
رفعوه للموتى
أما آنست لي موتاً
بغير صفاقة في القول
كي لا تجفل الأرواح
من كرِّ العناقيدِ
* * *
أريد اليوم أن تهتزَّ يا قمري
أريدكَ أن تُقوّلَني لماذا
ناءت الأرض بأثقالي
و ما عادت لي الدّنيا
على طبقٍ من الذّهب
أريدك أن تُغضَّبَني
إذا ما مرّت الأحزان
قافلةً مواويلي على وجعي
و مترعةً بماء الغيض
مترعةً بماء الغيظ
أيطفو وجهُنا في الماء؟
أم نمضي إلى مدن مخرّبةٍ؟
فلا أحدٌ يريد الآن
أن يُلقي عصا أملي بماء النّهر
و هذي حيرة الدّنيا تغالِبني
فكلّ نسائها إغتسلت
لتفتنني
فلا أجد لدرب الرّوح لبّانةْ
و لا أجد لدرب الرّوح تبّانةْ
فَعًلّي أَشرُقُ الروح التي
ضاقت بطين القلب
علِّي مِن مفاتنها
أصير نبيّ حسّادي
فتتبعني مواويلي التي
حُجِزت على سدٍّ من الأعذار
و يٌرجِع صوتُ منشدنا
قصائدَنا
فيا عشتار لو تدرين ما أدري
لما عدت بسيقانٍ من الورد
تلبُّ الروح إن قامت
و إن قعدت.. تُدوّخني..
…………………………………
ابن سحيم الدمشقي/ على خصر ناي